; عملية «غصن الزيتون».. نتائج ودلالات | مجلة المجتمع

العنوان عملية «غصن الزيتون».. نتائج ودلالات

الكاتب د. سعيد الحاج

تاريخ النشر الأحد 01-أبريل-2018

مشاهدات 19

نشر في العدد 2118

نشر في الصفحة 28

الأحد 01-أبريل-2018

تركيا أعلنت قبل دخول عفرين عن سيطرتها على 242 منطقة منها 203 قرى و39 نقطة حساسة

أمّنت تركيا أمن حدودها ومنعت تسلل المسلحين إلى داخلها ورفعت المساحات الجغرافية للجيش السوري الحر

مع سيطرة القوات التركية ومجموعات الجيش السوري الحر المشاركة معها على قلب مدينة عفرين في الثامن عشر من مارس الماضي، تكون عملية «غصن الزيتون» قد شارفت على نهاياتها من الناحية العملية، وهو ما يتيح إجراء عملية تقييم أولية سريعة ومحاولة استشراف لخطوات أنقرة القادمة.

تمت السيطرة على مدينة عفرين في ذكرى معركة «جناق قلعة» البحرية التي انتصرت فيها الدولة العثمانية على دول الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى، وهي المعركة التي تحتفل بها تركيا سنوياً تحت مسمى «يوم الشهداء»، وهو معنى رمزي مهم وقد يكون مقصوداً لذاته.

يمكن تقييم نتائج ودلالات العملية العسكرية التركية من زوايا نظر ثلاث:

أولاً: عسكرياً:

بلغة الأرقام، أعلنت المصادر التركية عن «تحييد» أكثر من 3700 عنصر من وحدات حماية الشعب (YPG)، الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، في العملية حتى تاريخ كتابة هذه السطور، في مقابل مقتل 49 جندياً تركياً، و115 مقاتلاً من الجيش السوري الحر، وأعلنت القوات المسلحة قبل دخول عفرين عن سيطرتها على 1102 كلم2 خلال العملية حتى الآن، بما يشمل 242 منطقة، منها 203 قرى، و39 “نقطة حساسة”، وهي أرقام مرشحة للارتفاع الملحوظ مع نهاية العملية رسمياً بسبب تسارع عملية السيطرة على القرى والنواحي بعد السيطرة على عفرين.

مع نهاية العملية، تكون تركيا قد أنهت تماماً سيطرة وحدات الحماية على منطقة عفرين (الكانتون الغربي)، ومنعت وصولها إلى مياه المتوسط، كما يتطلب مشروعها السياسي في الشمال السوري، هكذا تكون أنقرة قد وجهت ضربة قوية لمشروع حزب الاتحاد القائم على تأسيس دويلة أو ممر شمال سورية تحت مسمى الفدرلة أو التقسيم أو الإدارات الذاتية، وهي الضربة الثانية بعد عملية “درع الفرات” التي منعت التواصل الجغرافي بين الكنتونات الشرقية والغربية للحزب، لكن ذلك لا يعني نهاية المشروع، وإنما انتقال المواجهة إلى المرحلة التالية.

وقد أمّنت تركيا بذلك أمن حدودها في تلك المنطقة، ومنعت تسلل المسلحين إلى الداخل التركي مباشرة أو عبر المتوسط، كما رفعت بشكل ملحوظ المساحات الجغرافية التي تسيطر عليها مجموعات الجيش السوري الحر المدعومة من قبلها، وهذا له دلالاته وأثره في المعادلة الميدانية المنعكسة على المسار السياسي. 

ثانياً: سياسياً:

استطاعت تركيا إطلاق عمليتها والاستمرار بها والاقتراب من قطف ثمارها وتحقيق أهدافها دون تعرضها لضغوط مؤثرة، فقد نسجت حول عمليتها شبكة أمان سياسية وقانونية، حين وضعتها في سياق الدفاع المشروع عن النفس ومواجهة المنظمات «الإرهابية»، وفق المادة رقم (51) من ميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن رقم (1624) عام 2005م، و(2170) عام 2014م، و(2178) عام 2014م.

من جهة أخرى، كانت التفاهمات التي أبرمتها أنقرة مع موسكو خلال زيارة رئيسي أركان الجيش وجهاز الاستخبارات خلوصي أكار، وحاقان فيدان، إلى الأخيرة قبيل إطلاق العملية كفيلة بتعاون روسيا من خلال سحب قواتها من المنطقة، وضبط رد فعل النظام، وعدم معارضة طيران المقاتلات التركية في الأجواء السورية التي تسيطر عليها روسيا.

وبالتالي، لم تكن التحفظات الأمريكية والجهود الفرنسية قادرة على إحداث ضغط حقيقي على أنقرة قادر على إعاقة العملية أو إيقافها أو التشويش عليها، لا سيما وأن واشنطن لا تملك قوات عسكرية على الأرض في عفرين، أكثر من ذلك، فعملياً وواقعياً يبدو أن هناك تفهماً دولياً من عدة أطراف أكثر من ذي قبل لاحتياجات تركيا الأمنية ومتطلبات ذلك في الشمال السوري.

ولعله من المفيد الإشارة إلى إجماع الداخل التركي خلف العملية، على المستوى الشعبي والنخبوي ومؤسسات المجتمع المدني، وصولاً لأحزاب المعارضة باستثناء حزب الشعوب الديمقراطية (القومي الكردي) الذي يعتبر في تركيا على نطاق واسع كذراع سياسية لحزب العمال الكردستاني.

ثالثاً: الدعاية والإعلام:

خاضت تركيا العملية بحذر شديد، وسارت مراحلها الأولى ببطء ملحوظ لضمان تجنيب المدنيين في عفرين أضرار العملية العسكرية، كانت إستراتيجية وحدات حماية الشعب تقوم على استدراج تركيا لحرب شوارع وعصابات في قلب عفرين والبلدات المأهولة بالسكان، بحيث ترتفع أعداد القتلى بين صفوف الجيش التركي للضغط على الحكومة داخلياً، وأعداد الضحايا المدنيين للضغط عليها خارجياً.

وقد عمدت تركيا إلى تفنيد بعض الأخبار والصور والفيديوهات التي ادعت سقوط عدد كبير من المدنيين في عفرين، ثم كان مشهد دخول عفرين دون دمار ملحوظ وبأقل الكلف البشرية المحتملة نقطة تحسم الموقف لصالح تركيا، في ظل مقارنات قامت بين مشهد عفرين من جهة، ومشاهد الموصل وحلب والرقة من جهة أخرى. 

سيناريو «درع الفرات»

بعد السيطرة على قلب مدينة عفرين، يتوقع أن تسير عملية “غصن الزيتون” في مسارين رئيسين؛ الأول عسكري وهو عبارة عن استكمال تحرير القرى والمناطق الواقعة جنوب وشرق عفرين، بما في ذلك القرى العربية التي سيطرت عليها الوحدات في عام 2016م وأهمها تل رفعت ومطار منغ المهمتين.

وفيما يتعلق بتل رفعت ومنغ تحديداً، تبدو أنقرة مصرة على إخراج وحدات الحماية منها، بينما سربت أخبار عن تسليمهما لقوات النظام؛ ما يضع تحديات أمام سيطرة تركيا عليها؛ وبالتالي، فإن مصير المنطقتين مرهون بالتفاهمات التي قد تبرمها أنقرة مع موسكو، ومدى رغبة الأخيرة في إبقائهما في حوزة النظام، مع طمأنة تركيا على خروج الوحدات منهما أو عدم ممانعتها بدخول الجيشين التركي والسوري الحر لهما.

وأما المسار الثاني، الإداري لتلك المناطق، فهو الذي يبدأ بعد انتهاء الأعمال العسكرية مباشرة، من حيث إزالة الألغام وضبط الأمن وإعادة السكان ثم مشاريع البنية التحتية والتعليم والصحة وغيرها من القطاعات، في سيناريو شبيه لما حصل في مناطق “درع الفرات” بعد انتهاء العملية في مارس 2017م.

تضع أنقرة عملية “غصن الزيتون” كمحطة ضمن رؤية متكاملة لمواجهة مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي في سورية، ومن قبله حزب العمال الكردستاني في تركيا والمنطقة، وبالتالي فهي خطوة لاحقة على عملية “درع الفرات”، وتسبق خطوات لاحقة في مناطق أخرى.

أولى المحطات التي ترغب تركيا في حسمها هي منبج غرب نهر الفرات، التي كانت الولايات المتحدة قد تعهدت بخروج قوات سورية الديمقراطية (قسد) منها قبل أن تتنصل من ذلك، وكانت تركيا قد صاغت تفاهمات أولية حول خروج “قسد” منها مع وزير الخارجية الأمريكي السابق “ريكس تيلرسون”، الذي جعلتها إقالته في مهب الريح، بيد أنه لا يتوقع أن تتجاهل واشنطن تماماً التحفظات التركية المقرونة بتهديد واضح بعملية عسكرية مشابهة في منبج، خصوصاً أن الأخيرة تقع خارج مناطق اهتمام واشنطن وإستراتيجيتها التي تشمل البقاء في المناطق شرق الفرات.

المنطقة الثانية التي تتحدث عنها أنقرة هي سنجار شمال غرب العراق قرب الحدود السورية العراقية، التي سيطر عليها حزب العمال الكردستاني خلال المعارك مع “داعش”، تحاول تركيا إقناع حكومة بغداد المركزية بضرورة مواجهة حزب العمال هناك، خصوصاً وأنها تشترك مع تركيا -وإقليم كردستان العراق- برفض سيطرته على سنجار؛ وبالتالي، فالمنطقة مرشحة لعملية عسكرية عراقية، أو عراقية تركية وفق ما تقول أنقرة، لكن ذلك لا يعني بالضرورة عملية عسكرية برية شبيهة بـ”درع الفرات” و”غصن الزيتون”، بل قد تكون على شكل قصف جوي مركز يحرم العمال الكردستاني من القدرة على الحشد والتدريب وإطلاق العمليات والاستقرار في المنطقة، لكن ذلك مرشح للتأجيل حتى ما بعد الانتخابات العراقية في مايو المقبل.

يبقى في الحسبان دائماً معقل حزب العمال الكردستاني الرئيس في جبال قنديل، الذي تتعامل معه أنقرة وفق إستراتيجية الإشغال الدائم، من خلال القصف الجوي المتواصل، ولا يتوقع أن يتغير التعامل التركي معه في المستقبل القريب.

في المحصلة، تبدو تركيا وقد حققت انتصاراً عسكرياً وسياسياً لها، يزيد من نفوذها الميداني ويدعم أوراق قوتها على طاولة التفاوض السياسية بخصوص مستقبل سورية، وتستفيد منه مجموعات الجيش السوري الحر والمعارضة السورية نسبياً، في ظل واقع القضية السورية المعقد والمفتوح على عدة احتمالات ليس من ضمنها الحل السريع والمرضي لجميع الأطراف حتى الآن.

الرابط المختصر :