العنوان صفحات من تاريخ اليهود: ظاهرة الذل.. والإجرام
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 06-ديسمبر-1977
مشاهدات 18
نشر في العدد 377
نشر في الصفحة 33

الثلاثاء 06-ديسمبر-1977
صفحات التاريخ اليهودي مليئة بالخزي والعار والهزيمة.. إن هؤلاء الذين لا يزيد تعدادهم الآن عن عشرين مليونًا إلا قليلًا (ولنتصور كم كانت تعداداتهم من قبل).
هؤلاء الذي يضمرون الشر للبشرية دائمًا.. ويعيثون- دائمًا- في الأرض الفساد، ويقفون- بصورة أو أخرى- وراء كل الحروب، والصراعات والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، والمذاهب المنحلة والهابطة.
هؤلاء- بكل ذلك وغيره- كم منوا بالهزيمة!، وكم عانوا التشرد والضياع!
إن تاريخهم في حقيقته- إلا من فترات قليلة قلقة- يكاد يكون مجموعة من الهزائم والنكبات التي ينزلها الله بهم جزاء استغلالهم لكل مقوماتهم ضد الإنسان.. وضد القيم الإنسانية.
أليسوا هم المشردين دائمًا؟ المضطهدين من قبل الشعوب المسيحية والوثنية لأفعالهم دائمًا؟ المحرومين من رحمة الله دائمًا؟
إن سكان فلسطين الأقدمين هم عرب اليوم- الذين طردوا من أرضهم في ظروف خداعية كبيرة.. وهؤلاء العرب الفلسطينيون هم أحفاد الكنعانيين واليبوسيين والفلسطينيين الذين صمدوا على أرضهم الفلسطينية، ونجحوا - على امتداد التاريخ- في دحر كل محاولات اليهود للاستيلاء على أرضهم.. أو السيطرة عليهم.. ليقول السير «ريتشارد تمبل» عن هؤلاء الفلسطينيين العرب الحاليين: «إن هؤلاء الأصلاء الكنعانيين الذين ورد ذكرهم في التوراة.. أخلاف اليبوسيين والعموريين.. لقد كانت لهم شخصيتهم الأصيلة الخاصة.. وكما سيذكر قارئو التوراة، فإنهم لم يخضعوا أبدًا للنفوذ اليهودي، بل أنهم- على العكس من ذلك- قد جعلوا القومية اليهودية في كثير من الأحايين تحس بقوة أثرهم إحساسًا ينذر بالكارثة».
ولم يكن اليهود- المهزومون دائمًا إلا في حالات نادرة وظروف غير موضوعية- لم يكونوا منذ تاريخهم القديم.. وحتى في أثناء غزوهم الشهير الفلسطيني سنة 1220 قبل الميلاد.. لم يكونوا أمة بالمعنى الحقيقي للأمة.. بل كانوا- كما هم اليوم- أشتاتًا متناقضة من البشر المنشورين في بقاع الأرض.
ويصور المؤرخ الكبير- غوستاف لوبون- هذه الوضعية بقوله:
«كان بنو إسرائيل أقل من أمة حتى زمن شاؤول، كانوا أخلاطًا من عصابات جامحة كانوا مجموعة غير منسجمة من قبائل سامية.. أفاقة بدوية تقوم حياتها على الغزو والفتح والجدب وانتهاب القرى الصغيرة، حيث تقضي عيشة رغيدة دفعة واحدة في بضعة أيام فإذا مضت هذه الأيام القليلة عادة إلى حياة التيه والبؤس».
وكما هي العادة في التاريخ اليهودي.. إن هؤلاء اليهود لم يدخلوا يومًا معركة معتمدين على أنفسهم فإن قوتهم الذاتية هزيلة للغاية- لكنهم دائمًا- يحاولون استجلاب وإيقاع قوى خارجية مساندة لهم.. وحتى الجيش الذي انتصر به سيدنا «داود»- بعد- شاؤول- لم يكن جيشًا يهوديًا حقيقة.. بل كان أخلاطًا من البشر لا يمثل اليهود والسيطرة والتدخل في الشئون فيه نسبة ذات بال مع أنهم- كما نعلم- يعتبرون هذا العصر عصرهم الذهبي، ويعتقدون أن «داود» رأس مملكة يهودا.
لقد وصل داود إلى رأس مملكته مرفوعًا على السواعد غير الإسرائيلية، وبالتحديد على سواعد أجداد عرب فلسطين اليوم.. وكما يقول «البروفسور روبنسون» عن هذا الجيش:
إن مما يدعو إلى الاهتمام أن تلاحظ أن القوة الأساسية لهذا الجيش الدائم كانت تستمد من مصادر أجنبية، لأن الشريطيين والبلطيين كانوا فلسطينيين «فلستينيين» على وجه اليقين، ولم يكونوا يشكلون عماد قوة داود الشخصية فحسب، بل أن وجودهم في صفوف جيش داود قد ذهب إلى مدى تنصيبه على العرش.
لقد كانوا بالنسبة لداود كما كان الحرس اليهودي البويتوري بالنسبة إلى أباطرة الرومان.
ويعلق المؤرخ الإنجليزي «جفوير» على هذه الحقيقة بقوله:
«لقد أسهم العرب بالنصيب الأوفر في إعطاء العرش لسليمان الذي يمثل أوج العصر السياسي (لإسرائيل)!».
من المعلوم أن «سليمان» قد عرفهم.. وعاملهم بما يعرف أي بمنتهى القسوة، ففرض عليهم العمل الإجباري في عصابات العمل الملكية، وفرض عليهم ضرائب باهظة وفرق بين يهود الجنوب ويهود الشمال.. حتى يظل اليهود مشردين ضعفاء.
ولم يكد سليمان يذهب إلى عالم الخلود، وذلك بعد أن أذاق اليهود الأمرين، وكشف لهم غباءهم وجهلهم.. بعد أن كانوا يزعمون القوة وعلم الغيب.. لم يكد يذهب إلى ربه.. حتى انقسم اليهود على أنفسهم إلى مملكتين.. مملكة يهودا.. ومملكة (إسرائيل).
ولم يلبث ذلك الازدهار الوقتي الذي أصاب (بني إسرائيل) في عهدي داود وسليمان- عليهما السلام- أن تحطم، ولم تأت سنة 597 قبل الميلاد حتى كان سلطان الآشوريين في الزوال، وقد دمر الميديون العاصمة الآشورية «نينوا» سنة 612 قبل الميلاد، وقد حاول ملك يهود الاستقلال في هذه الظروف إلا أن الملك نيخو المصري أخمد ثورته وضم يهودا إلى مملكته.. أما المملكة الأخرى- (إسرائيل)- فلم يكن حظها أحسن من أختها مملكة- يهودا- فعلى الرغم من أنها- ويهودا- كانتا تدفعان الخراج دائمًا للآشوريين.. أي أنهما لم يكونا مستقلين حقيقيًا- أبدًا- بالرغم من هذا فقد سقطت (إسرائيل) وخسرت (إسرائيل) كل أراضيها الواقعة شرقي الأردن وشمالي اليرموك وانتهت مملكة (إسرائيل) على يد حكام دمشق سنة 732 قبل الميلاد.
إن «التلمود» نفسه يذكر لنا أن سبب ما أصاب اليهود من خزي وعار في هذه العصور إنما كان بسبب من ذنوبهم «عندما بلغت مبلغًا عظيمًا وفاقت حدود ما يطيقه الإله العظيم».
وبعد أن تم تدمير الهيكل قال النبي أرمياء موجهًا كلامه إلى نبوخذ نصر والكلدانيين: «لا تظن أنك بقوتك وحدها استطعت أن تتغلب على شعب الرب المختار، وإنما هي ذنوبهم الفاجرة التي ساقتهم إلى هذا العذاب».
وجدير بالذكر هنا- واستنتاجًا من تطور الأحداث السابقة كما هي في واقعها التاريخي- إن ما أصاب اليهود حتى في هذه الفترة- كان بسبب محاولتهم الاتساع والسيطرة والتدخل في الشئون العالمية أكبر من حجمهم الطبيعي.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

