; فلسطين قضية أمة، وليست قضية فرد دولارات کیسنجر.. لن تدفن القضية | مجلة المجتمع

العنوان فلسطين قضية أمة، وليست قضية فرد دولارات کیسنجر.. لن تدفن القضية

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 07-مايو-1974

مشاهدات 45

نشر في العدد 199

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 07-مايو-1974

٣٠ ألف دولار للمولود في فلسطين و١٥ ألف دولار لمن ولد خارجها، وبهذا الزعم يستطيع- الرحالة الأسطوري- كيسنجر أن ينهي قضية اللاجئين الفلسطينيين.

هؤلاء الساسة الأوربيون منهم والشرقيون استطاعوا بدهاء وذكاء أن يسايروا العرب عبر الزمن، فيقنعوهم اليوم بما لم يستطيعوا بالأمس حتى إذا جاء الغد رضي العرب بما عرض عليهم بالأمس واعتبروه مطلبهم الوحيد، فإذا بهم يفاجئون بأنه أصبح مطلبًا عسير المنال.. وتكون مفاوضات وحروب وتفاهم، فإذا بالعرب ينزلون درجة ويرضون بما وعدوا به.. ولكنهم لا يحصلون عليه، وهكذا دواليك..

والمتتبع لقضية فلسطين يجد أنها عبر الزمن سارت هذا المسار التدريجي المنحدر.. فقد بدأت في أوائل هذا القرن قضية رفض للسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، يوم أن كان كل من فيها عربًا.. وجاهد الفلسطينيون من أجل ذلك.. وغلبوا على أمرهم وتدفقت الهجرة اليهودية وساندتها الدولة المستعمرة انجلترا.. وتراجع الفلسطينيون خطوة فبدءوا في الكفاح ضد بيع اليهود الأرض أو منحهم إياها من قبل السلطة المستعمرة ثم كافحوا على حقوق أفضل للأغلبية الساحقة من العرب.. ثم رفضوا التقسيم وقاتلوا لإبطاله.. ودخل العرب كلهم بعد ذلك في حلبة الصراع.. وتحولت المشكلة من كفاح داخل الأرض إلى كفاح من خارجها.

والعرب- أو بعضهم- بدءوها مطالبة بفلسطين كجزء من الأمة العربية، اغتصب ظلمًا وعدوانًا ثم انتهوا إلى أن الوجود الإسرائيلي حقيقة واقعة لابد من الإعتراف بها، وأن القضية قضية اللاجئين الفلسطينيين المشردين بلا مأوى ولا عيش رغيد ولا وطن ينتسبون إليه.. وقد أقنعواأنفسهم بأن هذا واقع يستحيل تجاهله فالعالم كله يرى أن إسرائيل حقيقة واقعة!! 

 

 

فالقضية إذن قضية البحث عن تسوية.. تسوية تتفق مع هذا الواقع وتوجد مخرجًا للفلسطينيين المشردين.. مخرجًا لحياة الجوع والمرض وآخر لحياة التشرد والضياع وما دامت القضية أصبحت بهذا الوضع فلتتدخل أمم الأرض لتسوية ما بين العرب واليهود من نزاع...

وليوقفوا اليهود عند حدود دولة مسالمة تعيش في قلب أمة العرب.. وليعترف العرب بذلك، ولتسوى مسألة الفلسطينيين، لكن الفلسطينيين الآن لهم كيان ولهم منظمات فدائية.. ولهم أعمال تزعج دولة الصهاينة المدعاة.. ولهم تحركات سياسية في العالم العربي.. بل في العالم كله.. وهذا يستدعي وجود دولة لهم.. وهذه الدولة تحتاج إلى أرض تقوم عليها.. فكيف توجد هذه الأرض لتنتهي الأزمة؟

تطلع الوسطاء إلى غزة وإلى الضفة الغربية وفكروا في جعلهما أرضًا لدولة فلسطين.. برزت مشكلة أخرى أن هناك مئات الآلاف من الفلسطينيين أرضهم ليست في غزة وليست في الضفة الغربية.. إنها جزء من الدولة اليهودية المزعومة.. فماذا نصنع لهم؟ هل نعيدهم إلى هذه الأرض؟؟ إذا عادوا لا يبقى للصهاينة شيء، إذن فليس أمامهم إلا فكرة إغراء هؤلاء الناس بالأموال الوفيرة للتنازل عن حقهم في هذه الأرض وإعطائها للصهاينة في طواعية ورضى، وهكذا برزت إلى الوجود فكرة تعويض اللاجئين عن ممتلكاتهم.. وهي فكرة قديمة جديدة، فكل الفلسطينيين يذكرون مسألة التعويض والإغراء بالمال من يوم أن نزحوا عن أرضهم إلى يومنا هذا.

إن العودة إلى جذور القضية الفلسطينية شيء مهم جدًا كلما أراد إنسان بحث فروع هذه القضية وما نتج عنها. هذه القضية في نظر المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي ليست قضية لاجئين ولا هي قضية فدائيين ولا هي قضية توطين يهود وإيجاد وطن قومي لهم، إنها أوسع من ذلك وأشمل وهي أعمق من هذه النظرات وأهم.

 

 

إن هذين المعسكرين يعرفان تمام المعرفة القوة الكامنة في هذه الأمة العريقة، وإن هذه القوة إذا أتيحت لها فرصة الظهور يومًا من الأيام فستكون خطرًا على المعسكرين معًا كما كانت قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان خطرًا على المعسكرين نفسيهما ممثلين في إمبراطوريتي الفرس والروم.

لذلك فإن مراكز القوى في هذا العالم تعمل جاهدة على إبقاء أمتنا في ضعف مستمر ووجود اليهود في قلبها لن يتيح لها فرصة العودة إلى قوتها السابقة، لذلك فإن أي رضا ببقاء هؤلاء اليهود في أرضنا- في فلسطين أو في غير فلسطين- إنما هو خيانة مفضوحة لتاريخ هذه الأمة وعقيدتها.

 إن القوى العالمية التي تحاول تضييق النظرة إلى قضية الوجود الصهيوني في بلاد العرب وحصرها في قضية لاجئين يمكن تعويضهم أو توطينهم أو تذويبهم أو تهجيرهم يجب أن نظل على حذر منها.. وأن نصر على كشف كل مؤامرة تستهدف التصفية بأي شكل من الأشكال.

 ولا بد من التذكير والتأكيد دائمًا بأن فلسطين جزء من بلاد العرب يمتلكها جزء من الشعب العربي ولا يمكن أن نقبل بأي اعتبار آخر، هذا إذا لم نتوسع فنقول إن فلسطين جزء من أرض المسلمين يمتلكها جزء من الشعب المسلم.

إن الإعلان عن دفع هذه المبالغ الطائلة تعويضًا للأفراد الفلسطينيين عن أرضهم، إنما هو استغلال دنيء لحاجة الفلسطيني المشرد وتحسس منحرف لما يعانيه من فقر ومرض. 

إن كل فلسطيني مؤمن يشعر بأن كرامته تمتهن وإنسانيته تضطهد، حين يعرض عليه بيع بلاده لعدوه بأموال الأرض كلها.

والفلسطينيون ليسوا أقل شهامة من السلطان المسلم عبد الحميد حين قال لهرتزل: «انصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع، فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض، فهى ليست 

 

ملك يميني، بل ملك شعبي.. لقد ناضل شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم الخ»

ولنقل نحن أن الأرض في فلسطين ليست ملك أفراد.. ولكنها ملك الأمة كلها.. وإذا قصر الفلسطينيون- لاسمح الله- في حق فلسطين، فلن يعفى ذلك العرب من المسؤولية وإذا قصر العرب- لاسمح الله- فلن يعفى ذلك المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

إنها إذن قضية وطن للأمة ضاعت وليست قضية فرد يمتلك قطعة أرض هنا أو هناك.

 فليحذر الذين يرضون بالتخطيط لهلاك هذه الأمة ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ

الرابط المختصر :