; عبادة الفرد... أو خرافة تخليد «الآثام» البشرية! | مجلة المجتمع

العنوان عبادة الفرد... أو خرافة تخليد «الآثام» البشرية!

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 28-سبتمبر-1971

مشاهدات 18

نشر في العدد 79

نشر في الصفحة 3

الثلاثاء 28-سبتمبر-1971

عبادة الفرد... أو خرافة تخليد «الآثام» البشرية!

«وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون»؟!

تناقلت وكالات الأنباء والصحف أنباء عن إزالة بعض «تماثيل» ماو من المدن الصينية.. وأنباء عن إلغاء برامج «الحكم الماوية»، التي كان يبثها راديو بكين والإذاعات المحلية، وقيل إن ماو نفسه هو الذي أمر بهذا كإجراء ضد نزعة «عبادة الفرد».. وهذا الإجراء من ماو -إن صح وقوعه- إنما يعبر عن ضيق الصينيين بعبادة الفرد.. ويعبر بالتالي عن أن «عبادة الفرد» هذه موجودة في الصين وبشكل واضح استدعى القيام بإزالة بعض تماثيل ماو.

ووراء هذا الإجراء احتمالان:

• إما أن يكون بعض زعماء الصين أحس من نفسه القوة وأمر بإزالة تماثيل ماو كسياسة جديدة للتحرر من «عبادة الفرد».

• وإما أن يكون ماو نفسه هو الذي أمر بهذا -حقيقة- بدافع الخوف من أن يحدث له ما حدث لستالين بعد موته.

لقد ركزت كل أضواء الصين على ماو، ومدح بإسراف جاوز الخيال، وكان راديو بكين يبث وصحافة الصين تكتب: إن بعض الصينيين رأى الشمس تطلع من عين ماو، أو أن بعضهم اكتشف منجمًا بفضل أقدام ماو التي وطئت قطعة من الأرض؛ فصارت منجمًا زاخرًا بالمعادن النفيسة، وأن بعضهم قرأ كلمات من كتاب لماو؛ فأنقذ طائرة كانت على وشك أن تتحطم.

وفي ضجيج هذا التأليه لشخصية ماو، كان الرجل يفعل ما يشاء.. ويجري تصفيات جسدية -بالجملة- ليس للذين يعارضون سياسته فهؤلاء لا وجود لهم؛ وإنما للذين لوحظ عليهم «الكسل» في قراءة كتب ماو.

• ومن قبل ماو كان ستالين طاغية حكم روسيا قرابة ثلاثين عامًا بالحقد والكيد والإجرام والمقصلة.. وكان يستخف بالدم الإنساني وكأنه دم برغوث، وكان يلتذ برؤية الرصاص يخترق أجسام الناس وأدمغتهم، وكان يمسك كل شيء بيده، وكان يخضع روسيا كلها لعبادته، ولا يستطيع رجل في روسيا أن يقول له.. لا.

عشرات الملايين ذبحها بوسائل لا يستطيع ابتكارها إلا عقل ستالين الذي يتحرك.

وعلى الرغم من وضوح التعاسة في حياة الطغاة، ومعرفة المصائر المفجعة التي يردونها، ومعرفة السبة التاريخية التي تحيق بهم؛ فإن بعض الناس سار في نفس الطريق فتكرر معه نفس العقاب، فزع في حياته، ولعنة بعد موته.

إن الطاغية رجل قصير النظر حقًا، بليد الإحساس، أعمش البصر، يعيش داخل غروره؛ فلا يرى إلا نفسه الأمارة بالانحراف والطغيان.

إذا كان الزعيم الطاغية يخفي انحرافاته في حياته بالإرهاب والقمع والتهريج السياسي، وإذا كان يفعل ذلك وهو يملك أجهزة إعلام ضخمة، وأجهزة بوليس وتجسس، فكيف يستطيع إخفاء انحرافاته بعد أن ينهي الموت طغيانه، ويجرده من سلطانه وأجهزة إعلامه وتجسسه ووسائل قمعه؟

لتسقط عبادة الفرد أبدًا

إن العظماء الصالحين الذين يقدمون للحياة أبرز الجهود وأخلصها لا ينبغي أن يرفعوا فوق أقدارهم قيد أنملة، فما بال الذين ملأوا الأرض فزعًا وبؤسًا ودمًا يريدون أن تخلد «آثامهم»، وما بال أقوام يجرون وراء خرافة «تخليد» الآثام.. اليوم..

إن الزعامة الحقيقية -بالمقياس العادي- تتمثل في «١» توفير الأمن فليس من شروط الزعامة، ولا من مقوماتها فرض الرعب على الشعب، وإزعاج أمنه في فكره وعمله ورزقه وبيته، «٢» وفي توفير الرخاء الاقتصادي، فليس من شروط الزعامة ولا من مقوماتها إفقار الشعب وإلباسه الجوع والبؤس، «٣» وفي حماية الحدود من الغزو والاحتلال، فليس من شروط الزعامة ولا من مقوماتها العودة بالبلاد إلى عهود الاحتلال والاستعمار.

إذا وفرت الزعامة الحقيقية هذا كله ينبغي ألا ترفع فوق قدرها..

فكيف إذن تخلد زعامة ملأت البلاد رعبًا، ونحسًا اقتصاديًا.. واحتلالًا أجنبيًا؟

إن تمجيد «الظلم» ضربة قاصمة لكل معاني العدل والحرية والتقدم، ولن يتقدم شعب يسلك هذا المسلك، ولن ينفع الظالمين كل ما تركوه خلفهم من خداع وتضليل: ﴿وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ، وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾  (الانعام: 94)

 

الرابط المختصر :