; علمانية التعليم التعليم بين الازدواجية والعلمانية المرض والمصير | مجلة المجتمع

العنوان علمانية التعليم التعليم بين الازدواجية والعلمانية المرض والمصير

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 25-أبريل-1978

مشاهدات 13

نشر في العدد 396

نشر في الصفحة 42

الثلاثاء 25-أبريل-1978

الجزء الثاني

علمانية التعليم- أسلوب- واكب ازدواجية التعليم. ليبقى ذلك التزاوج بينهما فإنه تزاوج بين نقيضين.. وهما يصطرعان. ولا بد لأحدهما أن يغلب الآخر.

وإذ كانت السلطة في كفة العلمانية.. فلا بد لها أن ترجع على- الدينية والقول بغير ذلك إنكار لطبائع الأشياء.

ومن هنا قلنا في العنوان.. التعليم من الازدواجية إلى العلمانية لأن العلمانية هي منتهاه.. إن بقي ذلك التزاوج غير الطبيعي بين الدينية والعلمانية وبقي معه انحياز السلطة إلى كفة العلمانية.. 

وحتى يكون حديثنا هادئًا هادفًا. لا بد أن نبين معنى العلمانية ثم نبين لم تنحاز السلطة إليها.. ثم يكون لنا حديث بإذن الله عن المصير.

أولًا: معنى العلمانية

- ليست العلمانية بضاعة محلية بل هي مستوردة.

* في لفظها.. وحتى معناها.. معًا. فهي في لفظها تعني- اللادينية- وليس من اشتقاقات العالم في لغة العرب ما يؤدي هذا المعنى. 

لكنها ترجمة لكلمة إنجليزية تعنى لا ديني، لكنها ترجمة علماني ليصعب على غير المتخصص فهم معنى العلمانية إذا أطلقها سياسي أديب أو منافق عليم.

وهي في معناها كذلك مستوردة- فلم يكن شرقنا الإسلامي يعرف فصلًا للدين عن الدولة ولا للعقيدة عن السياسة وأنى له ذلك ومحمد- صلى الله عليه وسلم- الذي جاء بهذا الدين ودعا إليه. والذي أقام أول دولة على تقوى من الله ورضوان. 

وهو الذي أم المسلمين في الصلاة وفي الوقت نفسه قاد الجيوش والغزوات. وهو الذي بلغ العقيدة وعلمها وهو الذي أقام الحدود ونفذها.. فإن صح عندهم تمحكًا فيما قال المسيح -عليه السلام- أو فعل أن يقولوا بفصل الدين عن الدولة.. فلا يصح كذلك عندنا القول، ولا يصح كذلك التمحك.. فلم يترك الإسلام، تلك الثغرة ... كانت آيات الكتاب واضحة تجمع في آن واحد بين أحكام العقيدة وأحكام العبادات وأحكام القتال.. الأمر الذي لا يمكن أن تنهض به إلا دولة. كما كانت سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسيرته خير تأكيد لذلك المزج بين الأولى والأخرى، وبين الدين والدولة.

بيد أن العلمانية وإن اشتهرت مقرونة بالتعليم.. فإنها غير قاصرة عند أصحاب المخطط عليه.. بل تمتد إلى كل ما يمكن أن يصطبغ بصبغة لادينية فالإعلام مع التعليم علماني. 

والتشريع أو القانون كذلك علماني والخلق والسلوك- بعد أن انفصم عن الدين والعقيدة- كذلك علماني وهكذا شؤون المجتمع كله. سياسية واقتصادية واجتماعية.. نبعها الأصيل هو العلمانية.

والدين.. غلالة رقيقة تخفي العلمانية- إما حياء أو بقية حياء وإما تجارة بهذا الدين واستغلالًا لاسمه. 

ولقد كانت العلمانية بديلًا طبيعيًّا عن- التنصير- الذي مارسه في الشرق الإسلامي بعض المبشرين- وانعقدت من أجله عدة مؤتمرات ولا يزالون يجمعون وإن اختلفت الأسماء والرايات والأشخاص.

وكان التنصير من قبل بديلًا عن الحروب الصليبية التي مارسها الغرب الحاقد في مواجهة المد الإسلامي الذي طرق أبواب فيينا بعد أن صار البحر الأبيض المتوسط بحيرة إسلامية خالصة.. خالصة بشواطئها وجزرها. 

ومن ثم فقد غدت العلمانية أسلوب حكم شامل.. للسياسة والاقتصاد والاجتماع وبات واجبًا علينا أن نفضحها قبل أن يستفحل أمرها ويستشري.

وحسبنا في الحديث عن العلمانية هذه الكلمات لننتقل إلى الحديث حول «لم تنحاز السلطة إلى العلمانية؟».. تحت عنوان «علمانية الحكم.»

ثانيًا: علمانية الحكم:
تقدمة:

ليست علمانية الحكم قاصرة على تنحية شريعة الله عن مجال الحكم لتحل محلها قوانين وضعية من صنع البشر ما أنزل الله بها من سلطان: إنما هي كذلك تشمل علمانية أولئك الذين بوضعين على رأس الحكم في البلاد الإسلامية.

وتفصيل ذلك أن من أول ما حرص عليه أعداء الإسلام تنحية شريعة الله عن الحكم واقترن ذلك في كثير من الأحيان باحتلال أرض المسلمين أو بغلبة أعداء الله عليهم ومثل ذلك مصر التي استبدلت بشريعة الله قانونا أجنبيًا في السنة الثانية على الاحتلال البريطاني مباشرة. ومثلها كذلك دولة الخلافة العثمانية التي تكاثرت عليها المؤامرات وانعقدت من أجلها العديد من المؤتمرات تحت اسم المسألة الشرقية. حتى انتهى بهم الأمر إلى الإجهاز على الرجل المريض واستخدموا في ذلك رسولًا من أنفسهم كما نصح بذلك أحد مؤتمرات التبشير وسبق ذلك كله.. علمنة القانون في تركيا.. فتم إبعادها شيئًا فشيئًا عن شريعة الله حتى سقطت في شراك كمال أتاتورك وشركه.

لكن العلمنة الأخطر هي التي اتجه إليها فكر أعداء الإسلام في العصر الحديث حين راحوا يحدثون التغيير في المنطقة من غير أن تسيل منهم نقطة دم واحدة. واختاروا لذلك رجالًا علمانيين ليقوموا بعد ذلك بعلمنة التعليم والإعلام والسياسة والاقتصاد.. إلخ

وكشفت كتابات حديثة عن كيفية إحداث التغيير داخل المنطقة الإسلامية وإن غطوا الحقد الديني والتعصب العقدي الذميم بالحديث عن المنطقة العربية.

وصرحت كتابات- وكان الجيش من بين كل جماعات النخبة الوطنية أكثرها دنوا من المشاكل التي تواجهها-...- دنوا بالمعنى الحسابي، والعلماني والواقعي- وبهذه الصورة كان الجيش أكثر النخبات تغربًّا.

واتخذ الأمر في الأغلب صورة الانقلابات العسكرية وصرحت كتابات أولئك القوم بأن النخبات العسكرية التي قامت بانقلابات في المنطقة كانت أقدر على التغيير من النخبات الأجنبية ومارست الولايات المتحدة الأمريكية هذه اللعبة في أكثر بلدان المنطقة. 

لكن الاتحاد السوفيتي عدل من تكتيكه في إثاره القاعدة ولجأ كذلك إلى التغيير من القمة ومن ثم مارس نفس اللعبة التي لعبتها الولايات المتحدة الأمريكية في بلدان من المنطقة كذلك.. 

وساعد- الوفاق- بين القوتين الكبيرتين على تقسيم مناطق النفوذ وتوزيع الاستعمار الجديد على دول المنطقة.

ومن قبل ذلك الوفاق- كان ثمة توافق لا اتفاق على حرب الإسلام والمسلمين يتمثل في سكوت كل كتلة كبرى على ما تمارسه الأخرى ضد الإسلام والمسلمين ومن ثم شهدت المنطقة تغييرات عنيفة في مجال السلطة ظاهرها الوطنية والتقدم وباطنها من قبلها العذاب والخيانة. 

ولم تكن الانقلابات هي صورة التغيير السياسي- الوحيدة بل كان ثمة تغييرات أخرى غير مصحوبة بانقلابات عسكرية يمكن أن تسمى بانقلابات مدنية أو سياسية. انقض فيها الأخ على أخيه أو الابن على أبيه أو مارست فيها السلطة المتحكمة الأجنبية لعبة الاغتيالات السياسية.

وتأكد ذلك بما طالبت به بعض لجان الكونجرس الأمريكي وقامت فعلًا من التحقيق مع المخابرات المركزية الأمريكية حول اغتيال عدد من قادة العالم وساسته.

ولم يكن الهدف هو مجرد تغيير القمة للحصول على رأس أكثر تجاوبًا أو بلغتهم أكثر مرونة.. وبلغة الشرف.. أكثر خيانة. إنما كان الهدف أبعد من ذلك.. كان الهدف تنفيذ استراتيجية جديدة ألمح إليها زويمر حين قال.

