; الانتخابات البلدية.. المنظمة ترفضها وحماس لا تعارضها | مجلة المجتمع

العنوان الانتخابات البلدية.. المنظمة ترفضها وحماس لا تعارضها

الكاتب مراسلو المجتمع

تاريخ النشر الأحد 17-مايو-1992

مشاهدات 71

نشر في العدد 1001

نشر في الصفحة 28

الأحد 17-مايو-1992

عمان- مراسل المجتمع

بعد عشر سنوات من إلغاء سلطات الاحتلال الصهيونية لانتخابات المجالس البلدية في الأراضي الفلسطينية المحتلة أعيد مجددًا طرح الموضوع، بعد أن أعلن موشيه أرينز وزير دفاع العدو الصهيوني في 1992/4/14 تأييد سلطات الاحتلال لإجراء انتخابات لتشكيل المجالس البلدية في الأراضي المحتلة وقد أثار طرح الموضوع جدلًا واسعًا بين مختلف الأطراف على الساحة الفلسطينية، والتي انقسمت في مواقفها بين موافق لإجراء تلك الانتخابات، ومعارض مشكك في نوايا سلطات الاحتلال من طرحها في الوقت الراهن، ومحايد ينتظر ما تنجلي عنه التطورات.

وكانت السلطات الصهيونية قد أعلنت عام 1981 عن حل جميع المجالس البلدية المنتخبة بحجة أنها كانت خاضعة لسيطرة منظمة التحرير، ومنذ ذلك الوقت كانت سلطات الاحتلال تقوم بتعيين لجان محلية ترتبط بالإدارة المدنية الصهيونية لتصريف أمور المجالس البلدية، ورفضت جميع دعوات المطالبة بإجراء انتخابات بلدية، الأمر الذي أثار الشكوك حول سلطات الاحتلال من الموافقة الحالية على إجرائها.

* العدو يخلط الأوراق ويضع السم بالدسم بطرحه انتخابات المجالس البلدية.

مواقف الأطراف المختلفة

1- موقف العدو الصهيوني

طرح وفد العدو الصهيوني لمحادثات السلام موضوع انتخابات المجالس البلدية في جولة المفاوضات الأخيرة التي انعقدت في واشنطن حيث تقدم بمشروع لإجراء انتخابات بلدية للمجالس المحلية في الأراضي المحتلة واعتبر أن مثل هذه الانتخابات يمكن أن يساهم في تحسين المناخ بما يخدم العملية السلمية، ويمكن تلخيص الأسباب التي ربما دفعت الكيان الصهيوني إلى الإقدام على مثل هذه الخطوة في النقاط التالية:

أولًا: التأثير على مسار المفاوضات:

فقد تقدم وفد «م. ت. ف» إلى محادثات السلام في الجولة قبل الأخيرة من المفاوضات الثنائية المباشرة بمشروع حكم ذاتي انتقالي، يتضمن اقتراحًا بانتخاب مجلس تشريعي مؤلف من 180 عضوًا، لتولي الإدارة المؤقتة للمناطق المحتلة خلال فترة انتقالية، ولكن الكيان الصهيوني أعلن رفضه لهذا الاقتراح، وهو بطرحه لمشروع الانتخابات البلدية يقطع الطريق أمام اقتراح وفد «م. ت. ف» ويرمي الكرة في نصف ملعبه، ويشغله بمسألة الانتخابات عن القضايا الأخرى وفي مقدمتها وقف الاستيطان بهدف إطالة أمد المفاوضات لأكبر وقت ممكن.

ثانيًا: شق الصف الفلسطيني:

فالكيان الصهيوني يعلم أن المواقف الفلسطينية تجاه إجراء الانتخابات البلدية متفاوتة بشكل كبير وخاصة بين حركة حماس التي لا تعارض إجراء انتخابات بلدية وبين «م. ت. ف» التي تخشى أن تؤثر الانتخابات البلدية على مسار المفاوضات بشكل لا يتماشى مع مصالحها وربما سعى العدو الصهيوني من خلال مشروع الانتخابات إلى زرع بذور الفتنة والشقاق بين الأطراف الفلسطينية المختلفة.

