; فرنسة.. وتراجع عن التعريب تزامنًا مع التطبيع الصهيوني | مجلة المجتمع

العنوان فرنسة.. وتراجع عن التعريب تزامنًا مع التطبيع الصهيوني

الكاتب السيد الشامي

تاريخ النشر الثلاثاء 18-مايو-1999

مشاهدات 12

نشر في العدد 1350

نشر في الصفحة 35

الثلاثاء 18-مايو-1999

موريتانيا

على الرغم من النص في الدستور الموريتاني الصادر عام 1991م، على أن اللغة العربية هي لغة البلاد الرسمية، وأن الإسلام أصل التشريع، إلا أن الجمعية الوطنية البرلمان، فاجأت الرأي العام الموريتاني بالمصادقة على مشروع قانون يقضي بالتراجع عن التعريب ويعيد الفرنسية إلى النظام التربوي والتعليمي بقوة، حيث يفرض مشروع القانون الفرنسية ابتداء من السنة الثانية الابتدائية، وسيدرس بها كل المواد العلمية على أن تبقى اللغة العربية إلزامية بصفتها لغة رسمية. القانون آثار ردود فعل غاضبة في الشارع الموريتاني، وفيما تؤكد الحكومة أن القانون ضرورة للانفتاح على اللغات الأجنبية، ومواجهة تحديات العولمة اعتبرت شخصيات إسلامية القانون تنكرًا للمرجعية والهوية الحضارية الإسلامية لموريتانيا.

 صراع الهوية.. خلفية تاريخية

انفردت موريتانيا عن دول شمال وغرب إفريقيا بأن ابناءها قاوموا التعليم الفرنسي، وقد رفض رجال الزوايا التعاون مع فرنسا ثقافيًا، وتمسكوا بنظام التعليم العربي الإسلامي السائد عندهم. والذي اشتهر باسم (المحظرة) أو (الكتاتيب)، وقد عرفت المحظرة في القرن السادس الهجري، وكانت مهمتها ترسيخ الإسلام وأحكامه في نفوس المسلمين الجدد، ومتابعة نشر رسالة الإسلام بين الطوائف والشعوب التي لم تبلغها بعد، وكانت المحظرة بمثابة جهاز تعليمي متكامل يشمل كل لوازم التعليم ابتداء من الطلاب والأساتذة وحتى الكتب.

ونظرًا لهذا الدور لم تكن الثقافة الفرنسية منتشرة حينما دخلت موريتانيا عهد الاستقلال ومن المفارقات أن الثقافة واللغة الفرنسية ازدادتا انتشارًا في عهد الاستقلال، حتى إن الحكومة الموريتانية حينما أرادت أن تعرب التعليم اصطدمت بصعوبات بالغة، ويرجع انتشار اللغة الفرنسية إلى عدد من الأسباب منها أن الذين تلقوا ثقافاتهم في المحظرة لم يكونوا على كفاءة عالية لملء الوظائف الفنية، ومن هنا احتاجت البلاد لملء هذه الوظائف إلى مثقفين بالفرنسية أو مثقفين فرنسيين بالإضافة إلى أن فرنسا كانت سخية مع موريتانيا في معونتها الفنية والثقافية، كما أن موريتانيا في سبيل حاجتها لملء الوظائف الفنية استعانت بكثير من مسلمي السنغال، وقد تحول هؤلاء إلى مواطنين موريتانيين، وهؤلاء كان تكوينهم فرنسيًا، ولا يزال حتى اليوم يشعر الطلاب بأن الدراسة في جامعة داكار أيسر من الجامعات العربية. على أن هذه الأسباب لم تكن لتضعف من إحساس الموريتانيين بانتمائهم العربي والإسلامي بل يرى البعض أن هذا الإحساس أقوى في موريتانيا منه في المغرب، ويعللون ذلك بأن موريتانيا المحاطة بدول إفريقية ترى في العروبة تعبيرًا عن شخصيتها، كما يفسر البعض ذلك بعدم وجود مشكلة بربرية. وقد مرت مشكلة اللغة بعدة محطات، ففي عام ١٩٦٦م وقعت أزمة خطيرة بين أنصار العربية والفرنسية بسبب وجود أقليات لغوية تتكلم لغات زنجية، ولما كانت هذه اللغات غير مستعملة في التعليم لجأت إلى الفرنسية للتعبير عن نفسها في المجال التعليمي والثقافي، ومع أن هذه الجماعات من المسلمين إلا أنها قاومت في ذلك الوقت قرارات قاضية بتعريب التعليم، فشهدت المدارس إضرابات على نطاق واسع واصطدامات بين أنصار التعريب والفرنسية، حيث أدى إدخال اللغة العربية حلقة إجبارية في المدارس الثانوية إلى إثارة العديد من التظاهرات بين التلاميذ السود، الذين خشوا أنهم سوف يكونون مغلوبين على أمرهم بالمقارنة مع الموريتانيين الذين يتحدثون العربية، وزادت هذه المخاوف وتعقدت بقرار من الحكومة صدر في عام ١٩٦٨ م، يجعل اللغة العربية لغة رسمية بجانب الفرنسية، وباتجاه الحكومة البطيء في إعادة توجيه سياستها الخارجية تجاه العالم العربي. وعلى رغم احتفاظ الحكومة بقرار التعريب إلا أنها عملت على امتصاص غضب أنصار الفرنسية واللغات الأخرى، فأعلنت احترامها للغات المحلية ووعدت باستخدام هذه اللغات في مناطقها بوصفها أداة تعليم، وخصصت لكل منها بعض الساعات في إذاعة نواكشوط.

وقد بدأت اللغة العربية اختيارية حين استقلت موريتانيا عن فرنسا عام ١٩٦٠م، واعتبرت رسمية في التعليم عام ١٩٦٦م، وسمح النظام التعليمي للسود باختيار التعليم المفرنس لأبنائهم تحت ضغط الناشطين السياسيين منهم، فبات هناك نظام مفرنس للسود، وآخر معرب للعرب. وجاء دستور عام ۱۹۹١م مكرسًا للتعريب إذ نص على أن العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، ولم ترد فيه إشارة للفرنسية، ومن ثم جاء قرار التراجع عن التعريب وعودة الفرنسية بقوة مفاجئًا للموريتانيين. ویرى كثير من المراقبين أن التعديل الجديد يحمل الكثير من مكامن الخطر؛ لأنه أولًا يفرض اللغة الفرنسية في سن صغيرة، وثانيًا - لأنه يخصص علومًا، ويجعلها حكرًا على اللغة الفرنسية، وثالثًا لأنه سيجعل المهن المطلوبة في سوق العمل مرتبطة بتعلم الفرنسية على حساب العربية، ورابعًا أن القانون يأتي في وقت ترتفع فيه أصوات بالدول العربية مطالبة بتعريب العلوم ومقاومة العولمة.

فهل يعد القانون تراجعًا عن التعريب وتكريسًا للفرنسية استجابة لضغوط غربية، أو يعود إلى فشل السياسات الحكومية في المجالات التربوية والتعليمية؟ هناك وجهتا نظر في هذا الصدد: الأولى ترى أن الحكومة لا تستطيع التراجع عن التعريب لأن الهوية واللغة العربية لهما في موريتانيا عمق أصيل لم ينل منهما الاستعمار، كما أن الدستور نص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية وما حدث ليس تراجعًا عن التعريب والهوية الإسلامية والعربية بقدر ما هو تأهيل لمواجهة العولمة، ومسايرة التقدم العلمي، أما وجهة النظر الثانية فترى أن هناك جهات تسعى إلى طمس هوية موريتانيا العربية وتدعي أنها دولة إفريقية، وفرانكفونية، وتطالب بتدريس اللغات المحلية، ويرى آخرون أن قضية التعريب والفرنسية ما هي إلا أداة من أدوات الصراع السياسي بين الحكومة والمعارضة.

فرنسة وصهينة

 لم تكن معركة الفرنسة والتعريب المشهد الوحيد الذي يثير الجدل على الساحة الموريتانية بل هناك مشهد آخر لا يقل خطورة، وهو تسارع وتيرة التعاون مع الكيان الصهيوني، إذ ترددت أنباء أكدتها قوى المعارضة عن اتفاقات بين البلدين تقضي بدفن نفايات نووية في الصحراء الموريتانية. بالإضافة إلى تعاون عسكري وطبي بين البلدين وقد حظرت إحدى الصحف لمدة ثلاثة شهور لنشرها خبرًا يمس علاقات الحكومة مع إسرائيل في المجال العسكري، ويذكر أن وفدًا طبيًا صهيونيًا زار موريتانيا مؤخرًا، وقام أحد الممرضين بطرد الوفد من أحد المستشفيات الحكومية، وعند التحقيق مع الممرض قال إنه تصرف انطلاقًا من تعاليم القرآن الكريم التي تحرم موالاة اليهود والتعاون معهم..

السيد الشامي

 

الرابط المختصر :