; ظاهرة «أوفقير» وأزمة العصر... في الخلق والرجال | مجلة المجتمع

العنوان ظاهرة «أوفقير» وأزمة العصر... في الخلق والرجال

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 29-أغسطس-1972

مشاهدات 23

نشر في العدد 115

نشر في الصفحة 3

الثلاثاء 29-أغسطس-1972

كلما أبصر الناس حادثًا -من نوع حادث أوفقير- فتحوا أفواههم استغرابا وغشيهم من الدهشة ما غشيهم.
وفي غاشية الدهشة.. لا يعطي الناس لأفكارهم فرصة التفكير الأبعد عمقا.. والأعمق تحليلا.. والأصدق اعترافًا بالأسباب الحقيقية وراء مثل هذه الظواهر.. والأحداث.
إنهم يسارعون إلى تفسير الأحداث بطريقة تزيد المشكلات تعقيدًا وتبعد التفكير عن جذور الظواهر.
وهذه إحدى أزمات عالمنا!.
أزمة السطحية والتلهي بالتحليلات الساذجة.
إن ما جرى في المغرب... وقع مثله في أكثر من بلد. 
فقبل أسابيع قليلة أعلنت الصين الشيوعية أن وزير الدفاع الصيني المارشال «لين بياو» قد لقي مصرعه في حادث طائرة.. أعلن هذا الخبر بعد مرور ما يقرب من عام على  مصرعه!
ومن قبل .. وقعت أحداث مشابهة في العالم... وصحيح أن «أشکال» الظاهرة متعددة نسبيا.. ولكن «الأسباب» واحدة!
إن ظاهرة «أوفقير ».. ولين بياو وغيرهما من الذين واجهوا نفس المصير لا ينبغي أن تحصر في حكاية الصراع على السلطة والحكم.. فهذه «صورة» اللازمة... لا جوهرها..
جوهر الأزمة هو: أزمـة عصرنا.. في الخلق وأزمة عصرنا في الرجال.
هذه هي الحقيقة التي يجهلها العالم.. أو يخشى من الاعتراف بها.. وتغيير سلوكه وفق مطالبها.
إن تفسير كل شيء على أنه موقف سياسي أو صراع مراكز النفوذ .. إنما هو تفسير موغل في تضليل الوعي الإنساني.. وموغل في تجاهل العوامل الرئيسية التي تدفع الحضارات إلى الأمام.. أو تجرها إلى الخلف.
إن الانحرافات السياسية بفجورها في الخصومة وبدمائها وبوسائلها اللاإنسانية - شكل لأزمة موجودة. 
والانحرافات الاقتصادية باستغلالها وأطماعها - شكل لأزمة موجودة.
والانحرافات العلمية المتمثلة في صناعة أدوات التدمير العالمى - هذه الانحرافات شكل لأزمة   موجودة.
نعم... كل هذه الانحرافات هي تعبير طبيعي «!» عن العوج النفسي.. تعبير عن أزمة عصرنا.. في الخلـق والرجال.
ولنأخذ مثالين اثنين:
◘ لين كان الرجل الثاني في الصين الشيوعية.. ورافق ماوتسي تونج في الزحف الطويل.. وبنى معه الصين.. وساهم بأكبر الأقساط في بناء شخصية ماو تسي تونج نفسه.
وكانت الصداقة التي تربطهما ببعضهما مضرب الأمثال في الصين وغيـر الصين.
◘ أوفقير كان الرجل الثاني في المغرب.. ولقد اعتمد عليه النظام هناك اعتمادًا كليًّا تقريبًا.. وكانت تربطه بملك المغرب علاقة صداقة متينة.. كما قال الملك الحسن نفسه.
تری.. ما الذي جعل الولاء والوفاء والصداقة والإخلاص.. ما الذي جعل كل ذلك ينقلب إلى الضد تمامًا.. فتحدث القطيعة والجفاء والخيانة و الغدر؟
أمامنا هذه الاحتمالات..
إما أن تكون العلاقة قد بُنيت على الغش أساسًا بمعنى أنه لم يكن هناك وفاء ولا ولاء.. وهذا الاحتمال ذاته يؤكد وجود الأزمة الأخلاقية.. فبناء العلاقة السوية لا يتم بهذه الطريقة.. والضمير الحي لا يطيق ذلك، ولا يحتمله.
وإما أن تكون العلاقة قد بُنيت فعلا على الولاء والوفاء والإخلاص.. ولكنها نُسفت تماما تحت ضغط مؤثر من المؤثرات.
وفي هذه الحال أيضا تتضح أزمة عصرنا في الخلق والرجال.. فليس هناك -تحت كل الظروف- أي مبرر أخلاقي يسمح بتحويل الوفاء والإخلاص.. إلى الخيانة والغدر - خاصة وأن جميع الأطراف تعرف من أول الطريق .. كل شيء.
ولا نوزع الإدانات فمن العسير جدا في مثل هذه الظروف توجيه الإدانات.
أولاً: لأن وقائع الأحداث غير معروفة بصورة متكاملة.
ثانيًا: لأن معرفة الشيء «المتفق عليه» بين الأطراف المتنازعة أمر عسير.. ویکاد يكون مستحيلا. فبعض أطراف النزاع قد غاب عن الحياة نهائيًّا.
إن الذي يهمنا هنا هو توكيد حقيقة: أن قضية الأخلاق لم تعد قضية شخصية.. ولا هواية يمكن الاستغناء عنها.
إن «الخلق» قضية جوهرية.. وضمانة ضرورية لبقاء العلاقات الإنسانية واستمرارها في مستوى كريم.
والخلق ضمانة ضرورية لسير العلاقة في طريق آمن بيـن الذين يمارسون مسؤوليات كبيرة بحكم إمكاناتها.
فهذا النوع من البشر هو أحوج الناس إلى مزيد من الضمانات الخلقية، ذلــك أن الأخطاء في هذا المستوى مدمرة وقاتلة.
والأخلاق الإنسانية –بعيدة عن الارتباط الحقيقي بالله– تكون متقلبة.... لا قرار لها.. ولا ضمان.. ومن هنا ونحن ننادي بضرورة الالتزام الأخلاقي ننادي - قبلا - بضرورة الارتباط بالله.
بعد تصرف بادي الكراهية من منافق ظاهر النفاق.. ضد المسلمين طلب أحد الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عنق هذا المنافق؛ فرفض الرسول ذلك وقال «دعه.. لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه».
أرأيتم؟!
إن الدين - وهو في خلاصته جملة قيم أخلاقية ثابتة - ضمان أكيد لحراسة الدماء... وكف الأيدي عن البطش بلا قيود .. ولا حدود..
وما من أحد عادل يدافع عن رجال ربما خانوا.. أو عن رجال ربما ظلموا.. بيد أن إخضاع العلاقة الإنسانية -بعد تجريدها من الخلق- لنزوات التربص والغدر والانتقام إفلاس حقيقي في عالم القيم.. وفي موازين الخلق والرجال.
وستظل الأزمة قائمة.. وسيظل التعبير عنها يأخذ أشكالاً متعددة حتى يدرك الناس -ومنهم المحللون السياسيون السطحيون- أهمية الخلق في المجالات العامة .. وجدوى الرجال المرتبطين بالله -حقيقة- في الأجهزة والمؤسسات التي تؤثر في الناس.... وتدير مصالحهم.

الرابط المختصر :