; صوت من مصر يتحدث عن الفتنة.. حلقة تآمر جديدة | مجلة المجتمع

العنوان صوت من مصر يتحدث عن الفتنة.. حلقة تآمر جديدة

الكاتب الشيخ محمود عبد الوهاب فايد

تاريخ النشر الثلاثاء 01-أغسطس-1972

مشاهدات 19

نشر في العدد 111

نشر في الصفحة 6

الثلاثاء 01-أغسطس-1972

يخطئ الذين يظنون أن التآمر على الإسلام حديث العهد في الواقع الذي يشهد به التاريخ أن الإسلام منذ بزوغ نوره وطلع فجره تعرض ولا يزال يتعرض لمؤامرات شتى قام ويقوم بها بعض أرباب الديانات الأرضية والسماوية، ولم يخل زمن من الأزمنة من مؤامرات حيكت ودبرت له بإحكام وإتقان، وهذا أمر لا غرابة فيه، فقد جرت سنة الله أن يتصارع الحق والباطل، ويتنازع الخير والشر، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلًا ولن تجد لسنة الله تحويلًا.

ولكن مهما طال النزاع، واشتد الصراع فإن النصر للحق ما دام أهله متمسكين به، يرفعون رايته، ويعلون كلمته، ويجاهدون في سبيله.

اصطدم الإسلام - أول عهده بالوثنية وصراعها، وتغلب عليها، ثم اصطدم باليهودية فأجلاها عن الجزيرة العربية ثم اصطدم بالمسيحية فحاورها وناقشها بالحجة، وجادلها بالبرهان، ووقف في وجهها حتى أتم الله نوره.

مؤامرات مستمرة، لا يكاد الإسلام ينتهي من مؤامرة حتى يجد نفسه يواجه مؤامرة أخرى ولا يكاد ينتهي من حرب يشنها عليه خصوم له حتى يواجه حربا أخرى يضرمها آخرون، ولو أن دينًا غير الإسلام واجه ما واجه الإسلام من مكائد وفتن لتشنن لحمه، ودق عظمه، وانحنى صلبه وقحل جلده، وانقضت أنفاسه، وفاضت نفسه.

نعم لقد ظل الإسلام طول عهده يواجه ألوانًا من الفتن والمحن أعدت بإحكام وبعد دراسة شاملة كاملة قام بها مختصون تفننوا في أساليب الكيد، ونبغوا في الحروب النفسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية والدينية.

وفي عصرنا الحديث تآمر أعداء الإسلام على الإسلام فقد عز عليهم أن يفتح آفاقا جديدة بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة دون إغراء بمال أو جنس دون إرهاب بسيف أو قوة.

لليهود ـبعد أن قطعهم الله في الأرض أممًا- حنين إلى فلسطين، وشوق إليها، ورغبة فيها، ولهم مطامع لا تنتهى عند حد، وأموالهم كثيرة وفيرة تعينهم في شراء الضمائر وكسب الأنصار وابتياع الأسلحة والمسلحين، وتدبير المؤامرات وتنفيذها، وهم يعلمون علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين أن الإسلام وحده هو الذي يحول دون مطامعهم، ويجند الجنود لتقف في وجوههم وتحمي العالم من شرورهم، فحاولوا أن يتحالفوا مع المسيحية، ويستخرجوا أضغانها الكامنة منذ فشلت الحروب الصليبية، وأمكن لهم أن يظفروا بوعد «بلفور» وأن ينقلوا لأرض فلسطين أعدادًا وفيرة درّبوهم على فنون الحرب ثم اتفقوا مع المستعمرين الصليبيين على الوقت المحدد لإعلان الدولة اليهودية ووسائل حمايتها.

وفى سنة ١٩٤٨ أعلن اليهود عن دولتهم الدينية المتعصبة للملة اليهودية كما يوحي بذلك اسمها واسم علمها فقد سموا دولتهم باسم «إسرائيل» واتخذوا لها علمًا رسموا عليه نجمة سموها باسم «نجمة داود» وهكذا أعلنوا ارتباط دولتهم بالدين، واعتمادها عليه.

ونشبت الحرب بينهم وبين العرب، وظهرت بطولات إسلامية أفزعت اليهود وملأت قلوبهم رعبًا، واستطاع الجيش المصري على الرغم من أسلحته الفاسدة أن يثبت في الحرب مدة طويلة حتى كاد يقتحم أبواب «تل أبيب»، ولم يوقف زحفه عليها إلا الهدنة التي لم يطلبها بل فرضت عليه استجابة لطلب اليهود وإغاثة لهم، وعاش اليهود في ظلال هذه الهدنة ينعمون بنعمة الأمان والاطمئنان ووجدوا عندهم من الوقت ما درسوا فيه بعمق تلك الحرب التي تأججت بينهم وبين العرب وتأكد لديهم أن الوازع الديني هو الذي زود المقاتل المسلم بزاده الحربي بعد أن اكتشف فساد سلاحه المادي، فرسموا الخطط لإماتة الروح الإسلامية، وتهديد الدعاة إلى الله، ونشر التحلل وإشاعة الفساد، وترويج الرذيلة، وبث الإلحاد، وتم لهم ما أرادوا، وفي الوقت الذي تأكدوا فيه من أن دعاة الإسلام قد انفرط عقدهم، وتبدد شملهم، ومزقهم كل ممزق وماتوا أو كادوا يموتون.

في الوقت الذي كادت فيه الدعوة الإسلامية تختنق، وتلفظ أنفاسها الأخيرة، في الوقت الذي تأكدوا فيه من أن بذور الإلحاد والفساد والرذيلة قد أثمرت ثمرها وآتت أكلها فالتهمت النفوس، وقضت على ما تبقى فيها من غيرة وحماس وإخلاص.

في هذا الوقت الذي تأكدت فيه اليهود من ذلك، واطمأنوا فيه إلى أن الروح الإسلامية قد وهنت أو فنيت وأن الإسلام صار بمعزل عن نفوس المسلمين وحياتهم الخاصة والعامة في هذا الوقت أجرى اليهود اتصالات مع كبار الدول وتم الاتفاق بينهم على أن يقوم اليهود بتشجيع من هؤلاء وأعوانهم بضرب الأمة العربية واحتلال أرضها، وقام كل بدوره في تنفيذ المؤامرة، ونشبت حرب مفتعلة تم فيها لليهود غصب أرض عربية جديدة، وسمع المسلمون عقب ذلك صوت الداعي لوقف القتال وازدادت دهشتهم، واشتدت حسرتهم حين رأوا بأعينهم ذؤبان اليهود يتبخترون على أرضهم، و يظفرون بأسلحتهم من غير عناء ولا شقاء.

ولم يلبث المسلمون إلا يسيرًا فقد بدأوا يتجمعون بكل ثقة وحماس لاسترداد بلادهم، وطرد أعدائهم، يدفعهم إلى ذلك إيمانهم بحقهم، وإحساسهم بحجم الهزيمة وعارها، واصطلاؤهم بنارها وفكر اليهود مرة أخرى، وماذا بعد هذا الاستعداد؟ فكروا وقدروا أنه لا مناص من أن يثيروا الفتن بين العرب ليقعوا في خلافات واضطرابات تضعف قوتهم، وتصدع وحدتهم، وتمزق جبهتهم الداخلية، فلا يمكن لهم بعد ذلك أن يوحدوا كلمتهم، ويجمعوا رأيهم على حربهم، وعلى استخلاص حقهم بقوتهم، ونتيجة لذلك تظل البلاد العربية في قبضة الدولة الإسرائيلية.

هكذا فكر اليهود وقدروا، وبدأوا العمل بنشاط وهمة فأثاروا وأثارت الدول التي تؤازرهم مطامع نفر من أبناء العروبة، وأكدوا لهذا النفر استعدادهم لعونهم ماديًا ومعنويًا، وبكل ما لديهم من مال وطاقات وأفكار وخطط وأجهزة ومعدات مختلفة، ورأينا في هذا الوقت نفسه نشاطًا مريبًا.