ثالثًا: تجاوز دور منظمة التحرير:

فقد صرح نائب الوزير «الإسرائيلي» المكلف بشؤون الإعلام بنيامين نتنياهو بأن من شأن الانتخابات أن تفصل سكان الأراضي المحتلة عن «م. ت. ف» ولذلك فإن المنظمة تخشاها وتعارضها، إذ إن مثل هذه الانتخابات سيعيد النظر فيما تدعيه من أنها الممثل الوحيد للفلسطينيين.

2- موقف منظمة التحرير الفلسطينية:

رغم الخلافات السياسية بين فصائل «م. ت. ف» تجاه التسوية السياسية، إلا أن هناك شبه إجماع بين تلك الفصائل على رفض فكرة الانتخابات، وتقول منظمة التحرير: إنها لا تعارض الانتخابات البلدية من حيث المبدأ، وإنما تعارض توقيت إعلان موافقة سلطات الاحتلال والتي تعتقد أنها جاءت في هذه الفترة بهدف تدمير العملية السلمية من خلال إفشال مشروع انتخابات المجلس التشريعي المقترح في الأراضي المحتلة وفرض الحكم الذاتي من جانب واحد.

ويبدو أن معارضة «م. ت. ف» لإجراء الانتخابات البلدية في الوقت الحاضر تنطلق من نقطتين أساسيتين:

1- خوفها من أن يؤدي ذلك إلى إجهاض مسار المفاوضات والتأثير عليها.

2- خشيتها من أن تسيطر حركة المقاومة الإسلامية «حماس» على كثير من المجالس البلدية في حال إجراء تلك الانتخابات، خصوصًا بعد أن أظهرت الانتخابات التي جرت مؤخرًا في عدد من المواقع الفلسطينية انحسار تأييد القطاعات الشعبية لـ«م. ت. ف» بعد مشاركتها في مفاوضات السلام وفشلها في تحقيق أية نتائج إيجابية حتى الآن، فقد فازت حركة حماس خلال الأيام القليلة الماضية بمعظم الانتخابات التي جرت مؤخرًا، حيث حصلت في انتخابات غرفة تجارة رام الله التي تعد من أقوى معاقل «م. ت. ف» بعشرة مقاعد من أصل أحد عشر وفازت بخمسة مقاعد من أصل سبعة في جمعية مستشفى المقاصد في القدس، والتي كانت تسيطر عليها قوى «م. ت. ف»، كما فازت مؤخرًا بالمقاعد العشرة كاملة في انتخابات مجلس الطلبة في معهد معلمي وكالة الغوث في رام الله.

وقد دأبت «م. ت. ف» على القول إن هذه النتائج التي تحققها حماس لا تعبر عن توجهات الشارع الفلسطيني ورأيه في مشاركة وفدها في المفاوضات، لأنها انتخابات مهنية ونقابية لا تمثل إلا شرائح محدودة من الشعب الفلسطيني، ولكن هذا التبرير سيكون متعذرًا عليها في حال فوز حماس في انتخابات بلدية تمثل قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، وتجدر الإشارة إلى أن الاستفتاءات من قبل المؤسسات المحسوبة على «م. ت. ف» قد أظهرت المعارضة الشديدة على المستوى الشعبي للمشاركة في مسيرة التسوية السلمية.

3- موقف حماس:

تشير جميع المؤشرات إلى أن حركة حماس التي لم تعلن بعد موقفها الرسمي حيال الفكرة المطروحة، لا تعارض إجراء انتخابات للمجالس البلدية، فهي قد أعلنت مرارًا معارضتها لأية مجالس معينة وأصرت على أن تكون الانتخابات هي الطريقة الوحيدة لتشكيل تلك المجالس، وقد أظهرت تصريحات مؤيدي الحركة مؤخرًا عدم معارضة حماس لإجراء انتخابات بلدية غير معينة بهدف رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني الذي يعاني من غياب الخدمات، وترى حماس في هذا المجال أنها غير معنية أو ملزمة بمراعاة مدى تأثير مثل هذه الانتخابات على مسار المفاوضات الحالية، لأنها تعارضها من حيث المبدأ، ولا تعترف بتمثيل المفاوضين الفلسطينيين للشعب الفلسطيني، ولذلك فإن المبررات التي تجعل المنظمة تعارض إجراء تلك الانتخابات غير موجودة لدى حركة حماس التي تعارض المسيرة السلمية وتسعى إلى إفشالها.

ويقول مؤيدو حركة حماس إن موقف منظمة التحرير من الانتخابات البلدية هو موقف انتهازي وغير مبرر للأسباب التالية:

أولًا: لقد شاركت منظمة التحرير في انتخابات للمجالس البلدية عام 1976 بحجة إيصال مؤيديها إلى منابر سياسية جيدة، وقد فاز مؤيدوها في حينه بمعظم تلك المجالس لذلك فليس مفهومًا معارضتها اليوم لإجراء تلك الانتخابات وسعيها إلى منعها بكافة الوسائل.

ثانيًا: لقد استخدمت قيادة المنظمة شعار رفع المعاناة والتخفيف عن الشعب الفلسطيني كمبرر للمشاركة في عملية التسوية السياسية مع ما في ذلك من أخطار على مستقبل القضية الفلسطينية، وهي اليوم تعارض إجراء انتخابات بلدية الهدف منها تسيير أمور الناس والقيام على مصالحها وحاجاتهم وتحسين أوضاعهم حيث إن قانون البلديات ينص على أن مهامها متعلقة بأمور الخدمات كالمدارس والشوارع والإنارة والمجاري والأبنية والخدمات العامة، وهي مهام ليس لها علاقة بالأمور السياسية من قريب أو بعيد، ولذلك يصبح موقف المنظمة غير مبرر بل ومتناقض في تعاملها مع القضايا المختلفة.

ثالثًا: لقد وافقت قيادة المنظمة قبل أشهر قليلة على مساعي سلطات الاحتلال لتعيين مجالس بلدية غير منتخبة في كل من غزة ونابلس، بل إن فايز أبو رحمة نقيب المحامين في غزة وهو الفتحاوي المخضرم ومرشح الكتلة الوطنية التي تمثل منظمة التحرير قد سعى بكل قوته لتولي رئاسة مجلس بلدي غزة الذي اقترحته سلطات الاحتلال وأكد مرارًا أن لديه موافقة خطية من ياسر عرفات لتعيين أعضاء مجلس بلدي في غزة وموقف المنظمة في موافقتها على مجالس معينة من قبل سلطات الاحتلال ومعارضتها لمجالس بلدية منتخبة من قبل الشعب الفلسطيني يلقي بظلال الشك على حقيقة مواقفها!

رابعًا: لقد عارضت «م. ت. ف» العام الماضي فكرة إجراء انتخابات للغرف التجارية في الأراضي المحتلة والقطاع لنفس المبررات التي تطرحها الآن ولكنها عادت وشاركت بكامل فصائله في تلك الانتخابات التي أثبتت فيها حماس حضورًا كبيرًا، الأمر الذي يؤكد أن مواقف المنظمة انتهازية ولا تنطلق من مواقف مبدئية.

لقد كنا نأمل أن يستيقظ المخدوعون بإمكانية تحقيق المصالح الوطنية الفلسطينية عن طريق الحلول السلمية من غفوتهم ولكن يبدو أن الطريق الذي بدأوه باختيارهم قد أصبح من المتعذر عليهم اليوم الخروج منه بعد أن دخلوا النفق المظلم، ولذلك فهم يحاولون رهن مصالح الشعب الفلسطيني ومصيره بمصالحهم وأهوائهم.

إن الشعب الفلسطيني سيبقى هو صاحب الحق في تحديد ما ينسجم مع مصالحه وآماله ولن يقبل أن يكون أحد- أيًّا كان- وصيًّا على قراره وطموحاته.

الرابط المختصر :