- إن مهمتكم ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية.. وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقًا لا صلة له بالله. وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها.

وهو- ما اصطلح عليه بعد ذلك باسم التغريب- أو التغيير الاجتماعي أو التعاصر وصرحت كتاباتهم بأنه- وتشترك الناخبات العسكرية العربية عميقًا في- الاعتقاد بضرورة التغيير الاجتماعي السريع.

وفي تقرير لزعيم عربي أشار إليه كاتب أمريكي: إن الضباط كانوا علمانيين ولم يكن الضباط على ثبات أيديلوجي، بل كانوا جماعة علمانية في البناء السياسي والاجتماعي في الحياة.. 

وكانت وسائل التغيير الاجتماعي التي سلكها أولئك الغاصبون هي علمانية التعليم والإعلام والقانون والسياسة والاقتصاد.. إلخ. 

بقي أن نسائل إذا كانت القوى المعادية قد نجحت في نقل التعليم عندنا من الشرعية إلى الازدواجية ومن الازدواجية. إلى العلمانية. فما هو المصير.

ثالثا: المصير

قلنا: إن القوى المعادية للإسلام نجحت إلى حد كبير في إحداث التغيير الاجتماعي بما نجحت فيه من بث العلمانية في التعليم والإعلام والقانون والاجتماع.. وانتقل التعليم- في أكثر البلاد الإسلامية من غير أن يشعر أبناؤها.. بل وأحيانًا مع شيء من الفخر والخيلاء بما تحقق من تقدم انتقل من الشرعية إلى الازدواجية وهو الآن ينتقل من الازدواجية إلى العلمانية الكاملة.

وهذه الأدوار هي التي مرت بها المحاكم ومر بها القانون.. 

فالمحاكم أولًا كانت شرعية. ثم تحققت فيها الازدواجية بوجود محاكم وطنية أو نظامية أو لجان تعمل إلى جوار المحاكم الشرعية وتغتصب جزءًا من اختصاصها وسلطانها تم حدث في كثير من البلاد الإسلامية ما سمى- بتوحيد جهة التقاضي- فالغيت المحاكم الشرعية وبقي السلطان للمحاكم الوطنية. أوبالتسمية الصحيحة «المحاكم العلمانية» كذلك في مجال القانون.

كان الأمر في البداية إلى الشريعة الإسلامية تم زاحمتها القوانين الوضعية لتحقق لونًا من الازدواجية البغيضة التي عبر عنها القرآن الكريم بأنها فتنة وجاهلية.

﴿وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (المائدة: 49-50)

والقوانين في سبيلها اليوم إلى العلمنة الكاملة في بعض البلاد الإسلامية بما يتم من إزاحة سلطان الشريعة الإسلامية عن الركن المتواضع الذي سمح لها أن تحكمه وهو ركن الأحوال الشخصية أو تشريعات الأسرة.

فالواضح أن كثيرًا من الزعماء والزعيمات يحمل لواء تغيير حكم الله في هذا المجال بما ينادون به من مساواة المرأة بالرجل في الإرث ومن تحديد التعدد وتقييد الطلاق.. إلى آخر ما يطلعون به كل يوم على هذه الأمة المثخنة بالجراح. 

والذي يبدو من خطتهم في مجال المحاكم والقانون أنهم يسلكون نفس السبيل في مجال التعليم ليصلوا به من الازدواجية إلى العلمنة الكاملة.

ربما تحت اسم- التوحيد، أو تحت شعار التطور ومواكبة العصر.. إلى آخر ما تجود به قوائمهم المريضة ولا بد لرجال الإسلام من وقفة.. وقفة يصدون فيها ذلك التيار الآثم الزاحف.

وإن سقط منهم في الميدان نفر فحسبهم أنهم شهداء.

جاهدوا بأعز ما يملكون.. في سبيل أعز ما يعتقدون وحسبهم بعد ذلك وعد الله.

﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ، أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ، فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ (الزخرف: 41-44)

عليهم أن يطالبوا بتوحيد التعليم ليس إلى العلمانية كما يبغي الأشرار، ولكن إلى الشرعية كما يبغي الأخيار

عليهم أن يطالبوا بالعودة إلى شريعة الله

  • تعليمًا
  • وإعلامًا
  • وتشريعًا
  • وسياسة
  • واقتصادًا
  • واجتماعًا

فإن فعلوا فقد أدوا الأمانة ولقوا الله صادقين وما بدلوا تبديلًا- ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾ (محمد:38)

الرابط المختصر :