; عطاءات رمضان.. لمن؟ | مجلة المجتمع

العنوان عطاءات رمضان.. لمن؟

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر السبت 23-أكتوبر-2004

مشاهدات 20

نشر في العدد 1624

نشر في الصفحة 39

السبت 23-أكتوبر-2004

قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه (البقرة: 185).

استوعب رمضان تعاليم القرآن وآياته، وحكمته وبيانه، وأخذ القلوب إلى التقوى والمراقبة لله سبحانه وتعالى، وفتح آفاقها على الخير والبر والعطاء والإحسان، ومنعها من الجحود والفسوق والعصيان، وأخذ بيدها إلى الثواب الجزيل والخير العميم، والعطاء الرباني الكريم.

ولقد بين هذا.. الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصحب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه».

وببركة هذا القرآن العظيم أعطيت الأمة من ربها في رمضان ما لم تعطه أمة من الأمم، أو تمنحه الإنسانية على مدار تاريخها الطويل من الخير والفضل والعطاء الجزيل. وأول هذا العطاء: مغفرة الذنوب ومحو السيئات وإزالة العثرات. يوضح هذا الحديث الصحيح المتفق عليه: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، وثاني هذا العطاء ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر التي تنزل الملائكة والروح فيها، قيامها يغفر السيئات والذنوب. قال صلى الله عليه وسلم : «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»

وثالث هذا العطاء إجابة الدعاء التي أكدها رسول الله  صلى الله عليه وسلم في قوله: «إن للصائم عند فطره الدعوة لا ترد» وقد صورت ذلك الآية الكريمة التي تعقب الحديث عن الصيام، بقول الحق

تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ (البقرة: 186)

 تحدث الله تعالى عن الصوام والعباد بهذا الودِّ وهذه النداوة والشفافية، وتولى أمر بلاغ عباده بنفسه وإجابته بذاته سبحانه فأضاف العباد إلى نفسه بودٍّ ومؤانسة وطلاوة ورضى، وأشعرهم بوافر الطمأنينة والثقة فقال: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ (البقرة: 186)

وما هذا كله إلا لفضل ذلك الصائم القائم الطالب رضاء الله المؤتمر بأمره سبحانه، وعلى هذا فالمؤمن يعطي الطاعة ويأخذ المغفرة والودَّ وإجابة الدعوة.

ثم تذكر لنا الأحاديث النبوية الكريمة جملة من العطاءات التي تنعش الروح وتهنئ النفس وتأخذ باليد إلى رحاب السمو والفضل والبركات لهذا الشهر الكريم، عميم الخير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسًا لم يعطهن نبي قبلي: أما واحدة فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله عز وجل إليهم، ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبدًا، وأما الثانية: فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك، وأما الثالثة: فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة، وأما الرابعة: فإن الله يأمر جنته فيقول لها: استعدي وتزيني لعبادي، أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي، وأما الخامسة: فإنه إذا كان آخر ليلة غفر لهم جميعًا، فقال رجل من القوم: أهي ليلة القدر؟ فقال: لا، ألم تر إلى العمال يعملون، فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم؟» «رواه البيهقي».

من قرأ هذه الأحاديث يشعر بكرم لا يحد وفضل لا يحصَى لهؤلاء الصوام العباد الأطهار وما أظن أبدًا أن هذا الفضل والخير يعطى لمن لا يستحقه أو يذهل عن العمل الصالح، أو تناله تلك الأصناف المشوهة التي أفرزها الضياع والخمول والكسل أو يحصلها الذين باعوا دينهم وأرضهم وديارهم وأعراضهم للمستعمر والدخيل، وإنما ينالها ويرتقي إليها صنف يباهي الله به ملائكته، إخلاصًا ووفاءً واستقامة وهمة وعزمًا وإقدامًا، صنف يبني نفسه ويبني أمته، هذا الصنف هو الذي يصعد إلى هذه المنازل ونراهم اليوم قليلين، ولكنهم كثيرون بهممهم وتأثيرهم، وسيكونون طليعة الركب وحداة الدرب إن شاء الله تعالى، سواء كانوا أحياء أم شهداء تحت الثرى تروى قصصهم وتحكى أفعالهم وجهادهم ويتحدث عن صبرهم وصمودهم.

يحكي الشهيد الدكتور الرنتيسي عن مرحلة صعبة من عمره بعدما أخرجته الصهيونية وأهله من ديارهم فيقول: لم يكن هناك دخل للأسرة الكبيرة، مما اضطررت معه أنا وإخوتي أن نبحث عن عمل، وإن كان يسيرًا، وكان العمل أحيانًا لا يتناسب مع العمر والقدرة، فكنت أبيع بعض الفاكهة المتواضعة التي تسمى «الجميز» لأعود في نهاية اليوم في معظم الأحيان بقرش واحد أو نصف قرش. ثم عندما كبرت قليلًا عملت في ري الشجر من البيارات، كما عملت في البناء، أنقل الحجارة وغير ذلك، ثم عندما أصبحت في المرحلة الإعدادية كنت أذهب إلى مدينة العريش لأحضر من هناك الصابون وبعض المواد الأخرى بكميات قليلة كانت تحقق القليل من الربح، وهناك أعمال كثيرة قمت بها لأعول أسرتي وكانت لا تناسب حداثة سنِّي.

وظل الرجل يكافح حتى بنَى نفسه والتفت إلى بناء أسرته بعزم لا يكل، وإيمان لا يفتر إلى أن تبوأ سنام أقوى حركة إسلامية جهادية في العصر الحديث، وقارع أعتى دولة عنصرية محتلة في هذا الزمان، رافعًا لواء الإسلام، حاملًا رسالة القرآن، خاضعًا لتعاليم الرحمن. أرى هؤلاء وأمثالهم هم المعنيين بثواب رمضان وعطاءات الرحمن. نسأل الله أن يصلح ويوجه أمَّتنا إلى الخير والبركات.. آمين.

الرابط المختصر :