; في «القلب» يبدأ التغيير الحقيقي | مجلة المجتمع

العنوان في «القلب» يبدأ التغيير الحقيقي

الكاتب عبد العزيز سعيد

تاريخ النشر الثلاثاء 25-أبريل-1972

مشاهدات 14

نشر في العدد 97

نشر في الصفحة 18

الثلاثاء 25-أبريل-1972

في «القلب» يبدأ التغيير الحقيقي.. وهذه هي القضية الأولى.. والأهم

الانحرافات الأخرى أعراض لمرض «القلب» ونصيبها-في الجهد- يأتي في المرتبة الثانية

ما زلت أتتبع كتــــــاباتكم الجريئة التي تتصدى إلى ظواهر التحلل المختلفة تلك التي تجتاح جسم المجتمع وتعيث في بنائه وتمسخ مظهره الحضاري الأصيل، وإنها لوقفة باسلة تضاف إلى حلقات التصدي والصمود التاريخية التي تقفها أمتنا لتتحدى الغزو الثقافي القادم من الغرب وتمنعه من فرض حضارته المريضة واستيعاب المنطقة لنفوذها الشره.

ولقد أوحى لي هذا الجهد الذي تبذلونه للدفاع عن شخصية المنطقة وحضارتها الإسلامية العزيزة أن أفكر في حصيلة الكفاح المخلص الذي بذله الكثيرون خلال الحملة المستمرة التي يشنها الغزو الثقافي الصليبي الحديث على منطقتنا الحبيبة، لقد ذهبت تلك الجهود الكريمة سدى وبددتها العاصفة العارمة.

عندها فقد شعرت بما يشبه اليأس، كيف نقوى بإمكاناتنا المتعبة أن نواجه هذا الفساد في كل جزئية من جزئيات الحياة؟ علمًا بأنه فساد مدعوم بإمكانات عظيمة ويعمل في مجالات يجد منها الاستجابة السريعة لأنه يستغل غرائز الناس ويستغل كذلك حاجاتهم.

هل نستطيع أن ننازله في كل قضية صغيرة وكبيرة وأن نهزمه فيها جميعًا؟

هل نحارب الاختلاط والخمر والفاحشة وجميع انحرافات الأفراد والمجتمع في التفكير والسلوك وننتصر عليها جميعًا حتى نتمكن من خلق الفرد الصالح والمجتمع الصالح؟

لا أعتقد أن المنهج الذي نسير عليه سيصل بنا إلى هذه النتيجة.

وأعتقد أن مثل هذه الظواهر التي تتصدون لها تستحق الحرب إذا ظهرت في مجتمع مثالي مستهدفة تخريبه، في هذه الحالة يجب ردعها بنحو ما تحاولون، لكن حينما يصبح مظهرًا طاغيًا يتقبله المجتمع فإنها تكون ظواهر طبيعية لمجتمع مثقل بالمعوقات الخطيرة وانعكاسات تلقائية للعقيدة الزائغة التي تتحكم في سلوكه وللظلام الذي يلف الأفئدة والعقول.

ولا يمكن في هذه الحالة أن نصلح المجتمع بمطاردة هذه الانعكاسات. والدخول في ملايين المعارك الجزئية الصغيرة مثل معركة الاختلاط أو الخمر أو الملابس الفاضحة أو تفشي الموضات «الخنفسية». إلخ

وقد قطع –الرسول صلى الله عليه وسلم– في هذا الأمر.

وأنا لست من الذين يعتقدون أن البرنامج التفصيلي للعمل الإسلامي جاء منزلًا من القرآن بالصورة التي يرونها - لكني أعتقد أن الفلسفة العامة للعمل الإسلامي والمبادئ الأخلاقية التي توجهه من الطبيعي أن تكون قد نزلت مع الوحي لأنها جزء من العقيدة، وقد حدث الرسول–صلى الله عليه وسلم–: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».

من هذا التوجيه ندرك أن المعركة الرئيسية الفاصلة التي ينبغي أن نركز عليها جهودنا هي «القلب» فإذا صلح القلب صلح الجسد كله.

فإذا استقامت عقيدة الإنسان وامتلأ قلبه بالإيمان والخوف من الله سبحانه وتعالى صلحت كل أعماله واستقام تفكيره وسلوكه، لأن ذلك ينعكس تلقائيًّا على مواقفه الفكرية والعملية وعلى أعماله جميعها، وكيف يمكن لإنسان سوي العقيدة خاشع القلب يقظ الضمير أن ينادي بإباحة الخمر مثلا أو غير ذلك.

كذلك فإن الحديث الشريف قد قطع بأن فساد المظهر الاجتماعي وفساد تصرفات الأفراد فإنما يرجع جميعًا إلى فساد القلب، وأن الطريق الوحيد إلى إصلاحها هو إصلاح القلب أولًا.

من هنا نفهم أن الطريق إلى الإسلام في مثل هذه الظروف لا يمكن أن يعتمد الأسلوب القائم على ترقيع الأوضاع ومعالجة جزئياتها، وإنما تبقى وسيلة المصلحين هي إحداث التغيير الرئيسي في عقيدة الناس حتى يخر البناء الثقافي والاجتماعي الفاسد دفعة واحدة ويقوم البناء الجديد على أساس من الإيمان.

لقد استطاع الرسول «صلى الله عليه وسلم» أن يحدث تلك الثورة الهائلة ويزيل الأوضاع المهترئة ويقيم البناء الإسلامي على مقاييس الإسلام الدقيقة -دون أي خلل- في مدة وجيزة، وقد أقام حضارة الإسلام كاملة على أنقاض حضارة مناقضة تمامًا ولم تكن تلك معركة أجيال كما هي العادة وإنما تم هذا التغيير الحضاري الهائل في مدى حياته القصيرة ذلك هو الطريق لكل من يريد أن يقتدي بالرسول صلوات الله عليه وسلامه.

على ضوء هذا التصور الأساسي لدور العمل الإسلامي يمكن أن يتخير الناس برامجهم ووسائلهم بحسب ظروفهم المكانية والزمانية وبحسب إمكانياتهم وتجاربهم.

ولا أريد أن أٌقلل من الأثر الفعال الذي تحدثه جهودكم المقدرة لمكافحة هذه الظواهر الفكرية والسلوكية المخربة فمن خلال هذه المعادلة تتكشف حقيقة التخريب الغازي وتبقى المعركة بين الحق والباطل ساخنة ويدخل الإسلام طرفاً في الصراع المحتدم اليوم ويعيش مع الناس قضاياهم حاملًا إليهم نور الله المقدس.

لكن لا بد أن يبقى الجهد الأكبر والطاقة الرئيسية مدخرة للمعركة الأساسية الفاصلة.

وهذا رأيي أقوله وأرجو أن أستمع إلى وجهات نظر أخرى من القراء الكرام.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل