; صلاح الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان. | مجلة المجتمع

العنوان صلاح الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان.

الكاتب د. أحمد الغندور

تاريخ النشر الثلاثاء 25-أبريل-1978

مشاهدات 11

نشر في العدد 396

نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 25-أبريل-1978

محاضرات

الحلقة الثانية

في يوم الأحد الموافق ٢٤ ربيع الآخر سنة ۱۳۹۸هـ الموافق ٢ من أبريل سنة ۱۹۷۸م أقامت كلية الحقوق بجامعة الكويت محاضرة إسلامية فكرية بعنوان «صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان» قام بإلقائها الدكتور أحمد غندور رئيس قسم الشريعة بجامعة الكويت. 

وتقديرًا لمثل هذه المحاضرات والأنشطة الفكرية التي تلعب دورها السليم والصحيح في بث الوعي الإسلامي وخلق التوافق النفسي بين مشاعر الأمة الإسلامية ورغبتها للعودة إلى شرع الله وبين ما يشاع من فكر وثقافة في المجتمع فقد رأينا أن نوافي قراءنا الكرام بنص المحاضرة التي ألقاها الدكتور أحمد غندور، كما نتقدم بشكرنا الجزيل لكلية الحقوق وللدكتور أحمد غندور على هذه البادرة الطيبة.

والله الموفق لما يحبه ويرضاه.

عرفنا أن الشريعة الإسلامية شريعة حية، تتناسب مع مختلف الأحوال، وتحمل كل العناصر الكافية لتطبق في أي زمان وأي مكان.

هذه هي الشريعة الإسلامية. أما الفقه الإسلامي فهو مجموعة الأحكام العملية التي استمدها الفقهاء من كتاب الله ومن سنة رسوله ومن اجتهادهم بالرأي، فردي أو جماعي متأثرين في استنباطهم بأسباب كثيرة أدت إلى اختلاف في بعض الآراء بين المذاهب الفقهية. هذه الأسباب كثيرة اكتفي بذكر بعضها:

  • اختلفوا في بعض مصادر التشريع من حيث ثبوتها أم عدمه.
  • اختلفوا من حيث المفردات اللغوية والمراد منها.
  • اختلفوا في الترجيح بين المسائل عند التعارض.
  • التعصب المذهبي في بعض الأحيان.
  • الحالات النفسية لكن فقيه من الفقهاء.

كل هذه الأسباب وغيرها أدت إلى اختلاف بعض آراء الفقهاء، بعضها في العصور المتقدمة، وبعضها في العصور المتأخرة، وربما كان فيها بعض التشدد الذي يراعى فيه الزمن الذي وجدت فيه هذه الآراء، ولذلك ينسبها الناس إلى الشريعة الإسلامية، فيقولون عنها متجمدة، وهي بريئة من بعض ما ينسب إليها من بعض هذه الآراء الفقهية، والناس في هذا جد مخطئين .

من أجل هذا أقول إن هناك فرقًا بين الشريعة وبين الفقه الإسلامي. ولا أريد من وراء هذا أن أشهر بالفقه الإسلامي، حاشا لله، فالفقه الإسلامي ثروة، كنز، أنه درر كامنة في أصدافها. ولكني أردت أن أبرئ الشريعة من بعض الأتربة، التي كان من المفروض أن ينفض غبارها من سالف الأزمان، ولكنها بقيت معنا إلى هذا الزمان.

ولهذا أقول إن الدين في كتاب الله غير الفقه الإسلامي. وقد قال الشيخ المراغي: إن من الإسراف في التعبير أن يقال عن الأحكام التي اختلف فيها الفقهاء وفرعوا عليها، وسكتوا عنها أحيانًا، وقالوا بها أحيانًا، وما إلى ذلك..  إنها أحكام الدين، وأن من أنكرها فقد أنكر شيئًا من الدين. وإنما الدين هو الشريعة التي أوحى الله بها إلى الأنبياء وأما القوانين المنظمة للتعامل، المحققة للعدالة، الرافعة للحرج، ما هي إلا أقوال للفقهاء رضي الله عنهم أجمعين، هذه الأقوال استمدها الفقهاء بقدر الاستطاعة الاجتهادية لتصلح في زمنهم وفي حدود ما فهمه الفقيه من الكتاب أو من السنة أو من غير ذلك مما لم يوجد فيه نص.

ومن هنا يقولون إن الآراء الفقهية تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، نعم أنه عرف بتغير الحكم إذا تغير الزمان والمكان، ولا أقصد الشريعة طبعًا، فهي لا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة، ولا بتبدل الأحوال، ولا بغير ذلك.

الشريعة باقية، لا تبديل لكلمات الله، ولكن يجب أن نبدل نحن أنفسنا لنسير على هدى الشريعة الإسلامية وسأوضح لكم ذلك في محاضرتي هذه.

فالفقهاء مثلا لم يلزمونا بأن نتبع أقوالهم حتى هذه الساعة، ولكنهم علمونا كيف نستنبط الأحكام ، وفتحوا أمامنا باب الاجتهاد، ولكننا أغلقناه، ولكننا تجمدنا، وقلنا بوجوب أقوال الفقهاء بالحرف وبالنص، في حين أن الفقهاء لا يريدون ذلك. الفقهاء يريدوننا أن نرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله وما نرتضيه من أقوالهم، ونبرئ الشريعة من بعض الأقوال التي تنسب إليها.

على سبيل المثال: ليس في أي مذهب من المذاهب متحدث رسمي باسم الشريعة الإسلامية، فلا يجوز أن نقول إن الشريعة لا ترى التفرقة بين الزوجين مهما حدث بينهما من أضرار، من الذي قال بهذا؟ وهناك فقهاء قالوا إن لها الحق إن تطلب الطلاق، ولهذا نقول: إن المذهب الحنفي قد رأى هذا الرأي ولا نقول إن الشريعة تقول ذلك.

ومن الفقهاء من يقول إذا عقد زواج مغربي على مشرقية ولم يلتقيا، ثم ولد للمرأة طفل نسب إلى زوجها! وكيف أنجبته؟ يقولون إنه قد يكون من أهل الخطوة..  أو أن الرياح حملت النطفة إلى المرأة! هل يمكن أن ننسب هذا إلى الشريعة.. طبعًا لا..  إنما ننسبه إلى الفقيه.. الذي قال به.

أعود فأقول: لا أريد أن أشنع على آراء الفقهاء، إنما أقول إن الجمود داء دواؤه الرجوع إلى كتاب الله وسنة الرسول وإلى اجتهاد الذين تتوافر فيهم شروط المجتهدين. 

وإني أقول إن الأئمة أنفسهم لم يقبلوا لمن جاء بعدهم أن يفعلوا مثل ما نفعل الآن. وكان الإمام أبو حنيفة يقول: إذا جاء الحديث عن رسول الله فعلى العين والرأس. وإذا جاء عن الصحابة فعلى العين والرأس وإذا جاء عن التابعين وتابعي التابعين فهم رجال ونحن رجال. 

ويروى أن رجلًا قال لأبي حنيفة: إن هذا هو الحق الذي لا شك فيه. فقال له: وما يدريك؟ لعله الباطل الذي لا ريب فيه، والإمام مالك يقول: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق كتاب الله وسنة الرسول فخذوه، وكل ما خالف كتاب الله وسنة الرسول فاتركوه. وقال: كل يؤخذ من كلامه ويترك، إلا صاحب هذا القبر، صلى الله عليه وسلم.

والإمام الشافعي يقول: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. ويقول ابن حنبل: عجبت لقوم يعرفون الإسناد وصحته ثم يذهبون إلى ابن حنبل وسفيان الثوري ويتركون حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- 

«فليعلم الذين يخالفون عن رأيه أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم» 

أيها السادة هذه هي آراء بعض المجتهدين وهم لا يريدون أن نقلهم إلا إذا كان كلامهم موافقًا لكتاب الله وسنة الرسول. فكل بغيتهم أن يعينوا الناس على فهم كتاب الله وسنة رسول الله.

الرابط المختصر :