; عينان مطفأتان وقلب بصير.. رواية بتقنية غير مسبوقة | مجلة المجتمع

العنوان عينان مطفأتان وقلب بصير.. رواية بتقنية غير مسبوقة

الكاتب محمد السيد

تاريخ النشر السبت 27-مارس-2010

مشاهدات 15

نشر في العدد 1895

نشر في الصفحة 50

السبت 27-مارس-2010

أول ما لفت نظري في هذه الرواية أنها جاءت بتقنية لم أعهدها قبل في أية رواية قرأتها، وقد عجيت من قدرة الكاتب على أن ينأي بروايته عن تقنية الصراع التي تهيمن على كل السرد الروائي الحاضر -ومع ذلك- فقد ظل الكاتب الموهوب صامدًا في لجة لم يخضها أحد قبله، وذلك من خلال الجملة البسيطة واللغة السهلة والحوار الموظف والتشويق المستوفي تقنياته، والغاية السامية التي رافقت القص مع الاعتزاز بإمكانية الحصول على تجربة هي إضافة تحاول الخروج من زمن الهزيمة أمام مواضعات تقنية، سرنا خلفها دون أن تحاول تقديم شيء جديد.

لن أتكلم عن صاحب الرواية عبد الله الطنطاوي، الأديب الناقد القاص الروائي المبدع، فهو أشهر من تقديمي له في كلماتي هذه.

 ولا أريد أن أتكلم عن أسلوبها وبساطة لغتها وعظيم مراميها، فهذه  كلها مبذولة في كل أنحاء الرواية، فما عليك أيها القاري الكريم إلا أن تطالع الرواية، لتجد مصداق ما أقوله لك، فهي تمتعك بالأسلوب السهل الذي يتجلى بأروع وأغدق مما تتصور، واقرأ معي إذا شئت هذا المقطع من الرواية وتأمل ما قلته لك:

مرت الأيام والسنون والشيخ صالح يحقق نجاحًا تلو نجاح.. كان دائمًا الأول على صفه، كان جسمه ينمو نموًا عجيبًا، حتى صار فارع الطول، مديد القامة، وكان نظيف اللباس أنيق الهندام، يصفف شعره بيده، ويلمع حذاءه، ويكوي ملابسه، ويتعطر ولا يخرج من المهجع إلا في كامل أناقته، وكان يخدم نفسه وأساتذته وزملاءه، تدفعه مروءته وذوقه الرفيع إلى تقديم العون إلى من يعرف ومن لا يعرف حتى غدا عَلمًا في المعهد الشرعي، (ص 53).

خيرون حتى النهاية

شخوص الرواية بدؤوا خيرين وظلوا خيرين حتى النهاية، وذلك تجاوزًا لتقنية غربية في تطوير الشخوص، أقول: رغم ذلك وجدنا الأشخاص يطورون وسائلهم في الخير الذي تبنوه ولم يحيدوا عنه، بما يشعرك أنهم يتطورون وبتشويق جميل دون أن يشعرك ذلك بأن هناك جمودًا في حركة السرد، وهذه بدعة رائعة أخرى في فن السرد تضاف إلى ما ابتدعه الكاتب في هذه الرواية، وهي التخلي عن عقد الصراع التي تلف حياة الغربي في كل مناحيها، ذلك الصراع الذي أوجد لديه التطلع الدائم إلى ما بين أيدي الآخرين من أملاك وثقافات وخصوصيات وحياة، ليستلبها ويستأثر بها.

إننا أمام قص بتقنية جديدة لأدب إسلامي خال من عقدة الصراع لديه وعي بواقعية حياتية تمد اليد بالخير للجميع وتنسج من مروءاتها خيوط وصل مع الإنسان لمجرد أنه إنسان، تستحق حياته وخصوصياته وممتلكاته الاحترام والتعاون لا العدوان والغطرسة التي صنعتها جميعًا خصوصية الصراع.

إن الله الذي خلق الإنسان قد بيّن لنا خطيئة منهج الصراع عندما حاول أحد المخلوقين الاعتداء على أخيه وسلبه ممتلكاته وحياته، فجعله يندم، نتيجة انطلاقه من فكرة الصراع ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾ (المائدة: 31).

إن الحياة في الإسلام فكرة خيرة يقابلها الظلم، وفيه يكون التغلب على النزعة غير الخيرة بالحوار والإقناع وتقديم الحياة القدوة وحسب.

أما امتشاق الأدوات الأخرى فلا تكون إلا للدفاع عن النفس تجاه من لم تنفعه حروف الحوار، فراح يضرب يمنة ويسرة غير موظف لخطوط الخير التي خلقها الله فيه.

الإشارات اللماحة

وفي خضم هذه العطاءات الفذة في صفحات هذه الأمثولة السردية الخيرة لم ينس الكاتب الإشارات اللماحة الرائعة التي زخرت بها نصوص الإسلام، وذلك دون أن يشعرك بافتعال الموقف السردي أو الخروج عن سلاسة المرور بين السطور، ومن أمثلة ذلك ما جاء في الصفحة (44) من الرواية حين وجه الروائي ذهن القارئ إلى عادة منتشرة بين الناس هذه الأيام، عندما يستمعون لقارئ القرآن فيهتفون عند نهاية كل وصلة تلاوة من القارئ الله.. الله .. في ضجيج غير لائق بالمناسبة، واقرأ معي كيف كانت رشاقة التوجيه إلى هذه القضية ضمن السياق:

«وأخذ الأستاذ مصحفًا وفتحه على سورة المائدة، وعلى الآية الثانية والتسعين وأمر الشيخ صالحًا بالقراءة، فتلا الشيخ صالح صفحة كاملة بصوته العذب، وترتيله الجميل، وكان كلما توقف عن القراءة، هتف الطلاب: الله. فنبه الشيخ تلاميذه إلى أن هذا الذي يفعلونه غير وارد، والأولى بهم أن يستمعوا وينصتوا ويتأملوا ويتفكروا ويخشعوا، فلزم الطلاب الصمت »...

وفي الصفحة نفسها من الرواية تقع إشارة مهمة هي ثقافية وتتعلق بالأخلاق والسيرة الذاتية الملتزمة، وقد تطرق إليها الكاتب باقتدار المتمكن من أدواته أولاً ومن لغته ثانيًا؛ إذ كانت الإشارة محببة متقنة داخلة ضمن السرد بلا صناعة أو افتئات على سياقه في هذه الجزئية من الرواية، ولنقرأها معًا: 

«استوقف الأستاذ تلميذه صالحًا عن  التلاوة ،ثم قال له: سيكون لك شأن يا شيخ صالح فاتق الله ولا تبطر. قال صالح في ثقة لن تبطرني نعمة يا أستاذ، فأنا أعرف نفسي، أنا ولد أعمى، رزقه الله هذا المعهد العظيم، وهيأ له شيوخًا فضلاء، وزملاء نجباء. أنا لن أبطر.

قال غسان: حتى لو صرت وزيرًا كطه حسين؟ أجاب صالح: حتى لو صرت وزيرًا يا أخي، فسوف أبقى أذكر نشأتي الأولى في قريتي الفقيرة وأسرتي المستورة الحال».

 إنه تخلص رائع في هذه المداخلة المحرجة التي أخرجها الكاتب المقتدر من سياق السرد إلى سياق الحوار، وذلك كي لا تأتي مفتعلة، وكأنها داخلة على النص بقصد الإشارة إلى قضية ثقافية أخلاقية، هي تغير طه حسين عن نهجه الأزهري، بعد إذ بهرته زائفات غربية فرنسية وغير فرنسية، مفارقًا لأماني والده بأن يكون نبوغ ابنه الكفيف في بناء متجدد فوق الأساسات الحضارية الإسلامية النصية!

التسابق في الخير بدل الصراع

 وهكذا جاءت هذه المداخلة سهلة سلسة مقبولة، بل معطية للسرد أبعادًا ثقافية وأخلاقية محترمة.

إنها إذن القدرة على استعمال التقنية المناسبة، والاستحواذ الرائع على اللغة.

إنها رواية ناجحة بجدارة بالإضافات الماثلة في إدارة دفة مائتي صفحة من السرد دون استخدام تقنية الصراع، متجاوزًا كل عوامل الوهن التي كان من الممكن أن تستحوذ عليها بسبب نبذ آلية الصراع (الغربية)، بل جعل الرواية كلها قائمة على تقنية التسابق في الخير فهي خير وخير أشد، مقتربًا فيها من كل عناصر النجاح لرواية رائعة مشوقة هادفة ذات توظيف إنساني عال، توازن بين الحراك الخارجي والحراك الداخلي لأحداث الرواية؛ ففيها الصبر ثم الصبر والتسليم، وفيها حراك الخارج بشكل دراماتيكي، من أجل إخراج الداخلي للشيخ صالح، مما كان يحيطه من عناصر مثبطة، وهنا كان صبر الشيخ المتحرك لتغيير أوضاعه مساعدًا عظيمًا على حراك الخارج (من الذين يحيطون به) لإخراجه للناس بالصورة الرائعة التي رسمها كاتب الرواية التي طرحت قضية الخير والحراك به في كل اتجاه، وكأنها هي المحرك الماثل للبناء والنجاح والنهوض بعيدًا عن كل الترهات التي تطرح الآن في مجتمعاتنا مبنية على الصراع والتضاد وإقصاء الآخر، وجعل النتيجة في إنتاج التقدم «صفرية»؛ لأنها تراوح بين الفعل ورد الفعل.

الطريق إلى كربلاء

    برنامج «الطريق إلى كربلاء» الذي عرضته قناة «الرسالة»، وعبر حلقاته الأربع تناول حياة الصحابي الجليل «الحسين بن علي» حفيد النبي صلى الله عليه وسلم حتى استشهاده، وقد قام بإنتاجه جمعية «الآل والأصحاب» البحرينية، وهو فكرة الشيخ حسن الحسيني الذي قام بإعداد المادة العلمية الخاصة بالبرنامج، وشاركه في التقديم الشيخ نبيل العوضي.

ينقسم البرنامج إلى قسمين، الأول: يتناول سيرة الحسين رضي الله عنه. أما الثاني: فيعرض فترة حكم يزيد بن معاوية، ويبين موقف الحسين من توليته، ويروي قصة خروجه من مكة إلى كربلاء، وموقف الصحابة من ذلك، ثم استشهاده.

تم التصوير في مناطق مشابهة لتلك التي شهدت الحدث في الحقيقة، وجمع في تقديم مادته بين الإلقاء المباشر والتمثيل الصامت في الخلفية، وعرض الخرائط، إضافة إلى الإنشاد الذي قام به وائل أبو ريان، بمشاركة محمد العزاوي.

هذا البرنامج استطاع نقل الأحداث التاريخية التي دارت في عهد الخلفاء الراشدين بهدف إزالة التشويه الذي أحدثه البعض في بيان علاقتهم بآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم.

أكد نجيب الخنيزي أن من الملهم التركيز على القواسم المشتركة وعدم التوقف عند الاختلافات الفقهية والروايات المتباينة التي مر عليها أكثر من 1400 عام.

أما د. توفيق السيف فقد اعتبر أن الأعمال الفنية التي تأخذ جانب الإنصاف تساعد على تنمية الشعور المشترك، وفي تخفيف حالات التشنج الموجودة بسبب تصوراتها عما حدث بالتاريخ. 

كما أكد د. عوض القرني أن هذا البرنامج سيضيء الطريق أمام الباحثين عن الحق، وسيعطي إضاءة تمكنهم من مراجعة أنفسهم إذا كانوا على مواقف خاطئة.

الرابط المختصر :