العنوان في أفريقيا الحكاية ذاتها
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 24-أغسطس-1982
مشاهدات 18
نشر في العدد 584
نشر في الصفحة 34
الثلاثاء 24-أغسطس-1982
سياد بري الذي حارب شعبه.. يبدي رغبته في السلام مع أثيوبيا.
- جبهة تحرير إرتيريا: أثيوبيا تعد لتصفية الثورة الإرتيرية.
- هل بدأ العد التنازلي للنظام الصومالي الذي انتهت مهمته؟
- الثوار الإريتريون.. هل يسمع العرب استغاثتهم؟
- محمد سياد بري.. نسخة أخرى للزعيم العربي الطاغية.
«فرق تسد»، السياسة التي كان يتبعها الاستعمار البريطاني القديم، مازالت رائجة في سوق الاستعمار الحديث، ويمكن للمراقب أن يلحظها في أماكن كثيرة من العالم في مظاهر وأساليب أخرى، لكنها في حقيقتها ذات هدف واحد، ومحتوى واحد.
وأفريقيا التي استقرت فترة من الزمن ونجحت في تجميع نفسها في «منظمة الوحدة الأفريقية»، لم ترض الاستعمار الطامع في خيراتها، الاستعمار الذي تقلقه الوحدة ويؤرقه التضامن، ولا يجد منفذًا له إلا بإثارة القلاقل بين الجيران، وإشعال الحروب بين الأقطار الأفريقية.
ولعل الحرب التي تشنها أثيوبيا اليوم على كل من الصومال، وإرتيريا، والحرب التي تشنها جنوب أفريقيا على أنغولا، مثلان واضحان على ذلك.
وقبل أن نلقي إضاءاتنا على هذه الحروب والهدف من إثارتها، نعرض لسير الأحداث كما نقلتها وكالات الأنباء.
- أثيوبيا والصومال
في الصومال، أعلن الرئيس الصومالي محمد سياد بري عن استعداد بلاده لبدء محادثات مع أثيوبيا لإنهاء النزاع بينهما حول إقليم أوغادين.
وقال في خطاب له أمام مجلس الشعب الصومالي ونقله راديو مقاديشو: إن الصومال ترى دائمًا أن المسألة يجب أن تحل سلميًا، وهي مستعدة دائمًا، وفي أي وقت للبدء في حوار مع أديس أبابا للوصول إلى اتفاق مبني على أساس من الثقة!
وأضاف بري أن الحل يعتمد على مدى رغبة أثيوبيا في إعطاء شعب أوغادين الحق في تقرير مصيره، وأكد أن الجيش الصومالي سيستمر في قتال الجيش الأثيوبي للدفاع عن الأراضي الصومالية.
وأعلن الصومال أن قواته قتلت نحو 500 جندي أثيوبي خلال القتال الذي جرى يوم 10/8/82 في منطقة بالامبالي في وسط الصومال، وقال راديو مقاديشو إن القوات الصومالية التي صدت هجومًا أثيوبيا فقدت 30 قتيلًا و60 جريحًا.
كما أعلن الثوار الصوماليون الذين يقاتلون من أجل استقلال إقليم «أوغادين» أنهم قتلوا حوالي 600 جندي أثيوبي في عمليات كر وفر وقعت خلال شهري يونيو ويوليو الماضيين، وقال متحدث باسم جبهة تحرير الصومال الغربي أن 584 أثيوبيًا قتلوا في كمائن داخل أثيوبيا من بينها قاعدة جيجيجا للدبابات، وأن كميات كبيرة من الأسلحة والعربات الحربية قد دمرت.
- أثيوبيا وإرتيريا
في الكويت، حذر بيان صادر عن مكتب جبهة التحرير الإرتيرية من أن أثيوبيا تعد لحملة عسكرية شاملة تهدف إلى تصفية الثورة الإرتيرية منتهزة انشغال الرأي العام العالمي بالحرب الغادرة التي تشنها إسرائيل بمساعدة واشنطن ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني منذ ما يزيد على الشهرين.
وطالب البيان الرأي العام العالمي على إيقاف المجزرة التي يعد لها النظام الأثيوبي خشية أن تتكرر مأساة لبنان في إرتيريا.
وأكد أن الثورة الإرتيرية قادرة على مواجهة المخطط الأثيوبي وإفشاله رغم عدم التكافؤ في كافة المجالات إذا ما لقيت مساندة من الأشقاء العرب، وأشار البيان إلى أن وفودًا من الثورة الإرتيرية قامت وتقوم بزيارات إلى الدول الشقيقة والصديقة تهدف إلى اطلاع المسئولين في تلك الدول على آخر التطورات التي تمر بها الثورة.
- جنوب أفريقيا وأنغولا
تصدى ثوار نامبيا لقوات الغزو العنصري في جنوب أفريقيا، وأعلنوا أنهم قتلوا 30 جنديًا ودمرو طائرة هليوكوبتر في معارك ضارية وقعت في كل أنحاء منطقة العمليات في نامبيا.
وقالت المنظمة «سوابر» إن قواتها دمرت خمس طائرات أخرى وأصابت مستودعًا للذخيرة.
وفي جوهانسبرغ أكد القائد العام لقوات جنوب أفريقيا في نامبيا أن قواته توغلت في عمق أنغولا خلال شهري يوليو وأغسطس لإزالة قواعد حركة سوابو.
وأشار القائد العام الجنرال إلى أن استمرار الغارات لا يشكل غزوًا لأنغولا، وأن قوات جنوب أفريقيا ستنسحب سريعًا وعلى الفور إلى الحدود في حالة توصل إلى وقف إطلاق النار.
وأوضح أن هذه السلسلة من العمليات أسفرت عن أكثر من ثلاثمائة قتيل من الثوار التابعين لسوابو، وأضاف أنه تم تدمير أطنان من الأسلحة والذخيرة والمعدات، والاستيلاء على ثلاثة لوريات قاذفة صواريخ.
- الحرب على الشعب والسلم مع العدو
هذا جانب مما تناقلته وكالات الأنباء عن الحروب الثلاثة التي اخترناها كأمثلة، على الرغم من أن النزاعات الأفريقية أكثر من هذه الثلاثة كالنزاع في تشاد، وفي الصحراء المتنازع عليها بين البولساريو والمغرب، وغيرهما كثير.
ولنبدأ النظر في كلام الرئيس الصومالي محمد سياد بري الذي قال: إنه يرى دائمًا أن المسألة يجب أن تحل سلميًا، وأن الصومال مستعدة دائمًا، وفي أي وقت للبدأ في حوار مع أديس أبابا للوصول إلى اتفاق!
لو تأملنا قليلًا في كلام الرئيس الصومالي، فستجد نموذجًا آخر لبعض الزعماء العرب الذين يعلنون الحرب على شعوبهم ولا يجدون أسلوبًا للتعامل معها غير أسلوب القتل والفتك، لكنهم في الوقت نفسه، يرون أن الحرب مع أعداء الأمة يجب أن تحل سلميًا، وأنهم مستعدون لعقد الاتفاق.
فالرئيس الصومالي الذي يبدي استعداده للسلام مع أثيوبيا هو نفسه الذي علق علماء الصومال على أعواد المشانق ولاحق أفراد الحركة الإسلامية في الصومال وأودعهم السجون، ومنع الحجاب الإسلامي، ومكن الشيوعية ذات يوم، ثم مكن لأمريكا في يوم آخر.
وإذا كان بري يقول إن جيشه سيستمر في القتال فإنه يضيف: «للدفاع عن الأراضي الصومالية»، وليس لتحرير إقليم أوغادين. ثم إن الذين يقاتلون حقيقة هم ثوار أوغادين الصوماليون كما جاء في نهاية الخبر، وليسوا جنوده الرسميين.
بل إن المعارضة الصومالية هي التي تعلن أنها تقاتل ضد نظام سياد بري، وتنطلق من الأراضي الأثيوبية، فقد أكد ما يسمى راديو الجبهة الديمقراطية للخلاص الصومالي «راديو كومليس» الذي يبث برامجه من أثيوبيا أن الاشتباكات على الحدود بين الصومال وأثيوبيا دخلت مرحلة «نهائية حاسمة».
وقد تكون هذه المعارك -كما وصفتها وكالات الأنباء- من أدمى المعارك التي اندلعت منذ بدء هذه الحرب الجديدة في القرن الأفريقي.
ويذكر أن مقديشو تعتقد أن أثيوبيا شنت هذا العدوان بمساندة حلف وارسو، وقد نفت أثيوبيا عدة مرات اشتراكها في المعارك، وزعمت أنها دائرة بين القوات الحكومية الصومالية وبين حركات المعارضة لنظام الرئيس سياد بري.
- العرب لاهون عنكم
وننتقل إلى حرب إرتيريا وأثيوبيا، ونقف عند البيان الذي أصدره مكتب جبهة التحرير الإرتيرية في الكويت، وحذر فيه من أن أثيوبيا تعد لتصفية الثورة الإرتيرية التي مضى عليها أكثر من عشرين عامًا دون أن تنجح في تحقيق أهدافها في الاستقلال عن أثيوبيا.
لقد أشار البيان صراحة إلى أن أثيوبيا تريد أن تنتهز فرصة انشغال الرأي العام العالمي بحرب العدو في لبنان لتحقيق هدفها هذا، ونحن لا نريد أن ننفي نية أثيوبيا بالعدوان على إرتيريا والعمل على تصفية الثورة الإرتيرية منذ انطلاقتها الأولى، لكننا نريد أن نقول لا تأملوا من عرب اليوم شيئًا، فسواء شغل الرأي العام العالمي بلبنان أم لم يشغل فإن العرب لاهون عنكم، وهل هناك أقرب من لبنان مثلًا: قامت الدنيا ولم تقعد لغزو العدو لها ولم يقم العرب من مقاعدهم حتى لعقد قمة يذرون بها الرماد على العيون، فكيف يرجو الإرتيريون تأييد العرب أو مناصرتهم لهم؟!
- الحكاية ذاتها... لا تتغير
ونصل أخيرًا إلى حرب العنصريين في جنوب أفريقيا وغزوهم لأنغولا، ولنتأمل فيه لنرى كيف أنه يشبه غزو العدو للبنان، فالقائد العام لقوات جنوب أفريقيا في نامبيا يؤكد أن قواته توغلت في عمق أنغولا لإزالة قواعد حركة «سوابو»، إلا أنه يشير إلى أن استمرار الغارات لا يشكل غزوًا لأنغولا وأن قوات جنوب أفريقيا ستنسحب سريعًا وعلى الفور إلى الحدود في حالة توصل إلى وقف إطلاق النار.
ما أشبه هذا بما ردده شارون في بداية غزو لبنان من أن قوات العدو لا تريد غزو لبنان وإنما تريد تصفية قواعد الفدائيين الفلسطينيين فحسب!
الاستعمار قصته وأهدافه واحدة، والطغاة حكايتهم لا تتغير، وإذا كان علاج هذا كله لا يتم إلا بالوحدة فإن الوحدة لا تتم إلا بالإسلام، ولقد حاول العرب كثيرًا أن يتحدوا.. فما اتحدوا على مر التاريخ وحتى اليوم، إلا تحت راية الإسلام سواء في ظل الخلافة الراشدة وما تلاها، أو في ظل صلاح الدين الأيوبي، أو في ظل العثمانيين.
فهل يكون اليوم الذي يتحد فيه المسلمون قريبًا، لا ليحموا بلادهم وأهليهم فقط ولكن ليكونوا أنصارًا للحق في كل مكان يتعرض فيه الناس لظلم الطغاة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل