العنوان عندما يغيب الإسلام عن الحكم
الكاتب محمد النايف
تاريخ النشر الثلاثاء 15-يناير-1974
مشاهدات 24
نشر في العدد 183
نشر في الصفحة 8
الثلاثاء 15-يناير-1974
بين يدي الآن صحيفة لبنانية، هاكم بعض ما فيها:
● «أعاد الخاطفان جوسلين حداد بعد دفع ٢٥ ألف ليرة فدية».. جاء هذا الخبر في ثلاث صفحات.
● «مسلحون يخطفون صيرفيًا من ساحة الشهداء، ويطلبون ٦٠٠ ألف ليرة للإفراج عنه».
● «سلب صيدلية بارتي في الأشرفية».
● «مقتل دركي في برج البراجنة، في اشتباك بين دورية وعصابة للسلب».
● «حوادث طرابلس».
● «حفل شتائم وشهر سلاح في رأس بيروت».
● «مشاكل صور».
هذه أهم الحوادث التي وقعت في يوم واحد، واستحقت النشر في الصحف، وليعد من شاء للصحف الصادرة بتاريخ ٢٩ - ١٢.
وكثير من هذه الصحف أشغلت -بهذه الأخبار- عن مؤتمر جنيف، والحرب العربية الإسرائيلية، ولها وجهة نظرها بذلك، فالخطر الأقرب أشد أثرًا في النفس واهتمامًا من الأبعد.
وتراهم في نشر كل حادث، يقولون أحيلت القضية للمحكمة، لقاضي التحقيق الأول جورج!!
أما المدعى عليه فيعرف نتيجة الحكم مقدمًا، وهب أنه كان مؤبدًا.
فسيأتيه عفو كذا بمناسبة ١٤ أکتوبر.
فسيأتيه عفو كذا بمناسبة ٨ آذار.
فسيأتيه عفو كذا بمناسبة ٢٣ يوليو.
فسيأتيه عفو كذا بمناسبة ١٧ نیسان.
ولا غرابة في ذلك، فأيامنا الحاضرة كلها صناعة أمجاد وأعياد!! فهذه الأعياد أهم -في نظرهم- من ذي قار وذات الصواري، والقادسية واليرموك!! ولما كان الخير يعم، فبعد أيام أو شهور، يخرج المجرم من سجنه، وقد تعلم دروسًا جديدة، وأساليب مبتكرة من أساطين الإجرام في مدرستهم، وتراه يعاود الكرة، ولم يعد يخشى السجن ولا السجان.
وهناك ناس لا يسجنون أصلًا، لأنهم من أتباع «البيك والخواجا، والآغا، والأفندي» والأمور مقايضة.. هذا يحميه من السجن، وذاك يرد له الجميل في موعد الانتخابات، ليجعل منه زعيمًا أو وزيرًا!!
العالم لا يختلف عن لبنان
ليس لبنان شاذًا عن غيره من الدول، فعالمنا يموج بالفتن والاضطرابات والقلاقل.
ففي الدول الثورية، تقع حوادث السلب والنهب، وقطع الطرق، والاعتداء على الآمنين بشكل رسمي، وبموجب قوانين ومراسيم تعلن في وسائل الإعلام، ويحطون على المكاسب والمال، بدون مغامرة وإقدام، سوى المغامرة الأولى عندما سيطروا على دار الإذاعة!! وليس ذلك بالعسير!!
والبلاد الأوروبية التي تؤمن بالحرية، ومن سار على نهجها كذلك، فهي مزدحمة بعصابات اللصوص ومحترفي الإجرام، ولقد تزايدت الحوادث بتقدم العلوم، واختراع الوسائل الحديثة، وعرضهم كمغامرين في دور السينما والمسارح.. وامتد البلاء إلى دور السينما الحديثة التي سميت «بالتلفزيون»، ودخلت بيوت المسلمين.
وليس ما أقوله مخالفًا للواقع، ومن عاد للصحف، أو تابع نتائج التحقيق مع المجرمين، ثبت له ذلك، وحتى الذين خطفوا «جوسلين حداد»، اعترفوا بأنهم تعلموا هذه المغامرات من الأفلام السينمائية.
وآخر شكل للعصابات التي تحترف الإجرام، هذا التحالف بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية، للسيطرة على العالم والتحكم بمصيره.
إن ما يعانيه العالم من اضطراب يعود لسببين:
١- الخلاعة والمجون وتعليم الإجرام، وقد جاء هذا نتيجة تخطيط من الماسونية العالمية، وإنما الأمم بأخلاقها وقيمها، فإذا انحطت وتردت، فأقم عليها مأتمًا وعويلًا.
۲- فساد القوانين الأرضية وعدم صلاحيتها، وقصور نظر واضعيها، وإذا كان علماء إيطاليا وفرنسا وسويسرا، قد حرموا نعمة الإسلام، واجتهدوا في وضع قوانين لبلادهم في العقوبات وغيرها، فكيف ننقلها كالببغاوات؟!
لو أن قطاع الطرق، المفسدون في الأرض نالهم حكم الله: ﴿إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٞ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (المائدة: 33).
كلما تجرأ معتد شاهد أو سمع ذلك، أن يرفع عقيرته بالإجرام أو العدوان، لقد أفلست الشرائع والنظم الأرضية، وعادت شريعة الغاب من جديد، وبات الناس بأشد الحاجة إلى حكم الله، فما بال ناس من الناس يتعامون عن هذا الواقع؟!
رحم الله أستاذنا الدكتور مصطفى السباعي، فبينما كان يطالب عام ١٩٥٠ في البرلمان السوري بتحكيم الإسلام، اعترضه أحد زعماء الكتل السياسية وقال له:
هل تريد منا يا شیخ مصطفى أن نرجم الزاني في مثل هذا العصر؟!
فقال السباعي: هل تقر الزنا وترضاه؟
فأجابه ذاك -طبعًا- بالإنكار.
فقال السباعي: إذن لماذا تنصب من نفسك محاميًا، عمن يتهتكون أعراض الناس، بعد أن حصنهم الله بالزواج؟! فسكت السياسي وهو الشيخ الذي قارب الستين ولم يتزوج، وليس لديه دين أو خلق يردعانه عن المعصية!!
إن الذين يعيبون قطع اليد لصوص محترفون!
والذين يهابون قتل القاتل، مجرمون قد احترفوا الإجرام!
والذين يخشون الرجم والجلد، غارقون في الزنى حتى شحمتي أذنيهم!!
وإن الغلاء والخلاعة والمجون، ورعاية ذلك بقوة السلطان، مع ضعف الدعاة.. حصيلة هذا وجود جيل فقد قيمه، وفهم الحياة أنها شهوة فرج ومعدة، فليأخذ حظه منها قبل أن يوافيه الموت.
ومن كان يبتعد عن الجريمة والفساد، خوفًا من القانون، يستطيع أن يتحايل عليه، بل أن يضمن وضعه وتعطيله، متى أراد ووفق شهواته.
أما الذي يبتعد عن الجريمة خوفًا من الله، فهو يعلم أنه مطلع عليه، بصير به، يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، ولهذا فهو دائمًا شديد الخوف من الله، سريع الندم والتوبة إن وقع في ذنب، أو ألمت به معصية.
فليصدع الدعاة بإنكار فساد هذا الواقع، ولينددوا بهذه الشرائع الوضعية، التي تحمي المعتدي، ولا تنصف المظلوم! وليخجل الذين يحاربون حكم الإسلام وليعلموا أن هذا الحكم، دين للمسلم، وأمن واستقرار وعدل لغير المسلمين.. وستبقى أرواحهم وأموالهم وأعراضهم مهددة في غير حكم الله.. وليبادروا بالتوبة إلى الله.
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا﴾,
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل