العنوان علمانية وإسلام.. في سياسة تركيا الجديدة
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 21-سبتمبر-1982
مشاهدات 15
نشر في العدد 588
نشر في الصفحة 30
الثلاثاء 21-سبتمبر-1982
ألقى الجنرال كنعان إيفرين رئيس الدولة التركي خطابًا افتتاحيًّا قبل مدة قصيرة أمام مجلس محافظي بنك التنمية الإسلامي في إستنابول قال فيه: «فليفهم العالم أن تركيا جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي، وأنها ستظل كذلك إلى الأبد»، وأضاف: «مع أن لدولتنا دستورًا علمانيًّا فإن عقيدتنا هي الإسلام، وإن بلدنا يعلق أعظم الأهمية على دعم روابطه التاريخية والروحية مع سائر الدول الإسلامية الأخرى، وعلى إقامة علاقات قوية مع إخوتنا في الإسلام في كل مجالات النشاط».
ويتساءل المراقبون: ما الذي حدا برئيس تركيا أن يستيقظ ويولي وجهه شطر المسجد الحرام؟ هل إدراكه بأن لبلده دورًا مهمًّا في العالم الإسلامي جاء من تأثير الأزمة الاقتصادية التي توشك أن تعصف بتركيا؟ ومن ثم راح يبشر بأن تركيا تملك قاعدة صناعية متقدمة وزراعة واسعة متنوعة وأيدٍ عاملة ذات خبرة ومهارة؟ ويلاحظ أن تركيا تركز في نشاطها هذا على الجانب الاقتصادي البحت من اتصالاتها مع العالم الإسلامي، فلقد استضافت المؤتمرات الإسلامية، ومؤتمر محافظي البنوك المركزية والهيئات النقدية في الدول الإسلامية، ثم أخيرًا المؤتمر السادس لمجلس محافظي بنك التنمية الإسلامي الذي ألقى أمامه الجنرال إيفرين كلمته.
وهناك أنشطة واتصالات أخرى مع العالم الإسلامي لا تعدو كونها ذات هدف اقتصادي؛ ولهذا يعتقد كبار الساسة والمسؤولين في تركيا أن حالة الكساد الاقتصادي الراهنة في العالم إنما تؤكد أكثر من أي وقت مضى مدى الحاجة الملحة لإعادة تأكيد مبادئ التضامن الإسلامي، لكن بعض المنتقدين للحكومة على الصعيدين الداخلي والخارجي يقولون إن التحول السياسي لتركيا تجاه الدول الإسلامية الأخرى إنما تحركه الدوافع الاقتصادية أكثر مما تسببه يقظة الوعي الديني، وهم يقولون إن الصناعات المتسعة في تركيا تحتاج إلى الأسواق، وإن دول الشرق الأوسط الإسلامية تقع على الأبواب.
حقيقة الدوافع
ومع أن اليقظة الإسلامية هناك بدأت مع الصحوة الإسلامية التي تجتاح العالم الإسلامي الآن وقبل مجيء إيفرين إلى الحكم فإن دوافع إيفرين- بالذات- لا تعد مشجعة على توقع انفتاح تركي نحو العالم الإسلامي أكثر من الوصول إلى تحقيق أطماعه الاقتصادية، وليس أدل على ذلك من قوله في افتتاح المؤتمر السنوي السادس لمجلس محافظي بنك التنمية الإسلامي: «إن لدولتنا دستورًا علمانيًّا وعقيدتنا هي الإسلام» هذا القول لا يستقيم والحقائق التي يبشر بها البعض بأن تركيا تمد يدها للعالم الإسلامي.. أي عالم إسلامي؟ إن العالم الإسلامي ينفر بحكم صفاء عقيدته من رفع شعارات العلمانية، ولا يوجد مسلم واحد يستطيع أن يفهم هذه الازدواجية الغريبة بين دستور علماني وعقيدة إسلامية، اللهم إلا إذا كان المقصود هو جعل الإسلام حصان طروادة أو قميص عثمان؛ للوصول إلى تحقيق الأهداف الشخصية والمادية فحسب، وأملنا ألّا يكون الحكام في تركيا قد استيقظوا مؤخرًا بعد أن فتحت الشعوب الإسلامية أعينها، وأدركت أن هذه الفلسفات قد بليت ولم تحقق شيئًا ولم يبقَ إلا طريق واحد ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (آل عمران: 85)، ونأمل ألّا يقال إن تركيا بعد أن ثبتت دعائم اقتصادها من المعونات المالية التي أمدتها بها السعودية والكويت وأبو ظبي وقطر وبعض البنوك الإسلامية تريد أن ترد الجميل بكلمات طيبة عن الإسلام والبلاد الإسلامية، وأنها تريد أن تصل من هذا الدرب إلى تحقيق «السوق المشتركة» الإسلامية في الشرق الأوسط، لتكون خليفة المسلمين في هذه السوق فحسب ولا مزيد، أما قهر النشاط الإسلامي الفعلي في تركيا وقمع الشباب الإسلامي هناك فلا اعتراض عليه ولا يعيق التوجه الإسلامي الحديث لجنرالات تركيا.
علمانية تركيا وعلمانية غيرها
ولتركيا أن تقول- ونعني جنرالات تركيا- إن ضربها للصحوة الإسلامية لا يخرجها عن الإسلام أو كونها دولة إسلامية، كما أن الالتزام بالعلمانية ليس أمرًا مقصورًا عليها وحدها، فإن غالبية الدول الإسلامية تطبق العلمانية مذهبًا، ولم يمنع هذا حكامها من تصدر المؤتمرات الإسلامية والدفاع عن الإسلام والمسلمين دون خجل أو حياء، رغم حربهم التي لا هوادة فيها ضد المسلمين، حتى لو أدى الأمر إلى دك المدن على من فيها من المسلمين.. إذن لماذا تنتقدون العلمانية في تركيا وحدها؟
والرد على هذا يصدر أساسًا من أمرين: أولهما أن الصحوة الإسلامية ومنذ القدم تعلق آمالًا كبارًا على عودة الإسلام ومجده إلى تركيا المسلمة، التي حملت الإسلام وحملها الإسلام إلى أمجاد لم ترَها منذ أن ألقت تلك الأمانة من على كاهلها، ولم تزل الصحوة الإسلامية حتى الآن تنتظر ظهور المد الإسلامي في تركيا، دون أن يخالجها شك في أن هذا اليوم آت قريب؛ ولذا فهي حريصة على رصد الحركات التآمرية التي تتزين بزي الإسلام وهي منه براء فوق أرض تركيا المسلمة.
وثاني الأمرين أن الصحوة الإسلامية في تركيا لم تتوقع ولن تتوقع أن يكون المبشرون بعودة تركيا هم الجنرالات، الذين يقدمون الإسلام على أنه طقوس تؤدى في المساجد فحسب، في حين تظل العلمانية هي المنهج الرسمي لأجهزة الدولة، ويعلن عنها صباح مساء من قبل المسئولين، هذا منطق كما قلنا مثير للغرابة ومثير للانتقاد، وعلى المسئولين في تركيا أن يقولوا إن مسلكنا هذا وإعلاننا عن الاتصالات الإسلامية وتوجهنا نحو العالم الإسلامي توجه مرحلي، تمليه علينا الظروف الاقتصادية التي تحيط بتركيا بدلًا من الجمع بين علمانية وعقيدة إسلامية.
موقف جنرالات تركيا الحقيقي من الإسلام:
يستطيع أي مسلم مراقب للأحداث وواضع هم المسلمين واجبًا دينيًّا من ضمن واجباته أن يتذكر الحقائق جيدًا وهي ليست بعيدة.. عليه أن يتذكر أن الداعية الإسلامي نجم الدين أربكان ورفاقه ما زالوا يلاقون الويل من عداء الجنرال إيفرين للإسلام وأهله. يقول المدعي العسكري الذي جاء به إيفرين ليحاكم الداعية الإسلامي نجم الدين أربكان: «قد جاء الجيش التركي- أي بقيادة الجنرال إيفرين- ليحمي ثورات أتاتورك السبع ويرد عنها كيد المتآمرين ضدها» أي الداعية نجم الدين ورفاقه، ويستطرد المدعي العسكري العلماني في قوله: «إن الجيش هو أكثر المؤسسات في تركيا الحديثة إيمانًا بثورات مؤسس تركيا المعاصرة وهو مصطفي كمال أتاتورك».
ومن حق المسلم أن يعرف: ما هي تلك الثورات السبع التي هب الجيش بقيادة الجنرال كنعان إيفرين لحمايتها من هجمات الإسلاميين؟ هذه الثورات عبارة عن قوانين لتثبيت العلمانية وإلى الأبد في تركيا، واعتبرها المدعي العسكري ثورات. أول ثورة منها ألغت التعليم الديني في البلاد، وثانيها إلزام الناس بالقبعة بدل الطربوش، وثالثها إلغاء الزواج الشرعي، ورابعها استعمال الحروف اللاتينية بدل العربية، وخامسها إلغاء الألقاب، وسادسها إلغاء الملابس الدينية للرجال والحجاب للنساء، وسابعها إلغاء تكايا الدراويش.. من أجل تلك القوانين شنق العديد من رجال الدين ومن غيرهم لأن تحت كل قانون أو ثورة منها ألف قيد وقيد هدفها جميعًا محو الدين من قلوب الناس.
الدعاة الإسلاميون والثورات السبع:
جاء كنعان إيفرين ليحمي تلك الثورات السبع التي تعتبر دعائم العلمانية التي لم تستفد منها تركيا سوى عبادة الوثن مصطفي كمال أتاتورك، والجدير بالذكر أن الدعاة الإسلاميين زج بهم في المعتقلات لأنهم هتفوا بكل صدق «محمد صلى الله عليه وسلم قائدنا الأوحد والوثن سوف يسقط والإسلام سوف ينتصر».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلبنسبة مشاركة 84% وتصويت 52.1% لصالحه.. الشعب التركي يجدد الثقة بالرئيس «أردوغان»
نشر في العدد 2180
28
الخميس 01-يونيو-2023
الحــرب الأوكرانيـــــة اختبــــار صعـــب للعلاقـــــات التركيــــة الروسيـــة
نشر في العدد 2183
27
الجمعة 01-سبتمبر-2023