; ففروا إلي الله | مجلة المجتمع

العنوان ففروا إلي الله

الكاتب سلمان بن فهد العودة

تاريخ النشر الجمعة 10-فبراير-2012

مشاهدات 17

نشر في العدد 1988

نشر في الصفحة 42

الجمعة 10-فبراير-2012

الخيار الأفضل للمجتمع أن يمارس عملية التغيير، ويواكب الاحتياجات المتجددة باستمرار وقد ابتكر الإنسان في العديد من الدول الآليات التي من شأنها أن تقيس نبض المجتمع، وترسم الاستجابة الملائمة، وكأن ما يدور في ضمائر الناس ويتردد في أحاديثهم الخاصة ومجالسهم المغلقة بعفوية هو تعبير صادق عما يجب أن يحدث وسيحدث فعًلا يومًا ما !وهذه مهمة مراكز الدراسات والأبحاث القائمة في الدول المتقدمة والمسؤولة عن تقديم النصح والمشورة لأصحاب القرار والتي تضع بدقة الرسوم البيانية والأرقام والإحصائيات حول اهتمامات الناس ورؤاهم وتطلعاتهم وخياراتهم وحاجاتهم لتعكس السياسات هموم الناس، وتتطور تلك السياسات بتطور تلك الهموم، وتقترب أكثر نحو نبض الشارع الذي قد يتنفس كما الصبح إذا تنفس بهدوء طبيعي أو ربما يحس بالاختناق طويًلا مع الوقت والحرمان وغياب مؤسسات العدالة والحقوق، فينفجر في وجه الجميع بشكل لم يتوقعه الذين لا يتابعون نبضه، ولم يستجيبوا لحاجاته وتطورات وضعه الصحي والنفسي والسياسي وهنا يصدق على المشهد قوله تعالى ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (الرعد: 11) توقع كارل ماكس، أن الدول الرأسمالية الكبرى كإنجلترا وألمانيا هي التي ستشهد الثورات لوجود طبقة مسحوقة في مجتمع ثري، ولكن هذا لم يحدث، وحدثت الثورة في مجتمع فقير (روسيا القيصرية، ثم الصين) والسبب سرعة إدراك الحاكمين في أوروبا للخطر المتمثل في تمرد العمال المسحوقين خاصة في ظل تنامي الفكر الشيوعي، ومن ثم منحوا حقوقًا كبيرة للعمال والمسحوقين كالإجازات مدفوعة الأجر، والامتيازات، وفتح الأبواب الحرية التعبير على مصراعيها، وكانت تلك الإجراءات كفيلة بنزع فتيل الثورة المستعر في القلوب والضمائر وغالبًا ما يصعب على الأنظمة الإقدام على تعاط عقلاني مع الواقع والتفاعل مع تطوراته خشية أن تصل الأمور إلى الهاوية وتنظر لذلك بأن الإصلاح هو تراجع، وأن الخطوة الأولى هي الأخطر، وحين تنزل في السلم درجة واحدة لن تجد نفسك في النهاية إلا وأنت مطروح أرضًا.

الخيار الأفضل هو المسارعة صوب مهمة مركزية تتعلق بإجراء إصلاحات جدية وجريئة تنزع صواعق التفجير، وتمنح الناس الأمل بالتغيير.

لا مفر من التذكير بأن المهمة الملحة والمجدية للخروج من الأزمات في عالمنا العربي والإسلامي هي السير قدما نحو الانفتاح على الناس، وتقديم تنازلات جريئة على صعيد حقوق المواطنة والعدالة وسيادة القانون وإعادة صياغة العلاقة على أساس نيل رضا الناس بما تقدمه من ضمانات حول حرياتهم وعيشهم الكريم.

وحينما كتب الجراح بن عبد الله - والي خراسان - إلى عمر بن عبد العزيز : يا أمير المؤمنين إن أهل خراسان ساءت رعيتهم وطباعهم وكثر ضجرهم وأستأذنك في تقويمهم بالسوط والسيف فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك رد عليه عمر ابن عبد العزيز أما بعد: فقد بلغني كتابك تذكر فيه أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فقد كذبت بل يصلحهم العدل والحق فابسط ذلك فيهم والسلام تاريخ دمشق لابن عساكر: ج ۷۲ صفحة ٥٩).

لا بد من القبول بالاختلاف والتنوع كمقدمة لا غنى عنها لصياغة عقد اجتماعي متوازن يوفق بين منازعات بشر تتباين همومهم ومصالحهم، ويضمن للجميع حقوقهم على قدم المساواة في المشاركة والفرص الحياتية دون تمييز، إلا بالكفاءة والإنجاز.

تعاقد بين طرفين يحفهما الرضا ﴿عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ﴾ (النساء: (۲۹)، على الإيفاء بالشروط والالتزامات ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ (المائدة: ۱) بين السياسي والناس لأجل تأمين الحقوق والحريات والأمن.

لن تفلح في إقناع ولدك أو تلميذك أو زوجك أو مرؤوسك أو مواطنك بأن يحترم واجباته ويحقق انتماءه، ما لم تفعل أنت ذلك أولا ولن يكون ذلك إلا بمنحه حقوقه التي تتفق أنت وهو عليها ! من لم يدفع ثمن التغيير، فسوف يدفع ثمن عدم التغيير.

تظل إمكانية إصلاح جدي يعامل الناس باحترام ومصداقية هي الخيار الأفضل متى كان ذلك ممكنًا، وثم تجارب عالمية صنعت ذلك، ففي بلد مثل كندا، وصل الناس إلى نظام ديمقراطي دون ثورات أو حروب.

فالنظر المقاصدي وفقه المآلات ينظر إلى المقصد الكلي الأسمى في حفظ الحقوق والحريات، ومراعاة العدالة، ومكافحة الفساد وتبني هموم الإصلاح فإذا تم ذلك بأقل الطرق كلفة وأقربها وأقلها خسارة، فهو أقرب إلى نفس الشريعة وروحها ومبادئها العامة إن السنة الإلهية تمضي دون استثناءات ولكنها طيعة لأولئك الذين يعرفونها ويقرؤونها، ثم يغالبونها ويفرون منها إلى سنة أخرى على القاعدة العمرية العظيمة نفر من قدر الله إلى قدر الله  والظن أن عمر أخذ هذا المعنى اللطيف من قوله تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ﴾ (الذاريات: (٥٠). وقوله تعالى: ﴿وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ﴾ (التوبة: ١١٨) إن النظر بجدية إلى هذا المعنى هو العصمة - بإذن الله - من الأخطار والمفاجآت التي لا يعرف الكثيرون نهاياتها وعواقبها .

الهوامش:

(*) رئيس مؤسسة الإسلام اليوم.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

المجتمع المحلي (237)

نشر في العدد 237

17

الثلاثاء 18-فبراير-1975

المجتمع المحلي العدد 1724

نشر في العدد 1651

12

السبت 14-مايو-2005