; ظاهرة الشذوذ الجنسي تهدد مستقبل الكنيسة الإنجليزية | مجلة المجتمع

العنوان ظاهرة الشذوذ الجنسي تهدد مستقبل الكنيسة الإنجليزية

الكاتب نادر عبدالغفور أحمد

تاريخ النشر الثلاثاء 06-يونيو-1995

مشاهدات 14

نشر في العدد 1152

نشر في الصفحة 42

الثلاثاء 06-يونيو-1995

  • رسائل لكبار الأساقفة من منظمات تطالب بحرية الشذوذ وتدعو القساوسة إلى التعاون لدعم تلك الحرية

في الحقبة الأخيرة من القرن العشرين تمر أوروبا بظواهر أخلاقية متطرفة ناتجة عن انعدام القيم الأخلاقية والدينية، وبروز الصفات الحيوانية التي لم تكن بالحسبان، وبالإضافة إلى الإباحية الجنسية التي عصفت بأوروبا في نهاية الخمسينيات وطغيان القيم المادية وانتشار المخدرات والرذيلة والجريمة، بدأ الآن دور ظاهرة الشذوذ الجنسي، وبعد أن كانت هذه الظاهرة تجري خلف الكواليس بسبب عدم تقبل المجتمعات الأوروبية لها، باتت الآن على قائمة الضروريات التي تلقى الدعم العلني من رجال السياسة والمجتمع، بل ورجال الدين، وبات الشخص المعارض لهذه الظاهرة الخطرة هو الشاذ في المجتمع الأوروبي المتحضر.

ومما يزيد الطين بلة كثرة البرامج الإذاعية والتليفزيونية التي تعرض أمام الملايين من العوائل وفي عقر منازلهم، وتدعوهم إلى الإيمان والاعتراف بهذه الظاهرة وكأنها ظاهرة طبيعية مقبولة في هذا الكون، وفي هذه المقابلات والندوات يظهر أصحاب هذه الظاهرة ومشجعوهم بكل جرأة ووقاحة طالبين من الرأي العام التعاطف معهم والتعامل معهم كباقي أجناس البشر، ومنحهم فرص العمل والعلاقات الاجتماعية بل المعيشة الجماعية والزواج، أي أن قوم لوط الذين قضى الخالق عز وجل عليهم منذ آلاف السنين ظهروا للعيان مرة أخرى بلباس مدني حديث وحضارة متقدمة.

● أزمة قد تعصف بالكنيسة

وفي الأسابيع القليلة الماضية عصفت بالكنيسة الإنجليزية أزمة خانقة قد تهدد مستقبلها الديني في بريطانيا، ويعود سبب الأزمة إلى تلقي بعض كبار الأساقفة رسائل من منظمات تطالب بحرية الشذوذ الجنسي، وتدعو مثل هؤلاء القساوسة إلى التعاون، ودعم حرية الشذوذ الجنسي، وقد أثارت هذه الرسائل مخاوف البعض من هؤلاء الأساقفة، وهذا هو السبب الأساسي الذي أدى بأسقف مدينة لندن ديفيد هوب الذي يعتبر الرجل الثالث في الكنيسة الإنجليزية إلى الظهور أمام الملأ والاعتراف بأن حالته الجنسية يلفها الغموض، وقال الأسقف هوب البالغ من العمر 50 عاما، وهو غير متزوج: إنه يرتاح لرفقة الرجال والنساء، ويعيش حياة العزوبية، لكنه في نفس الوقت أدان الرسالة التي تسلمها من إحدى المنظمات المدافعة عن الشذوذ الجنسي، وقد أرسلت تلك المنظمة التي يطلق عليها اسم أوتريج رسائل أخرى إلى عشرة من أساقفة الكنيسة الإنجليزية في بريطانيا، وتقول الرسالة إن المنظمة تأمل أن يجد الشخص المعني القوة الداخلية للتصريح علنًا بشذوذه الجنسي والدفاع عن حرية الشاذين جنسيًا من الرجال والنساء 

وقد وافق الأسقف هوب على تصريح الكاردينال بيسل هيوم وهو أسقف الكنيسة الكاثوليكية في وستمنستر الذي نص على احترام الحب الجنسي الشاذ فقط في حالة عدم ممارسة الجنس، وممارسة الجنس حسب تعبيره يجب أن يكون ضمن شرعية الزواج وليس خارجه، ومن المعروف أن تصريح الكاردينال الكاثوليكي هيوم مناف المعتقدات الفاتيكان، والقائلة بأن الشذوذ الجنسي ظاهرة اضطراب وعدم انتظام وغير مقبول أخلاقيًا، أما الكنيسة الإنجليزية التي يطلق عليها اسم كنيسة إنجلترا فتقول إن الشذوذ الجنسي ينقصه الأخلاق المسيحية، وجاء تصريح الأسقف هوب بعد أسبوع فقط من إعلان الأسقف ديريك روكليف عن شذوذه الجنسي، ومن المعروف أن الكنيسة الإنجليزية كانت قد وضعت حظرًا على ممارسة القساوسة الشاذين جنسيًا للطقوس الدينية، أما الآن فإنها تعيد النظر في إمكانية رفع ذلك الحظر للمحافظة على وحدة الكنيسة وعدم اندحارها أمام هجمات منظمات الدفاع عن الشذوذ الجنسي، وفي نفس الوقت أحدث اعتراف الأسقف هوب بأنه لا يعرف حالته الجنسية بهجة في أوساط منظمات الدفاع هذه التي دامت حملتها أكثر من عشرين عامًا للحصول على مثل هذه الاعترافات من كبار رجال الكنيسة.

وقد كشف النقاب في العام الماضي عن اكتشاف علاقة جنسية بين أسقف مدينة درهام مايكل ترنبول ورجل يبلغ من العمر ٢٦ عامًا.

وبعد كشف أمره أعلن ترنبول عن تعاطفه مع الشاذين جنسيًا في حملاتهم للحصول على اعتراف الكنيسة بحقهم، ولعل من أكبر منظمات الدفاع عن حرية الشذوذ الجنسي في بريطانيا« الحركة المسيحية للشاذين جنسيًا من الرجال والنساء»، ويبلغ عدد أعضائها ثلاثة آلاف شخص، وقد بدأت هذه المنظمة عملها في عام ١٩٧٦م، وتشمل في عضويتها الشاذين جنسيًا الذين يعتقدون بإيمانهم بالدين المسيحي، وتعتقد منظمة أوتريج التي هي من أعنف منظمات الدفاع عن الشذوذ الجنسي ويقودها معلم سابق أن مباحثاتها مع ثلاثة آخرين من كبار أساقفة الكنيسة الإنجليزية قد تؤدي إلى اعترافهم علنًا بشذوذهم الجنسي.

وللتعبير عن سخطهم لعدم دعم الكنيسة الإنجليزية للشذوذ الجنسي، قام عدد من القساوسة الصغار التابعين للكنيسة الإنجليزية بإجراء عقود زواج الشاذين جنسيًا في عدد من الكنائس البريطانية، وطبقًا لمصادر صحيفة «الصنداي تايمز» البريطانية في عددها الصادر في ١٢ مارس الماضي تقوم مجموعة مكونة من ٦٠ قسًا بإجراء طقوس تزويج الشاذين جنسيًا والراغبين بمباركة الكنيسة للزواج، ويؤيد هذه الحملة الأسقف روكليف الذي اعترف بشذوذه الجنسي وطالب بمباركة الكنيسة الإنجليزية لمثل هذه الطقوس، ويقول أحد القسس الصغار إنه قام بتزويج عدد كبير من الشاذين جنسيًا، وبضمنهم عدد من القساوسة سرًا، وقال قس آخر إنه كان يقوم بطقوس التزويج هذه منذ خمس سنوات وبدون علم الكنيسة، وإنه لا يستطيع رفض طلب أي شخص يرغب في الحصول على مباركة الكنيسة، وقال أحد قساوسة لندن إنه إذا كان الخالق «والعياذ بالله» يحب الشاذين، فلماذا لا يمكنهم «أي الشاذون» الحصول على مباركته «أي الخالق» بواسطة الكنيسة، ومع أن الكنيسة الإنجليزية نفت علمها بحالات التزويج هذه إلا أنها تعيد النظر حاليًا في موقفها تجاه الاعتراف بهذه الحالة الآخذة بالانتشار

وتختلف الكنيسة الإنجليزية عن الكاثوليكية بكونها تتبع المذهب البروتستانتي الذي استنبطه صاحب المذهب الإصلاحي مارتن لوثر (١٤٨٣ - ١٥٤٦ م) الذي نبذ فيه سيطرة الكنيسة الكاملة وطقوسها المتوارثة،

وبعكس المذهب الكاثوليكي الذي يحرم على القساوسة والراهبات الزواج، فإن المذهب البروتستانتي يسمح للقسس بالزواج، وكلا المذهبين لا يسمحان بوصول المرأة إلى درجة قس، إلا أن ازدياد حملات الدفاع عن حقوق المرأة والسماح لها بالعمل في شتى المجال وضع ضغطًا متواصلًا على الكنيسة الإنجليزية منذ الستينيات لمنح المرأة درجة القسسة لمساواتها بالرجل، وهناك ثلاثة أسباب رئيسية منعت الكنيسة من الاعتراف بهذه الدرجة للمرأة وهي: الإيمان بأن القس ما هو إلا ممثل المسيح على الأرض، وأن المسيح رجل ولا يمثله إلا رجل مثله، والسبب الثاني: التقاليد المتوارثة للكنيسة الإنجليزية، أما السبب الثالث فهو الاعتقاد أن منح مثل هذه المنزلة الدينية للمرأة يمنع الكنيسة من الاتحاد يومًا ما مع الكنيسة الكاثوليكية التي مقرها روما، وتعارض الكنيسة الكاثوليكية أيضًا إعطاء المرأة مثل هذه المنزلة الدينية التي تسمح لها بمزاولة عملها كقس، وإجراء الطقوس الدينية المختلفة، ونتيجة للضغط المتواصل اضطرت الكنيسة الإنجليزية في عام ١٩٩٣م. إلى التنازل ومنح النسوة منزلة دينية شبيهة بالقساوسة الذكور، ومن المعروف أن مجلس القساوسة التابع للكنيسة الإنجليزية وافق في عام ۱۹۹۱م على الاعتراف بالقسس الشاذين جنسيًا، إلا أنه صرح بأن ممارسة عمليات الشذوذ تعتبر غير ملائمة مع قوانين الكنيسة.

إن تنازلات الكنيسة الإنجليزية المستمرة واعترافها بظاهرة الشذوذ الجنسي كحالة طبيعية يمثل المسمار الأخير الذي سيدق في نعش هذه الكنيسة التي أبدت تنازلات كبيرة على حساب المبدأ والعقيدة والأخلاق لضمان استمرارها في ظل الأجواء الإلحادية التي تخيم على أوروبا حاليًا، وتعاني الكنيسة الكاثوليكية من مشاكل مماثلة إذ إنها في الوقت الذي تحرم على اتباعها استخدام موانع الحمل وحتى المتزوجين منهم، فإن بعض قساوستها يقومون بمباركة الشذوذ الجنسي. بعد هذا كله هل يمكن للكنيسة الاستمرار في عملها الإصلاحي كما تدعي أم أنها ستتحول إلى منظمة ذات إطار ديني هدفها الاستمرارية العملية بدون دوافع دينية حقيقية؟ .

الرابط المختصر :