; قتال أهل الردة | مجلة المجتمع

العنوان قتال أهل الردة

الكاتب بابكر العوض العبد الله

تاريخ النشر الثلاثاء 21-مارس-1978

مشاهدات 16

نشر في العدد 391

نشر في الصفحة 15

الثلاثاء 21-مارس-1978

عباد الله. والله إن أحدكم لتصاب شاه جاره أو بعير جاره؛ فيبيت وارم العضل يقول: شاه جاری أو بعیر جاري، فإن الله أحق أن يغضب لجاره».

قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : «لقد قمنا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقامًا كدنا نهلك فيه لولا أن الله من علينا بأبی بکر. أجمعنا على أن لا نقاتل عن ابنة مخاض وابنة لبون، وأن نأكل قرى عربية، ونعبد الله حتى يأتينا اليقين، فعزم الله لأبي بكر على قتالهم، فوالله ما رضي منهم إلا بالخطة المخزية أو الحرب المجلية:

أما الخطة المخزية: فأن يقروا بأن من قتل منهم في النار، ومن قتل منا في الجنة، وأن يدوا قتلانا، ونغنم ما أخذنا منهم، وأن ما أخذ منا مردود علينا.

 وأما الحرب المجلية: فأن يخرجوهم من ديارهم».

بلغ بعزيمة أبي بكر وعظيم رأیه بعد إذ رأی ما أصاب المسلمين من الغم أن آلى على نفسه أن لا يدع العرب يقر لهم قرار إلا والسيف آخذ برقابهم، والإسلام ضارب بينهم بجرانه.

وبينما هو يطاول في الأمر انتظارًا لرجوع أسامة بجيش المسلمين، وأول عمل قام به أبو بكر أنه أرسل أسامة بن زيد للشام لمحاربة الروم، أعجلته عبس وغطفان وأشد وطيء، وكان بعضهم نازلًا بذي القصة، وبعضهم بالأبرق، فأرسلوا إليه وفدًا يبذلون الصلاة، ويمنعون الزكاة، فردهم خائبين، فرجعوا وأخبروا القوم بقلة المسلمين وضعفهم، وغرتهم كثرتهم، وأعماهم الجهل عن أن مع المسلمين قوة الإيمان واليقين، وفيهم من الصناديد وليوث الحرب الشجعان، مثل عمر وعلي وطلحة والزبير. 

خشی أبو بكر بعد مسير الوفـد من البيات، فجعل على أنصار المدينة عليًا وطلحة والزبير وابن مسعود، وأمرهم بملازمة المسجد خوف الغارة من العدو، فما لبثوا ثلاثًا حتى طرق العدو المدينة غارة مع الليل، وخلفوا بعضهم بذي حسى - مکان قرب المدينة – ليكونوا لهم رداء المقاتلة، فمنعوهم وأرسلوا إلى أبي بكر فخرج بالمسلمين على النواضح - الناضح هو البعير الذي يستقي عليه - فردوا العدو وأتبعوهم حتى بلغوا ذا حسى – مكان قرب المدينة - فخرج عليهم الردء بأنحاء قد نفخوها وفيها الخيل ثم دهدوها على الأرض - أي نفخوها والأنحاء هي القرب - فنفرت إبل المسلمين وهم عليها، ورجعت بهم إلى المدينة ولم يصرع أحد منهم.

 ثم خرج أبو بكر ليلًا على تعبية فما طلع الفجر إلا وهم والعدو على صعيد واحد، فما شعروا بالمسلمين حتى وضعوا فيهم السيوف، فولوا الأدبار وأتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة، وكان أول الفتح، ووضع بها النعمان بن مقرن في عدد، ورجع إلى المدينة فطرقت المدينة الصدقات نفر كانوا على صدقة الناس، وقدم في أثناء ذاك أسامة بن زيد بجيش المسلمين، فاستخلفه أبو بكر على المدينة وجنده معه ليستريحوا ويريحوا ظهرهم، ثم خرج فيمن كان معه، فقام إليه علي والمسلمون وناشدوه الله ليقيم؛ فأبى وقال: «والله لأواسينكم بنفسي» وسار إلى ذي حسى وذي القصة حتى نزل بالأبرق، فقاتل من به، فهزمهم، وغلب على بني ذبيان وبلادهم، وحماها لدواب المسلمين، ثم رجع إلى المدينة فلما استراح أسامة وجنده وكان قد جاءهم صدقات كثيرة تفضل عليهم بادر أبو بكر إلى تسيير الجيوش إلى أهل الردة.

وصية أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان، هذه الوصية تعجز أقطاب السياسة، وتنفع قادة الجيوش وساسة الأمم في كل عصر، وقد أوصاه لما شيعه ماشيًا كما أوصى سائر الأمراء.

«إني قد وليتك لأبلوك وأجربك؛ فإن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتك، وإن أسأت عزلتك. فعليك بتقوى الله؛ فإنه يرى من باطنك مثل الذي يرى من ظاهرك، وأن أولى الناس بالله أشدهم توليًا له، وأقرب الناس من الله أشدهم تقربًا إليه بعمله، وقد وليتك عمل خالد بن سعيد، فإياك وعبية الجاهلية؛ فإن الله يبغضها ويبغض أهلها، وإذا قدمت إلى جندك فأحسن صحبتهم، وابدأهم بالخــير وعدهم إياه. وإذا وعظتهم فأوجز؛ فإن كثير الكلام ينسى بعضه بعضًا، وأصلح نفسك يصلح لك الناس، وصل الصلوات لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فيها، وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرمهم وأقلل لبثهم حتى يخرجوا من عسكرك وهم جاهلون به، ولا ترينهم فيروا خللك ويعلموا علمك. وأنزلهم في ثروة عسكرك، وامنع من قبلك من محادثتهم، وكن أنت المتولى لكلامهم، ولا تجعل سرك لعلانيتك فيخلط أمرك، وإذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة، ولا تخزن عن المشير خبرك فتؤتى من قبل نفسك، وأسمر بالليل في أصحابك تأتك الأخبار وتنكشف عندك الأستار، وأكثر حرسك، وبددهم في عسكرك ،وأكثر مفاجأتهم فــى محارسهم بغير علم منهم بك، فمن وجدته غفل عن حرسه؛ فأحسن أدبه وعاقبه في غير إفراط، وأعقب بينهم بالليل، واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة؛ فإنها أيسرهما لقربها من النهار، ولا تخف من عقوبة المستحق، ولا تلجن فيها، ولا تسرع إليها، ولا تخذلها مدفعًا. ولا تغفل عن أهل الصدق والوفاء، وأصدق اللقاء، ولا تجبن فيجبن الناس، واجتنب الغلول فإنه يقرب الفقر ويدفع النصر ،وستجدون أقوامًا حبسوا أنفسهم، في الصوامع فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له»..  وللحديث صلة..

الرابط المختصر :