رأينا كيف يحاول بعض المواطنين جذب أبناء المسلمين إلى دين غير دينهم بوسائل مختلفة، بالتنويم المغناطيسي، بعقار الهلوسة «سي ب»، بحبوب مسح الذاكرة، بتقديم النساء والخمور بإعطاء الهدايا والأموال المغرية، بعقد الصداقات الأثيمة، بإقامة العلاقات الجنسية التي تستهدف إفساد الشبيبة خلقيًا، وتحطمها نفسيًا ليسهل لهم بعد ذلك جذبها إليهم دينيًا، بشراء الأراضي التي يمتلكها المسلمون بأثمان خيالية ليقيموا عليها معابد دينية، يتخذون منها ستارًا لتحقيق أغراضهم الإجرامية ويوحى اليهود لهؤلاء أن في استطاعتهم أن يعيدوا مأساة الأندلس إلى مصر الإسلامية إذا نشطوا في الأعمال التخريبية هذا الذي نقوله وتؤيده بعض التقارير الرسمية يستدعي من المسلمين يقظة شديدة وسهرًا متواصلًا وسعيًا دائبًا، وجهدًا مستمرًا، وحكمة بالغة، وتعاونًا وثيقًا بين الحكام والمحكومين.

على المسلمين أن يصلحوا أنفسهم و يوحدوا صفوفهم، ويثوبوا إلى رشدهم ويعودوا إلى ربهم، ويعاونوا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.

عليهم أن يؤلفوا جمعية في كل مسجد أو مدرسة أو مؤسسة مهمتها حصر أهالي الحي، ومعرفة طاقتهم المختلفة، ومواهبهم وقدراتهم المتنوعة، ليبذل كل منهم لأخيه ما لديه من فضل، وما عنده من مال، أو علم، أو فن، أو خبرة صناعية، أو زراعية، أو تجارية إلى غير ذلك حسب خطة يتعاونون جميعا في وضعها وتنفيذها ليقيموا من بينهم من يحرس المنشآت الدينية والوطنية، وليعينوا الحكومة في الضرب على أيدي من توسوس لهم شياطينهم، وتسول لهم أنفسهم الخبيثة أن يقوموا بأعمال تخريبية.

عليهم أن يتجنبوا اللهو المفسد، ويتحرزوا من الشهوات والمخالفات والشبهات، ويقيموا المعسكرات التي يتدربون فيها على أنواع الأسلحة ليستعدوا لقتال العدو، وليتأهبوا لحربه تخليصًا لأرضهم وأخذًا بثأرهم على علماء الأزهر وأبنائه، ورجال الجمعيات الإسلامية أن يهبوا لنصرة دينهم ووطنهم وينبهوا المسلمين إلى الأخطار التي تحدق بهم، ويبينوا محاسن الإسلام، وفضل النبي عليه الصلاة والسلام، ويردوا على كل شبهة، ويقضوا على كل فتنة، عليهم أن يعقدوا الاجتماعات، ويرسموا الخطط، ويواصلوا الوعظ ويتخذوا الوسائل العلمية والعملية التي تدفع عن الوطن ما يتعرض له من أخطار داخلية وخارجية، عليهم أن يفكروا بعمق، ويعملوا بحزم وعزم قبل أن يتسع الخرق على الراقع ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين (العنكبوت : ٦٩)

عليهم أن يضعوا نصب أعينهم قول الله تعالى:

﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ « ٨» إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الممتحنة : ٨ - ٩)

على كل مسلم ومسلمة يعرض عليه دين غير دينه أو يجد ما يرتاب فيه أن ينبه علماء الإسلام ورجال الوعظ وولاة الأمور ليتخذوا ما تقضي به مصلحة الدين ومصلحة الوطن.

إن العدو يفكر ويدبر، ويبذل من ماله وجهده ما يراه ضروريًا لتحقيق غرضه، ﴿وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ (البروج : ٢٠) ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ (الأنفال : ٣٦) - ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ

(محمد : ٢).

 

عن الزميلة "الاعتصام"

القاهرة

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل