العنوان في رمضان مع فضيلة الشيخ أحمد البسيوني لماذا نقاتل؟
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 16-أكتوبر-1973
مشاهدات 40
نشر في العدد 172
نشر في الصفحة 17
الثلاثاء 16-أكتوبر-1973
واجب العلماء.. ومسؤولية المسلمين
التعبئة الدينية.. في جبهة القناة
فضيلة الشيخ أحمد البسيوني واحد من علماء الأزهر الفضلاء الذين استدعتهم وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت.. للإسهام في حملة الوعي الديني التي تقوم بها الوزارة كل رمضان.
والشيخ أحمد البسيوني.. علاوة على وظيفته كمراقب للوعظ بالأزهر.. هو المؤلف لعدة دراسات أهمها «قبسات من السنة، لماذا نقاتل؟» وهو عضو هيئة تحرير مجلة الوعظ بالأزهر «نور الإسلام» فضلًا عن أنه كاتب -شبه دائم- في مجلات منبر الإسلام والشبان المسلمين..
... وكالعادة معنا في التقائنا بضيوف الكويت.. . إننا ننتهز فرصة تواجدهم بجمعية الإصلاح لإلقاء محاضراتهم الرمضانية.. كل ثلاثاء.. . ونجري معهم بعض، الحوار.. وفي حديثنا هذه المرة.. كان ثمة جو مخيم علينا - كعرب مسلمين - كانت المعركة تشدنا.. وكان حديثنا بالتالي يدور بطريقة أو أخرى حولها.. .
- وكان سؤالنا التالي هو أول الأسئلة..
• لعلها مصادفة طيبة أن لكم كتابًا بعنوان «لماذا نقاتل؟»
.. فهل لفضيلتكم أن تحدثونا عن أهداف القتال في الإسلام؟
أجاب فضيلته..
شرع الجهاد في الإسلام.. دفاعًا عن الحق وإعلاء لكلمة الله، وردًّا للمظالم التي يتسلط بها الأعداء على المسلمين.. كان يعتدي على أموالهم وديارهم.. فيخرجهم منها بغير حق. ومنهج القتال في الإسلام تحدده الآية الكريمة ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِير﴾ ( الحج: ٣٩) فالقتال في الإسلام ليس اعتداء، ولا طلبًا للتوسع ولا قهرًا لأمة على أن تعتنق الإسلام. فالإسلام يدعو إلى نفسه بمبادئه، بالحكمة والموعظة الحسنة، ويترك تلك المبادئ تأخذ طريقها إلى قلوب الناس وعقولهم. ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ (البقرة: ٢٥٦ )
﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ﴾ ( الكهف: ٢٩). . ومن هنا كانت الحروب الإسلامية كلها دفاعًا لا هجومًا فلا بد للحق من قوة تحميه، ولو ترك الباطل يستشري ويتطاول لاجتاح الأرض طوفان مدمر من الفساد. وكما قال الشاعر العربي:
والشر إن جئته بالخير ضقت به
ذرعًا، وإن جئته بالشر ينحسم
وتوجهنا إلى فضيلته بسؤال يرتكز على السؤال السابق.. قلنا
• لكن.. إلى أي حد ترتكن حربنا مع إسرائيل الآن على قواعد القتال.. وأسبابه المشروعة في الإسلام؟
فأجاب..
• نحن إنما نقاتل اليهود في ظل المشروعية الإسلامية الكاملة للقتال.. فقد أمرنا الله -تبارك وتعالى- برد العدوان وسحق الظلم، وقهر العدو الذي تملكه الغرور والصلف، فأصبح لا يخضع لرأي، ولا يستجيب لكلمة «السلام» ففرض علينا أن نقاتله كما يقاتلنا ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ ( البقرة: ١٩٠)
﴿فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ ﴾ ( البقرة: ١٩٤).. والمثل العربي الذي وعاه تاريخنا يقول: «الشر بالشر والبادي اظلم».. .
فالجهاد الآن فرض عين -على كل مسلم ومسلمة- على امتداد الرقعة الإسلامية على ظهر الأرض.. فلنقاتل رجالًا ونساء شبانًا وشيبًا بالنفس والمال والدم والقلم والفكر حتى نلتقي مع وعد الله ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ( الروم: ٤٧).
• ما سمات المجاهدين المخلصين كما رسمها الإسلام؟
- لقد سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم.. عن الرجل يقاتل شجاعة أو يقاتل حمية أي ذلك في سبيل الله.. فقال -عليه الصلاة والسلام:
«من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا» ومعنى ذلك أن سمات المجاهد المخلص هو أن يكون جهاده نابعًا من حرصه على ظهور الدين الحق، وإعلاء كلمة الله حتى تصل إلى الناس، وتحرير الأرض الإسلامية من المشركين الغاصبين.. . فإن الدفاع عن الوطن أو المال أو العرض يعتبر جهادًا في سبيل الله.. وقد سأل رجل النبي -عليه الصلاة والسلام.. فقال: یا رسول الله.. أرأيت إن جاءني رجل يريد أخذ مالي؟. . قال: فلا تعطه مالك.. قال أرأيت إن قاتلني؟. . قال فقاتله.. قال أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد.. قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار.. .
فإذا كان الجهاد مشروعًا دفاعًا عن «دراهم» يملكها المسلم فهو مشروع - من باب أولى - إذا كان دفاعًا عن التاريخ والمقدسات وحاضر الأمة الإسلامية ومستقبلها.
• فضيلة الشيخ البسيوني.. . لكن متى ينصر الله المسلمين؟
- إن النصر لا يملكه الا الله ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ ( آل عمران: ١٢٦) وهو -سبحانه- لا يمنح النصر إلا إذا توفرت أسبابه كاملة..
وهي: أن يكون الجهاد في طاعة الله.. أسباب وقاية، فإذا هبط المسلمون عن هذا المستوى، حجبوا عن نصر الله، وقد يكون العدو المنصور عليهم شرًّا منهم، ولكن.. يريد الله أن يمحصهم ويبلو إيمانهم ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ ( العنكبوت: ٢) ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ ( العنكبوت: ٣) وهذه سنة ماضية في الحياة عبر تاريخها الطويل، فقـد انتصر المسلمون في «بدر» وهم قلة لما كانوا على مستوى الطاعة والإذعان، وهزموا في غزوة أحد لما خالف فريق منهم أمر الرسول.
• لقد قرأنا عن علماء اشتركوا في المعارك الإسلامية اشتراكًا عمليًّا.. فما واجب العلماء في هذه الظروف؟
- لقد اشترك كثير من العلماء في الجهاد الاسلامي -وهذا حق- ولقد خاضوا المعارك بأنفسهم وبأقلامهم..
اذكر منهم على سبيل المثال «ابن تيمية» و «العز بن عبد السلام» وعلماء الأزهر الذين قاوموا الاحتلال الأجنبي وألهمت خطبهم الجماهير في ساحة الأزهر فاندفعوا يقاومون العدوان الفرنسي أيام نابليون والإنجليزي فترة الاحتلال.. وقد قام هؤلاء العلماء بنصيب وافر حتى استردت الأمة حقها وكرامتها.. وواجب العلماء المسلمين في هذه الظروف أن يتحركوا ـ كل في بلده لتبصرة المؤمنين بواجب الجهاد المقدس وإلهاب مشاعرهم، وأن إدارة الوعظ بالأزهر قد دفعت بأعداد ضخمة من وعاظها يعيشون مع كتائب القوات المسلحة ويتحركون بحركتها، وأن منهم الآن أعدادًا كبيرة تحت غبار المعركة، ويلبسون الزي العسكري، حتى يحرضوا المؤمنين على القتال، ويثبتوهم في أماكنهم، ويدفعوهم إلى التقدم.
• ما واجبات الدول الإسلامية نحو قضية فلسطين؟
- أجاب فضيلته:
المؤمنون في كل مكان إخوة وهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر وإيمانهم يفرض عليهم أن يخفوا لنصرة إخوانهم الفلسطينيين الذين تحولوا إلى لاجئين، وأخرجوا من ديارهم بغير حق وجردوا من أموالهم بغير رحمة وقضى في مصيرهم بغير عدل فنصرة هؤلاء والوقوف بجانبهم ومعاونتهم على استرداد حقهم أمر مفروض على المسلمين جميعًا..
وقد استغاثت امرأة من ظلم وقع عليها في أبعد مكان عن مقر الخلافة في بغداد في عهد المعتصم.. فلما بلغه نداؤها «وا معتصماه» قال: جاءك النصر ثم سير جيشًا يحمي تلك المرأة، ويدفع عنها الظلم ويرد لها حقها السليب.
فأجدر بالمسلمين أن يلبوا نداء إخوانهم الفلسطينيين الذين يهتفون.. « واقدساه » وأن يبادروا إلى نصرتهم ونجدتهم حتى تعود لهم أرضهم وديارهم
كما يتحتم على المسلمين في أية جهة كانوا أن يشاركوا دول المواجهة مع إسرائيل في أعباء الجهاد، وأن يقذفوا بجيوشهم لتقف جنبًا إلى جنب مع جيش مصر والجيش السوري.. . فالحرب حرب الجميع.. . وأعباؤها تقع على عاتق العرب والمسلمين في كافة أنحاء الأرض ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ﴾ ( يوسف: ٢١)
- هل تعتقد أن الشعور الإسلامي الواحد والعقيدة الاسلامية الواحدة مساعدان هامان على إحراز النصر؟
• نعم.. أنا أؤمن بذلك.
فإذا توحد الشعور بين المسلمين وسيطر عليهم الإيمان بالله وجمعتهم العقيدة الحقة الواحدة فلا شك أن ذلك يفضي بهم إلى النصر..
هذا.. وقد زرت في رحلاتي العلمية والاسلامية كثيرًا من البلاد الإسلامية العربية مثل العراق ولبنان واليمن والمملكة العربية السعودية والكويت..
وإن انطباعاتي عن هذه الرحلات أن المسلمين على الرغم من أنهم ينقصهم الفهم الصحيح لدينهم.. فهم يعانون أمية دينية فادحة إلا أن للشعور الإسلامي الواحد أثره الكبير في الوحدة النفسية والفكرية التي تضمهم. ومهمة العلماء في كل هذه البلاد أن يفقهوا الناس بحقيقة دينهم، وأن يزيلوا العصبية الطائفية التي تفتت الوحدة الإسلامية، وتبعثر قوى المسلمين، كي يكون الشعور واحدًا.. انطلاقًا من العقيدة الواحدة «يد الله على الجماعة، و من شذ شذ في النار» كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم.
• هل أسهمت فضيلتك في التوعية بين الجنود؟
- نعم.. لقد كنت إلى عهد قريب مراقبًا للوعظ بالقوات المسلحة، وقد زرت الجنود في مواقعهم المتعددة، وكنت أعيش معهم في خنادقهم، وهم وراء آلاتهم الحربية ودباباتهم يرابطون في سبيل الله.. . وقد لمست تأثير العقيدة الإسلامية عليهم، وإمدادها لهم بطاقة لا حدود لها من الصبر والشجاعة والاستبسال.. وكنت أحس بأن الجندي يهتز كيانه حين يسمع قول الرسول -صلى الله عليه وسلم.. «عينان لا تمسهما النار أبدًا، عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله» وقوله عليه الصلاة والسلام: «رباط الله يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها» وكنت أرى على وجه الجندي المقاتل وهو يسمع هذه النصوص الكريمة تحفزًا، وشوقًا إلى المعركة، واستعدادًا صادقًا لأن يقتحم المخاطر.. ويعانق الموت في سبيل الله.
• • •
وإن أملي- وهو أمل كل مسلم صادق الإيمان، أن تكون هذه البذور التي غرسناها في نفوس الجنود قد أتت ثمارها وهم الآن يخوضون حربهم المقدسة في شجاعة وبسالة يحمدون عليها والله ناصرهم وناصر المؤمنين الصادقين بإذنه تعالى..
وإننا لعلى موعد مع وعد الله للمؤمنين بالنصر - مهما تكن العقبات، ومهما يكن اختبار الله لهم.. .
﴿ ولينصرن الله من ينصره.. إن الله لقوى عزيز ) ﴿... وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيم﴾ ( الروم: 4 - 5 ) وعد الله لا يخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، والعاقبة -بإذن الله- للمتقين.
دومًا.. اليقظة العسكرية
دومًا.. اليد على الزناد
﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أو كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا﴾. ( النساء: ١٠٢)
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل