العنوان عندما يصان الأمن في غياب الشريعة
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 15-يونيو-1993
مشاهدات 11
نشر في العدد 1053
نشر في الصفحة 6
الثلاثاء 15-يونيو-1993
14 ساعة من المناقشات السرية استغرقها أعضاء مجلس الأمة في جلسة الأسبوع الماضي، وكان موضوع النقاش هو الأوضاع الأمنية في البلاد.
وعندما رفع النواب الجلسة أعلنوا عن توصيات للحكومة في شأن الأمن الداخلي للبلاد ومحاربة الجريمة، ومن هذه التوصيات زيادة عدد أفراد الشرطة، والتعجيل في تنفيذ العقوبات، وتوسيع صلاحيات رجال مكافحة المخدرات، ومشاركة وسائل الإعلام الرسمية في الحرب ضد الجريمة، غير أنه من المؤسف أن توصيات المجلس وملاحظات نوابه الذين يحمل غالبيتهم التوجه الإسلامي تجاوزات أساس العلة ومصادر البلاد في معدلة الأمن الكويتي وهو ابتعاد القوانين والأنظمة الجزائية عن أحكام الشرع الحنيف واستبدال الكويت للشريعة الإسلامية الغراء بالأنظمة الوضعية المستوردة.
لقد نكبت البلاد منذ إعادة تنظيمها الإداري والقانوني قبل 30 عامًا بقوانين وأنظمة جزائية مستقاة من خليط من القوانين العلمانية العربية والأجنبية، وألغيت المحاكم التقليدية التي كانت تحافظ على قدر معقول من الالتزام بالشريعة بمحاكم أخرى نظمها قضاة وقانونيون من بعض الدول العربية التي تطبق قوانين مستقاة من القانون الفرنسي، وعندما قام المجلس التأسيسي عام 1962 بدراسة الدستور وقعت مواجهة بين أعضائه حول موضوع الشريعة الإسلامية ودورها في الحياة العامة في الكويت، وكانت المسجلات النقاشية حول المادة الثانية من الدستور دليلًا على شعور أعضاء ذلك المجلس بأن الكويت كانت على شك أن تخسر جزءًا خطيرًا من هويتها الدينية الثقافية باستبعاد أحكام الشريعة عن الحياة السياسية والتنظيم الاجتماعي والاقتصادي.
انتصرت اللادينية حينئذ، وأصبحت الكويت «علمانية» من حيث الواقع والقانون، فلم يعد نظامها الاقتصادي يعترف بالإسلام من قريب أو بعيد، وكذلك تجاوزت أنشطتها الإعلامية والثقافية الضوابط الشرعية في القيم والأخلاقيات، وقام تربويون بعيدون عن الفكر الإسلامي بصياغة المناهج التربوية، أما نظامها القضائي فقام بإسقاط الحدود الشرعية واقتبس قواعد قانونية هزيلة في مواجهة الجريمة.
غير أن صلابة الإسلام والإيمان في قلوب الكويتيين كانت بفضل الله أقوى من هذه الأوضاع المستجدة، وبرغم من 30 عامًا أو أكثر قضت على علمانية النظام العام؛ فإن المجتمع الكويتي يحافظ على قدر كبير من هويته الإسلامية، ولم ينجرف بالقدر الذي حدث في أقطار عربية وإسلامية أخرى، ولكن أصيب بأمراض وآفات اجتماعية واقتصادية وأخلاقية، أصبحت الآن العامل الأساسي في التدهور الأمني الذي عقد نواب مجلس الأمة جلستهم الأخيرة للنظر فيه.
لقد ساهم الإعلام الفاسد في التأثير على جيل كامل من الكويتيين بالرغم من أن غالبية من الشباب والشابات لا تزال تتمسك بالالتزام الديني بسبب حسن التربية في المنزل أو بسبب مؤثرات الصحوة الإسلامية إلى أن آلافًا من الشباب تأثر بقدر سلبي واضح بالمناهج الإعلامية والتربوية الرديئة وظهرت في البلاد بشكل متكرر جرائم عنف وتجاوزات أخلاقية لم تعرفها الكويت من قبل.
لقد عجزت المناهج التربوية اللادينية عن ردع بعض الشباب عن طرق الانحراف والجريمة، وأفلست مناهج الإعلام عن المساهمة بدور إيجابي في محاربة الظواهر الشاذة والقبيحة التي بدأت في مجتمعنا في السنوات القليلة الماضية.
وفيما تناضل أجهزة الأمن بكل جوانب الضعف والقصور فيها في مواجهتها مع الجريمة لا يزال المجرمون والمنحرفون ينعمون بجهاز قضائي بطيء وأحكام جزائية هزيلة لا تردع فاجرًا ولا تمنع منحرفًا، وعطلت الحدود الشرعية، وتكدس في السجون الآلاف من صغار المجرمين وكبارهم؛ ليكتسبوا في السجن مزيدًا من الانحراف ويخرجه بعد فترة احتجاز غير طويلة إلى المجتمع ويعاودوا ارتكاب جرائمهم.
لقد كان حريًا بالنواب الفضلاء في مجلس الأمة أن يضعوا الإصبع على الجرح، وأن يعلنوا أن مظاهر الابتعاد عن الدين تقف سببًا جوهريًّا في اضطرابات الأمن الداخلي واستفحال الجريمة.
وحري بهما الآن وهم المكلفون بصيغة القوانين وإلغائها وتعديلها أن يبذلوا الجهد الأكبر في سبيل أسلمت القانون والإعلام والاقتصاد في البلاد، بدلًا من هذا الانشغال غير المفهوم بقضايا هامشية من وجهة نظر العقيدة والدين مهما وجد البعض مهمة ومصيرية
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل