العنوان ضوء جديد في آخر النفق.. الطريق إلى الحكم الذاتي في الصحراء الغربية
الكاتب مصطفى الخلفى
تاريخ النشر السبت 07-يوليو-2007
مشاهدات 9
نشر في العدد 1759
نشر في الصفحة 26
السبت 07-يوليو-2007
مساعي الإدارة الأمريكية لإقامة قيادة أمريكية إفريقية يكون مقرها الرباط دفع إلى حلحلة قضية الصحراء
انتهت الجولة الأولى من مفاوضات مانهاست بضاحية نيويورك يومي ۱۸ و ۱۹ يونيو الجاري، حول مستقبل الصحراء المغربية بنتائج فاقت توقعات أكثر الأصوات تفاؤلاً، فهذه المفاوضات تمت بإشراف أممي وبحضور كل من الجزائر وموريتانيا كأطراف متابعة، وحضور القوى الدولية الكبرى ممثلة بالأساس في كل من فرنسا والولايات المتحدة.
وقد أثارت تركيبة الوفد المغربي جدلاً حول وجود صحراويي الداخل ضمنه، ومدى جدية المفاوضات ودرجة ارتباطها بأجندة زمنية متقاربة، فضلاً عن حجم الرهانات الاستراتيجية لمختلف الأطراف حول المفاوضات وما سينتج عنها.
ما الذي تغير؟
انطلقت المفاوضات على إثر القرار الأممي ١٧٥٤ الصادر عن مجلس الأمن نهاية مايو الماضي، والذي وصف فيه مقترح المغرب لإقامة حكم ذاتي موسع بالصحراء في إطار السيادة المغربية بأنه مقترح جدي إلا أنه دعا إلى مفاوضات مباشرة وغير مشروطة بين الطرفين لبلورة حل سياسي مقبول ودائم، وهي الدعوة التي اعتبر البعض أنها دعوة تقليدية لن يترتب عليها شيء عملي، رغم ما لوحظ من حماس أمريكي للتحضير لهذه المفاوضات.
يمكن القول إن الاتفاق على موعد قريب للالتقاء مرة ثانية في شهر أغسطس المقبل يحمل في طياته عنصر تفاؤل بجدية هذه المفاوضات بعد أن كانت بعض القراءات تنحو إلى القول بأن المفاوضات ليست سوى وسيلة يعمل كل طرف على استغلالها لإثبات عدم جدية الآخر، كمقدمة لتحميله مسؤولية فشل حل النزاع، وما يستتبع ذلك من ضغوط دولية وجهوية تفضي إلى قلب موازين القوى وتهيئ المناخ لفرض حل خارجي أو إخراج الأمم المتحدة من الملف، بمعنى أن المفاوضات مجرد خطوة لإطالة أمد النزاع، وإدخاله دوامة من الشد والجذب تستمر معها القضية سنوات قادمة.
الواقع أن القراءة السابقة كانت رهينة المنطق الذي ساد في السنوات الخمس الماضية، أي منذ تقديم الأمين العام كوفي عنان المشروع الخيارات الأربع في شتاء ۲۰۰۲م، وهو منطق دفع بالقضية إلى التواري لمصلحة قضايا أخرى في المنطقة العربية، وخاصة في ظل الاشتعال المتواصل القضايا العراق وفلسطين ولبنان والسودان. وسط وضعية سياسية دولية انتقالية ومتقلبة على صعيد كل من فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، الأمر الذي رهن الموقف الدولي من مستقبل قضية الصحراء لحالة من اللاحسم والتأجيل المستمر والتمديد العبثي المهمة بعثة المينورسو من قبل المجلس الأمن، وذلك منذ يوليوز ۲۰۰۳ عندما رفض المغرب مشروع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر للتسوية، باعتباره يرجح كفة الطرف الآخر، وانضاف لذلك دعم المغرب لأمريكا في حربها ضد ما يسمى الإرهاب، مما أدى لإعلانه في ٢٠٠٤م كأكبر حليف استراتيجي خارج الناتو، وتلى ذلك استقالة جيمس بيكر من منصبه كمبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة، بحيث أصبح الموقف من كل خطوة لحلحلة مسار القضية هو الشك في جديتها وتوقع فشلها وانهيارها من أول وهلة.
وقد ساهم التصلب الظاهري في مواقف الأطراف في تغذية وإدامة هذه الوضعية لاسيما مع نزوعها في حالات متعددة للتصعيد الكلامي من جهة، ومن جهة ثانية أدى بقاء القضية حبيسة تأرجح وتردد - في تحديد طبيعة الحل السياسي ومضامينه المركزية - إلى عدم دفع أطراف النزاع إلى التقدم باتجاه خطوات عملية نحو مشروع الحل السياسي، وهو شيء لم يتحقق إلا في المرحلة الحالية باعتماد صيغة تجعل من حكم ذاتي في ظل السيادة المغربية - على أساس خضوع صيغته للاستفتاء - هي الصيغة التي التقت عليها الأطراف الدولية الأساسية، باعتبارها مخرجاً يحمي مصالحها لدى أطراف النزاع، وخاصة المغرب والجزائر.
يمكن تفسير ذلك بعدد من العناصر ارتبط بعضها بتراجع في العوامل المشار إليها آنفاً، بالإضافة إلى حصول نوع من التوافق بين عدد من القوى الدولية حول طبيعة الحل المنشود.
دلالات الجولة الأولى
كشفت الجولة الأولى من مفاوضات مانهاست بنيويورك يومي ١٨ - ١٩ يونيو الجاري، عن حجم الرهانات المعلقة عليها من مختلف الأطراف، وهي رهانات اكتست طابعاً حيوياً، بالنظر لما قد ينتج عنها من آثار على مستقبل القضية، لاسيما أن الظرفية الدولية الحالية تقدم فرصة استراتيجية لإحداث تحول في مسيرة تدبير الأمم المتحدة للنزاع، وتجاوز حالة الجمود التي عرفها، ولعل من أبرز سمات هذه الظرفية الموقف الصعب للإدارة الأمريكية الحالية وذلك منذ انتخابات نوفمبر الماضي والتي نقلت السيطرة على الكونغريس إلى يد الديموقراطيين، مما أعاد قضية الصحراء إلى محور الجدل في أروقة الكونغريس، ودفعها نحو احتلال موقع متقدم في جدول أعمال السياسة الخارجية الأمريكية، فضلاً عن سعي الإدارة الأمريكية لتسريع مسلسل إحداث قيادة أمريكية إفريقية تحت مسمى أفريكوم والتي لاتزال تشتغل بشكل مؤقت في مقر القيادة الأمريكية الأوربية بشتوتجارت بألمانيا وسط مسعى لجعل مقر هذه القيادة في المغرب بفعل التقدم الحاصل في مجال المناورات العسكرية الأمريكية المغربية وتقدم مستوى التسهيلات العسكرية المقدمة للقوات الأمريكية بالمغرب، وهو مسعى يتطلب حلحلة ملف الصحراء المغربية بما يساعد على تيسير مهمة عمل هذه القيادة على الصعيد المغاربي.
الدلالة الثانية التي برزت بعد انتهاء الجولة هي وجود سعي للتقدم مباشرة نحو معالجة القضايا الأساسية، مما أدى لتجاهل وتجاوز ما أثير حول تركيبة الوفدين وخاصة المغربي منه، مع التذكير بأن التوقف عند مثل هذه الأمور يكشف مدى جدية الإرادة في التعاطي الإيجابي مع المفاوضات، ولهذا أقدم كل طرف على عرض تصوره لحل النزاع، حيث قدم وزير الداخلية شكيب بن موسى رؤية المغرب للحكم الذاتي، وأن يكون ذلك قاعدة للمفاوضات، في مقابل طرح رئيس وفد جبهة البوليساريو محفوظ علي بيبة اقتراح إجراء استفتاء لتقرير المصير.
ورغم تعارض الطرحين فقد تم الاتفاق على مدارستهما، مما سيجعل من الجولة القادمة جولة حاسمة في معرفة مدى قدرة البوليساريو على طرح أفكار عملية تتفاعل مع مشروع الحكم الذاتي، ودفع الأطراف المعنية بمال النزاع إلى تحريك الأدوات المتوافرة لدفع البوليساريو للتقدم أكثر في اتجاه هذا المشروع.
ونعتقد أن مستقبل هذه المفاوضات يرتبط إلى حد بعيد بجدول أعمالها، وهو الشيء الذي قدمت الجولة الأولى إرهاصاً أولياً عنه لكن دون حسم نهائي، بما يجعل المجال مفتوحاً للانقلاب على ما تحقق. خاصة وأن البوليساريو تواجه ضغطاً حقيقاً على مستوى الجزائر وبدرجة أقل من قبل أنصارها داخل المغرب، مما يقتضي بلورة استراتيجية دولية لتحصين هذه المفاوضات من الانزلاق نحو العبثية وتعميق مستوى الجدية فيها، على اعتبار أنه مدخل رئيس للدفع في اتجاه مناقشة مشروع الحكم الذاتي، واعتبار ذلك شرط التقدم في المفاوضات.
([1]) كاتب مغربي متخصص في ملف الصحراء.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل