الثلاثاء 27-أكتوبر-1970
صوموا..
• صوموا عن الطعام وليس من أجل الطعام.
• صوموا عن الكذب والدجل والنفاق.
• صوموا عن الجبن والتخاذل.
• صوموا عن لغو الحديث «السلام والأمن لإسرائيل».
• صوموا عن موائد «موسكو وواشنطن ولندن وباريس».
• صوموا عن دماء المسلمين ولحومهم وأعراضهم.
• صوموا عن بيع أنفسنا وأعراضنا وشرفنا في أسواق النخاسة الدولية!
صراع الحق والباطل في قصة عتبة
§ الحرص على المنصب، والتمسك بالجاه، وحب الظهور دائمًا على خشبة مسرح القيادة أمام الجماهير المصفقة في مجتمع جاهلي.. مرض خبيث وغير منظور!! يعمل عمله الساحر في داخل النفوس التي تعودت زمنًا طويلًا أن تكون مرجعًا للناس ومثوى لهم!!
§ وبينما تعرض أمام عين هذا المريض صور الحق الواضحة إلا أنها تهتز دائمًا أمام ناظريه يفعل الباطل الذي ران على قلبه وأفسد عنده جهاز الأبصار!!
- فهذا عتبة بن ربيعة أحد سادات قريش وزعمائها وكما أسلفنا في الحلقة الماضية، يستمع إلى الآيات المبينات يتلوها عليه صاحب الرسالة صلوات الله عليه.. فتصيب من رأسه مراكز الإحساس والشعور حتى يضع يده على فم الرسول وهو يسمعه نذير الله لمن سبق، ويعود إلى قومه يخبرهم بالحق الذي سمع!!
- وتمر الأيام سراعًا.. تجر ساعاتها في عجلة.. وعتبة يشهد هجرة ابنه «أبو حذيفة» إلى الحبشة مع الرعيل الأول داعيًا إلى الله على بصيرة، لا يثنيه تعذيب الكافرين له.. ولا اضطهادهم لمن معه.. ويعود «أبو حذيفة ليوجهه القائد الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى يثرب في هجرة ثانية.. ويكون هو والمهاجرون والأنصار النواة للمجتمع الإسلامي الزاهر.. ويشهد قيام الدولة الإسلامية بزعامة الرسول عليه السلام.
- كل هذا رأى بعضه «عتبة» وسمع البعض الآخر لكن الحفاظ على منصب يرتكز على الجاهلين، وصحبة تبقي على الأشرار، وركب حريص على موروث التقاليد في الزعامات والقيادات أيًا كان عقلها ودينها.. جعل الرجل يلغي اقتناع عقله، ويرمي بما اهتدى إليه فكره، ويستسلم للقوم منافقًا قادته قادتهم وجماهيرهم!!
- هذا أبو سفيان بن حرب يبلغ قريشًا أنباء محاولة الاعتداء على قافلته من قبل المسلمين.. وها هم أهل مكة يستعدون لمعركة انتقامية من محمد وأصحابه.. وبدأ جيشهم يتحرك.. وفي الطريق وقف «عتبة بن ربيعة» وقام فيهم خطيبًا:
- یا معشر قريش: إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدًا وأصحابه شيئًا!! والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه.. قتل ابن عمه وابن خاله أو رجلًا من عشيرته!!
فارجعوا.
وخلوا بين محمد وسائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألقاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون!!
- ومع هذا المنطق الجميل والحكمة الهادية، سنراه لا يقف دون رأيه مجاهدًا وهو مقتنع أنه الحق.
- ما إن سمعه حكيم بن حزام حتى أسرع إلى أبي جهل يحدثه بما ارتآه «عتب» واقتنع به، وحدث الناس بشأنه.. فقال أبو جهل:
انتفخ والله سحره حين رأی محمدًا وأصحابه!! كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأى أن محمدًا وأصحابه آكلة جزور وفيهم ابنه، فقد تخوفكم عليه.
وأرسل إلى عامر بن الحضرمي يقول له: هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك، فقام «عامر» وصرخ: واعمراه.. واعمراه.. فحميت الحرب، ورأی أبو جهل في ذلك إفسادًا لما ارتآه «عتبة».
- ولما بلغ «عتبة» قول أبي جهل انتفخ والله سحره قال: سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره!!
- لقد كان طبيعيًا أن يقف «عتبة» عند رأيه الذي وجده الحق، وأن يجنب نفسه وبعضًا من قومه موارد الهلاك، لكنه نافق قومه وحرص على مكانته بين أنداده من أمثال أمية بن خلف وأبي جهل بن هشام.. وأراد الإبقاء على اسمه عاليًا تصرخ به النائحات والنادبات، ويلطمن على الخدود، ويشققن الجيوب في مجتمع جاهلي تخصص في الندب والنواح والبكاء على الأطلال! وإقامة التماثيل تمجيدًا، وتبريكًا، وعبادة!! وارتبطت عواطفه بالأشخاص آباء أو قادة..
﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾
والتهبت مشاعرهم بهم محبة وقداسة يصفهم القرآن الكريم بقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ (سورة البقرة: آية 165).
بعد هذا كله.. وجد «عتبة» نفسه يخرج من الصفوف بين أخيه شيبة، وابنه الوليد، ويدعو المسلمين لمبارزته وكأني به أراه وقد استوحش التصفيق ألا يسمعه وكلمات الإعجاب ألا تتردد على مسامعه، وألا ترثيه أمته!! فألقى بنفسه في أتون المبارزة ليجند له صنديد من صناديد المسلمين.. وعيّن ابنه «أبو حذيفة» ترمقه بألم، بل كان يود أن يخطف رأسه بسيفه لولا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- منعه!!
وكانت نهاية أليمة فاجعة لهذا العقل الكبير أن تعصف به منافقته لقومه فترديه في قليب بدر مع زملائه من أئمة الكفر والضلال، حيث وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يناديه مع من ناداهم:
«يا عتبة بن ربيعة.. يا شيبة بن ربيعة.. يا... أليس قد وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا؟! فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًا».
ويوم القيامة تسعر بهم جهنم حيث لا ينفعهم نواح ولا رثاء ولا أمجاد ولا بطولات صنعوها على باطل... وصدق الله العظيم: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ وَأَتۡبَعۡنَٰهُمۡ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَةٗۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ هُم مِّنَ ٱلۡمَقۡبُوحِينَ﴾ (سورة القصص: آية ٤١ - 42).
أبو هالة
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل 
         
        محطــات إيمانيــة في طريــق التربيـــة.. نعمـــة بـلــوغ رمضـــان
نشر في العدد 2177
115
الأربعاء 01-مارس-2023
 
         
                 
                                    