; في ذكرى الإسراء والمعراج | مجلة المجتمع

العنوان في ذكرى الإسراء والمعراج

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 06-أكتوبر-1970

مشاهدات 26

نشر في العدد 30

نشر في الصفحة 8

الثلاثاء 06-أكتوبر-1970

مضت ذكرى الإسراء والمعراج وكان العالم العربي والإسلامي كله مشغولًا بأحداث الأردن الدامية، ولم يكن في وسع «المجتمع» إلا أن تعيش مع هذه الأحداث، ولذلك لم تتمكن من كتابة ما يجب نحو ذكرى الإسراء العطرة.

• كان قد مضى عليه، صلى الله عليه وسلم، قرابة اثنتي عشرة سنة وهو يدعو أهل مكة من أهله وعشيرته إلى الإسلام، فلم يبقَ أحد من أم القرى ومن حولها إلا وسمع بدعوة هذا النبي وما جاء به من دينٍ جديدٍ، وكان تعذيب قريش للمسلمين يشتد مع اشتداد وصلابة عود الدعوة الإسلامية الوليدة المعتصمة في دار الأرقم بن أبي الأرقم، فتسامع الناس بصبر العمالقة من العبيد الذين تمردوا على عبوديتهم لسادة قريش؛ ليعبدوا رب قريش الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، فصبر بلال وصبر آل ياسر، وصبر كل من استهان بطين الجسد وسما بروحه إلى عليين حيث الأبرار والشهداء.

• وضاقت الأرض بهذه الفئة المؤمنة، وتطلع زعيمها إلى المدن والقرى والأعراب في الجزيرة، رفضته الطائف وسلطت عليه صبيانها وسفهاءها؛ وأعادته الى مكة مستجيرًا بأحد المشركين، وحال فجَّار قريش بينه وبين وفود الحجاج؛ فضيّقوا عليه الخناق وشددوا عليه الحصار.

• لكن الإيمان كان يتفلّت إلى بعض القلوب؛ رغم كل ما فعلته قريش من حصار فكري، فتناقل الركبان نتفًا مما سمعوه من محمد وأصحابه؛ وعمرت بها بعض القلوب.

 الرحلة السماوية

• في هذه الفترة العصيبة من حياة معلم البشرية كانت الرحلة السماوية؛ رحلة الإسراء والمعراج، فأرادها- الله سبحانه- تسلية للقلب الحزين، وبشرى بالانتصار على الباطل، وبيانًا لمنزلة المصطفى السامية، وتوحيدًا لمنهج الأنبياء وشِرعتهم، وإيذانًا بنقل النبوة من بيت إلى بيت، واطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على آيات الله الكبرى، ثم ليحمل هدية السماء إلى معراج النفوس «الصلاة».

• فعاد الرسول الكريم من هذه الرحلة السماوية لا يعبأ بكل تراب الأرض، ولا يهتم بكل جحافل الباطل، ولا يطمع بأي من متع الدنيا، واستبشر بنصر من الله وفتح قريب، واطمأن فؤاده إلى أن الله سيظهر دينه على الأرض.

• وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث قريشًا حديث الإسراء، ويصف لها ما شاهد وما رأى، وما تعلم من هذه الرحلة الربانية، فصُعِقَ بكلامه عبدة الأوثان، وذهلوا لهول ما يفاجئهم به، وفغروا أفواههم كأن على رؤوسهم الطير، واستفاقوا على وصف دقيق للمسجد الأقصى لكل ما يعرفونه من أنحائه، وعلى أخبار دقيقة لقافلتهم العائدة من الشام، ولكنهم طاروا بأخبار هذه الرحلة العجيبة يستهزئون بها وبصاحبها أمام العقول المهترئة من عبدة الطواغيت.

وينقلون حديث الإسراء إلى أصحاب محمد لیفتنوهم عن دينهم.

وصدقه الصديق

• بنفسي أنت يا صديق رسول الله يا أبا بكر، لقد كنت نعم الصديق الصدوق، ولقد نفذ إيمانك من بين الحجب وعرفت أن رسولك لا ينطق عن الهوى فقلت قولتك الخالدة: «أو قد قال ذلك... إن كان قد قال ذلك فقد صدق»، لقد ألجمت عدو الله أبا جهل بهذه الكلمات؛ فانكفأت غبطته وارتدت فرحته وانقلب إلى أهله يتفجّر غيظًا على ثبات أصحاب محمد من حوله، حتى في مثل هذا الأمر الذي لا يصدقه العقل، أولا يعلم أبو جهل أن أبا بكر يصدق محمدًا صلى الله عليه وسلم في الخبر يأتيه من السماء في لحظة؛ فكيف لا يصدق أن يُسرى به إلى بيت المقدس في ليلة، ولكن بصيرة أبي جهل عمياء: ﴿إِنهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج: ٤٦).

وفرضت الصلاة

• لقد أراد الله سبحانه وتعالى لرسوله، صلى الله عليه وسلم، هذه المعجزة؛ ليكون الرسول مطمئنًا قلبه، راضية نفسه، وليكون إمامًا لأنبياء الله ورسله في بقعة طاهرة مقدسة هي المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وليطلعه الله على آياته الكبرى في السماوات السبع وما فيهن، وليحمّله أضخم أمانة وأهم عبادة إلى أهل الأرض، ألا وهي الصلاة، فكانت الصلاة؛ دون عبادات المسلمين جميعها، أمانة حمَّلها الله لرسوله في السماء؛ لتظل قلوب المسلمين عالقة في السماء وهم يؤدون هذه العبادة كل يوم خمس مرات، فرض الله الصلاة على رسوله وأمته، وقد تخلى رسوله عن كل شيء يربطه بالأرض، وخلص بروحه وجسده إلى السماء، وللمسلمين أن يقدروا هذه العبادة من بعد، حق قدرها فيتخلصون فيها من أوضار الأرض، وينسلخون معها من الالتصاق بالتراب؛ وينطلقون إلى ربهم صافية نفوسهم عالقة قلوبهم برب السماء.

 

وماذا عن أرض الإسراء

• رُحماك يا رب، أين نحن من فئة آمنت بربها فزادها الله هدى والتحمت برسالتها وعاشت الرسالة بها حية متمثلة في كل خطوة تخطوها وفي كل خلجة يختلج بها قلبها؛ فأنجز الله لها ما وعد، فدانت لأصحاب رسول الله الدنيا وهم عنها راغبون وفتحت لهم أبواب كل شيء وهم عن كل عرض زائف معرضون... ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (الأنفال: ٢٦).

• أين نحن من أولئك النفر المؤمن؛ وقد تفرقت بنا السبل وتعرجت بنا الطريق وهام أبناء أمتنا على وجوههم يشربون من سيل المبادئ الهدامة الأسن، ويتنفسون في جو من الضياع والعدم؛ حتى ضل رصاصهم الطريق إلى صدورهم، وتركوا عدوهم يجوس خلال الديار بعد أن احتل المسجد الاقصى والأرض المباركة من حوله ودنسها بفسقه وفجوره.

ألا رجعة إلى دين الله أيها المسلمون تمحون بها عار النفوس المهزومة؛ وتأسون بها جراح القلوب المكلومة، وتعيدون أرض الإسراء إلى ظلال سيوف خالد بن الوليد؛ وطمأنينة عدل ابن الخطاب؛ بشِرعة لا تجتمع إلا عليها القلوب؛ ولا تلتئم إلا بها الصدوع، ولن يخذلكم الله وسيصدقكم وعده. ﴿ وكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (الروم: ٤٧).

 

الإسراء في السيرة

• أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى قبل الهجرة بعام، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس من إيلياء، وقد فشا الإسلام بمكة في قریش وفي القبائل كلها.

• كان عبد الله بن مسعود يقول:

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق، وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء قبله، تضع حافرها في منتهى طرفها، فحُمل عليها ثم خرج به صاحبه، یری الآيات فيما بين السماء الأرض، حتى انتهى إلى بيت المقدس، فوجد فيه إبراهيم الخليل وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمعوا له، فصلی بهم، ثم أتى بثلاثة آنية: إناء فيه لبن، وإناء فيه خمر، وإناء فيه ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فسمعت قائلًا يقول حين عرضت عليَّ: إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته، وإن أخذ الخمر غوى وغوت أمته، وإن أخذ اللبن هُدي وهديت أمته، قال: فأخذت إناء اللبن فشربت منه، فقال لي جبريل- عليه السلام-: هُديت وهديت أمتك يا محمد!

• قال الحسن: فارتد كثير ممن كان أسلم، وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا له: هل لك يا أبا بكر في صاحبك يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة!، فقال لهم أبو بكر: إنكم تكذبون عليه فقالوا بلى، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس، فقال أبو بكر: والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يعجبكم من ذلك!، فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه!، فهذا أبعد مما تعجبون منه، ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله (ص) فقال: يا نبي الله، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة؟ قال: نعم، قال: يا نبي الله فصفه لي، فإني قد جئته. فقال رسول الله (ص): فرفع لي حتى نظرت إليه، فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصفه لأبي بكر، ويقول أبو بكر: صدقت، أشهد أنك رسول الله حتى إذا انتهى قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: وأنت يا أبا بكر الصديق فيومئذ سماه «الصديق».

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

كيف أعود ولدي الصلاة؟!

نشر في العدد 2

53

الثلاثاء 24-مارس-1970

الوحدة وصلاة الجماعة في المدارس

نشر في العدد 4

24

الثلاثاء 07-أبريل-1970

الأسرة

نشر في العدد 3

31

الثلاثاء 31-مارس-1970