; على المثقفين العرب أن يتجاوزوا فرويد | مجلة المجتمع

العنوان على المثقفين العرب أن يتجاوزوا فرويد

الكاتب الأستاذ أنور الجندي

تاريخ النشر الثلاثاء 02-يونيو-1970

مشاهدات 20

نشر في العدد 12

نشر في الصفحة 10

الثلاثاء 02-يونيو-1970

فرويد والصهيونية. ليس الجنس هو دعامة الحياة.

أعتقد أن من أكبر الظواهر التي تواجه أمتنا العربية في هذه المرحلة من حياتنا الفكرية والاجتماعية هي «إعادة النظر» في كثير من المُسلمات الخاطئة التي خُدعنا بها طويلًا وتقبلناها دون أن نتيقن صحتها وفق منهج البحث العلمي والعقل الراشد وفي ضوء قيم فكرنا العربي الإسلامي الأساسية، والتي كانت من بين العوامل ذات الأثر البالغ التي وقعنا فيها في ظل دعاية استعمارية صهيونية حاولت إغراءنا بتقبل هذه النظريات والتسليم بها.

وفي مقدمة هذه الضربات العنيفة التي وجهت إلى كياننا الفكري والاجتماعي هي الاستسلام لنظرية فرويد وتقبلها تقبلاً كاملاً والسير وراء الأضواء الباهرة التي حشدت لها والهالات البراقة التي أُحيطت بها.

وليست آراء فرويد هي وحدها التي سيطر بها النفوذ الاستعماري على فكرنا ومجتمعنا في ظل مرحلة من أدق مراحل حياتنا وهي مرحلة اليقظة والتخلص من النفوذ الاستعماري العسكري والسياسي، ولكن آراء فرويد كانت بعيدة الأثر في مجموعة ضخمة من العوامل والنتائج التي اضطرب لها مجتمعنا وأفقدنا كثيرًا من عوامل القوة والتماسك والصلابة التي عُرفنا بها على مدى التاريخ، والتي كانت قادرة دومًا على حمايتنا في مواجهة الأخطار والتحديات وعلى رد عاديات الغزو الاستعماري في كل صوره ومظاهره.

ولست في حاجة إلى أن أعيد الحديث عن الغزو الفكري والثقافي الذي يمثل آخر مراحل النفوذ الاستعماري؛ فذلك أمر قد طال القول فيه في السنوات الخمس الأخيرة فلم يعد في حاجة إلى تذكير.

وأعتقد اليوم أننا يجب أن ندخل في صميم موضوع الغزو الثقافي والتغريب الفكري ونواجه ركائزه مواجهة صريحة، ومن هنا فإن من حق المثقفين العرب اليوم أن يكشفوا عن مدى الخطر الكامن وراء مفاهيم فرويد ومدى معارضتها لقيمنا الأساسية التي يقوم عليها فكرنا الإسلامي وثقافتنا العربية، والتي قام وبُني وشُيد عليها مجتمعنا العربي الإسلامي منذ خمسة عشر قرنًا.

وإن على المثقفين العرب اليوم أن يتجاوزوا مفاهيم فرويد هذه التي سيطرت على حياتهم الفكرية والاجتماعية خلال هذا الصدر من القرن العشرين تحت ضغط النفوذ الاستعماري الذي فرض نفوذه في مجال الثقافة والتعليم والصحافة، والتي حمل معه هذه النظريات التي وضعها «فرويد» استمدادًا من مجتمعه وعصره وثقافته وتركيبه النفسي والاجتماعي، والتي تتمثل فيها مختلف العوامل المتصلة بالمجتمع الأوروبي الغربي في أوائل القرن العشرين، والتي تختلف في جوهرها وطبيعتها اختلافًا كبيًرا عن عصرنا ومجتمعنا وتحديات بيئتنا، من عدة وجوه، هذا فضلًا عن أن هذه النظرية قد أثبتت فشلها وخطأ تركيبها العلمي وقد استطاعت مجتمعات كثيرة أن تتجاوزها.

ومن حقنا نحن ولنا قيمنا الأساسية وثقافتنا ومزاجنا النفسي والروحي الخاص أن نكشف عن أن محاولة قسرنا على تطبيقها «أي نظريات فرويد» قد باءت بفشل كبير، وأننا قد اكتشفنا أخيرًا في ضوء البحث العلمي المجرد، والوقائع التاريخية الصحيحة أن هذه النظرية قد ألقيت إلينا كواحدة من محاولات الغزو والتدمير الفكري والتدمير الاجتماعي، وأن علينا أن نتحرر منها ونتجاوزها؛ حتى لا تكون واحدة من العوامل الخطيرة التي تحول دون انتصارنا في أخطر معاركنا مع الصهيونية العالمية.

أولاً: فمن الناحية العلمية البحتة يرى الباحثون أن فرويد ليس على خلق العلماء وإنما هو أشبه بمتنبئ منه بعالم وهو مخترع للفرضيات أكثر منه مجربًا لها، وأن نظريته في الجنس لم تحظ بموافقة زملائه الثلاثة الذين عملوا معه «أدلر، ويونج، وستيكل»، وأنه حين عرض عليهم عام ۱۹۰۲ أمر إقرار هذه النظرية رفض ثلاثتهم وجهة نظره، وقال يونج إن آراء فرويد ذات جانب واحد وغير ناضجة تمام النضوج.

ويعتقد أدلر أن حافز توكيد الذات وليس الدافع الجنسي هو القوة السائدة الإيجابية في الحياة، وأن الدافع الجنسي ليست له هذه الأهمية الشاملة التي يقدرها فرويد له في حياة الطفل، كما عارض يونج نظرية أدلر في الجنس، وقد رفضا رأيه في الغريزة الجنسية في الطفولة وعقدة أوديب، وأجمع علماء النفس «ما عدا فرويد ومدرسته» على خطأ ما ذهب إليه فرويد من إرهابية الكبت على هذا النحو الذي يحاول أن يصوره له.

وقال يونج إن مصدر سرور الطفل في الحصول على الغذاء هو اللبيد، ولكنه يجب ألا يوصف بأنه جنسي أبدًا، وذلك على اعتبار أن الدافع الجنسي لم يميز نفسه بعد عن الميل الابتدائي للحياة، وينكر يونج أن اللبيد جنسيًا بكليته، ويعتبر اللبيد إرادة الحياة ويرى أدلر أن النزوع إلى التفوق هو مصدر دوافع الإنسان وليس الجنس.

وقد أكد الباحثون خطأ فرويد في دعواه بأن العصاب «أي المرض العصبي» ينشأ عن أمور جنسية طفولية مكبوتة، ويرون أن الأمور الجنسية الطفولية المكبوتة ليست وقفًا على الذين أصيبوا بعصاب في وقت ما من حياتهم ولكنها موجودة عند كل إنسان وتشكل عاملًا مهمًّا في حياته.

وقد عارض علماء التربية والنفس ما يتردد اليوم من القول:

لا تضرب الطفل، لا ترهق ابنك، ليس للآباء على الأبناء نصيحة أو توجيه، وكلها من النتائج الخطيرة التي قدمتها نظريات فرويد، وبدا للعلماء اليوم أن قبول فرويد بأن معارضة رغبات الطفل في صغره تؤثر على تصرفاته إذا ما كبر، هذه النظرية هي خطأ محض، نتيجة الدراسات الطويلة والإحصائيات والاستفتاءات التي أجراها العلماء وكذا بدأ فرويد في نظريتين تسيطران الآن سيطرة كبرى على التربية والأخلاق: وهما مسألة الكبت ومسألة توجيه الأطفال قد تبين فشلهما فضلًا عن الخطأ الأصيل الذي كشفه العلماء في القول بالجنس كمصدر لأعمال الإنسان الذي عارضه جميع زملائه وانفرد به وحده، وقد أجرى الدكتور إسكندر توماس عددًا من البحوث بمعرفة مجموعة من الأطباء النفسيين انتهى منها إلى أن نظرية فرويد باطلة، ويقول العلماء في تقريرهم إنهم درسوا مجموعة من الأطفال بلغت 158 طفلًا غير منحرفين، بينهم الأغنياء والفقراء، وبينهم من يوجهون عن طريق الآباء ومن لا يوجهون، وقد تبين أن الأبناء جميعًا نشأوا أصحاء مستقيمين ولم يكن للقيود القاسية والنظم التربوية التوجيهية أي أثر على سلوكهم فيما بعد، وقد وصلوا إلى القول بأن مسلك الطفل يتأثر بعدد كبير من العوامل وليس بالبيئة والوسط والحالة الاجتماعية وحدها (راجعنا في هذا آراء الدكتور فاخر عاقل).

وقد اعتمد فرويد على كثير من الأساطير اليونانية القديمة فحولها إلى نظريات، ومن ذلك «عقدة أوديب والكترا»، وعقدة أوديب ليست طبيعية المنشأ، وقد أثبت العلماء أنها ظاهرة اجتماعية قد تكون في مجتمع ولا تكون في مجتمع آخر.

هذا من الناحية العلمية الصرفة.

ثانيًا: أما من الناحية الشخصية فإن علينا أن نعرف أن فرويد كان يهوديًّا يعيش في النمسا في مجتمع يضطهد اليهود، وقد أجمع الباحثون على أن ليهوديته دخلاً كبيرًا في صياغة الكثير من نظرياته وفرضياته وتعليلاته، بحكم أنه ينتمي إلى أقلية مكروهة وأقل ما ينسب إليها حب المال والتعصب والطموح الاقتصادي.

ونقطة الضعف الأساسية في نظريات فرويد وفي مكانته كعالم هي أنه اتخذ من دراسة نفسه وطفولته قاعدة للتعميم والوصول إلى قوانين عامة، وقد ترك فرويد من كتاباته عن نفسه وعن حياته ما يثبت أنه كان يتخذ من تحليل أحلامه وهواجسه ومشاكل صباه -كيهودي في النمسا المتعصبة ضد اليهود- قاعدة كل تصميماته، وفرويد نفسه صاحب النظرية النفسية التي هزت العالم وأريد لها أن تكون قاعدة علم النفس بالرغم مما أورده زملاؤه ومن جاء بعده من تصميمات وتنقيحات أعادت النظر في جذور رأي فرويد.

والمعروف أن فرويد صاحب هذه الآراء كان مريضًا، وكان عرضة للإغماء على أثر بعض المفاجأت، وكانت مرارة الطبع خلة ملازمة له في علاقاته بغيره، وكانت لأحلامه وجوه خفية ترمز إلى دلالتها في سريرته الباطنة، وكانت له ضروب من القلق، تنم عن باعث من بواعث الحيرة المكتومة وكان أظهر حالاته الخاصة أنه يحارب التشبث في العقائد الدينية والعادات الخلقية، ولكنه يتشبث بالتفسير الجنسي للعقائد والعادات تشبثًا يربو في إصراره وشدته على تعصب المتعصب لمذهبه ودينه. 

وفرويد في رأي كثير من الباحثين كان مجموعة من العقد النفسية والعادات الغريبة ولم يستطع أن يشفي عقله الباطن من هذه العقد النفسية إلى آخر حياته، كان ينسى الأسماء ومنها اسم أشد معارفه (الدكتور فرويد) وكان يتتبع أوراقه التي تدخل في ترجمة حياته فيحرقها، وكان يؤمن بأنه سيموت في نهاية الحرب العالمية الأولى فمات في بداية الحرب العالمية الثانية، وكان يدخن عشرين سيجارًا في النهار ليُهدئ من ثوراته العصبية، وكان في طفولته ينسى نفسه ليلًا في فراشه، وكان يخشى من السفر بالقطار ويحضر إلى المحطة قبل موعد قيامه بنحو ساعة، وكان دائم العزلة لا يسمح لأحد أن يصاحبه طويلًا (عن كتاب ترجمة الدكتور إرنست جونز).

ثالثًا: لماذا إذن ونظرية فرويد قد واجهت كل هذه الهزائم من الناحية العلمية، استطاعت أن تشق طريقها إلى الآداب والفنون، وإلى الجامعات، وإلى المجتمعات المختلفة، حتى نقلها النفوذ الاستعماري إلى المجتمعات العربية والإسلامية؟

تقول بروتوكولات حكماء صهيون ما يأتي بالنص:

«يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق، في كل مكان، فتسهل سيطرتنا، إن «فرويد» منا وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس، ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسية وعندئذٍ تنهار الأخلاق».

ومعنى هذا أن الصهيونية العالمية قد عملت أساسًا على تدمير الشخصية الإنسانية، وأنها وجدت في (فرويد) العامل الأول لهذا المخطط، فأعطت آراءه تلك الدفعة القوية التي أعلتها على نظريات كل من عارضوه أو حاولوا تصوير النفس الإنسانية على نحو قريب من الحقيقة التي تهديها إلى التسامي والقوة.

وقد كشف الباحثون في الفترة الأخيرة عن علاقة أكيدة بين فرويد وبين هرتزل، وأن كتاب هرتزل ونظرية فرويد قد ظهرا في وقت واحد، وأنه يبدو أن هرتزل قد جنب فرويد لهذا المخطط النفسي الهدام، وأن الأبواق الخفية والدعاية اليهودية الصهيونية قد أحاطت نظرية فرويد بتلك الهالة الضخمة من النزاهة الفكرية، ووجهتها من خلال الأدب والقصة وعلوم الاجتماع ودراسات الجامعات على أنها نظرية علمية خالصة، وقد عاشت هذه النظرية سبعين عامًا بعيدة عن الشك المثير، وإن عرض كثير من الباحثين إلى مراميها وأهدافها اعتمادًا على ما ذكرته البروتوكولات وما عرف من أهدافها ودوافعها.

حتى جاء المؤرخون الصهيونيون أنفسهم فكشفوا الغطاء عن أن نظرية فرويد مستمدة من التوراة المزيفة والتلمود، ويقول الدكتور صبري جرجس في کتابه «التراث اليهودي الصهيوني في علم النفس ونظرية فرويد»: (إن الفكر الفرويدي المنبعث أصلًا من التراث اليهودي والصهيوني كان يهدف أساسًا إلى تقويض الأسس التي تقوم عليها حضارة الغرب)، بل إن الدكتور صبري يذهب إلى أبعد من ذلك حين يقرر:

«إن التحليل النفسي الذي ابتدعه فرويد مع ظهور الحركة الصهيونية منذ سبعين سنة لم يكن «علمًا مجردًا» كما يزعم، ولكنه وثيق الصلة في جوانبه المرضية والحضارية معًا بالفكر اليهودي الصهيوني الذي ظهر في التراث منذ عهد التوراة وما بعدها، وأنه من أجل ذلك سخرت الصهيونية اليهودية حربها الإعلامية والدعائية لنشر مفاهيمه والدعوة إليه في أوسع نطاق حتى أصبحت «الفرودية» من أقوى العوامل أثرًا في التوجيه الفكري والخلقي لعالم الغرب، وقد كان فرويد يهوديًّا حقًّا وعضوًا عاملًا وفخريًّا في بعض المنظمات وصديقًا لهرتزل».

وبعد ففي ضوء هذه الحقائق الثلاث نستطيع أن ننظر إلى الأخطار الكامنة وراء نظريات فرويد، في مرحلة من أدق مراحل حياتنا، يحتاج منا أن نصل سريعًا إلى مرحلة «الرشد الفكري» الذي يرتفع على النظريات المستوردة والآراء الدخيلة والنظريات الخطيرة التي أدخلها النفوذ الاستعماري والتي تتعارض تعارضًا كاملًا مع «فكرنا» و«شخصيتنا» و«مزاجنا النفسي والاجتماعي».

وإلى لقاءٍ في ضوء آخر على هذه النظرية الخطيرة.

الرابط المختصر :