العنوان قتلى كارثة دوار الدسمة والنظرة المتخلفة لقيمة الإنسان وحرمته
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 18-أبريل-1972
مشاهدات 8
نشر في العدد 96
نشر في الصفحة 3

الثلاثاء 18-أبريل-1972
العمال ليسوا حشرات.. وليكن الحادث منطلقًا لقيم جديدة.. وضمانات أوكد
أدقُّ مقياس يُختبر به المجتمع هل هو متحضر أم غير متحضر، ليس المال، ولا اقتناء «أشكال» الحضارة، ولا رفع الأصوات بادعاء الحضارة والرقي.
إن أدق مقياس لمعرفة درجة مجتمع ما في خط البيان الحضاري هو: الاهتمام بالإنسان، وحماية كِيانه من الإهمال، وحماية حياته من عوامل التلف والدمار.
ومقادير التعقل والرشد في هذا المقياس عالية جدًّا، ذلك أن «الإنسان» إنما هو خليفة الله في أرضه، وموضوع رسالات السماء، وهو مناط جهود الفلاسفة والمفكرين، وهو محور الأنشطة العلمية المتنوعة.
وبهذا التصور فإن الاهتمام المستنير بالإنسان يعني تمامًا الاهتمامَ بما يتصل به من قیم ومكانة وحياة وعلم، أما إهماله أو التهاون في الاهتمام به فلا تفسير له إلا التخلف الحضاري في كل شيء، رغم تمسك الناس بأشكال الحضارة واقتناء «أشيائها»!
وحين نص الإسلام على حماية نفس الإنسان وعقله ودمه وحياته كلها من التلف والضياع كان -ولا يزال- يدفع البشرية دفعًا إلى مجتمع متحضر يعرف للإنسان قدره وقيمته، ويُتبِع القول بالعمل فيعطي الإنسانَ حقَّه من الاهتمام والحماية والرعاية.
· وما حدث في الدسمة منذ أيام، حيث دُفِن العمالُ تحت رُكام ثقيل من الرمال وهم يؤدون واجبهم، ومات منهم خمسة،هذا الحادث البشع المؤلم الخطير، كان إخلالًا واضحًا بتلك القيم، إذ وَضَحَ فيه معنى الاستخفاف بحياة الناس ومصيرهم ومستقبل أولادهم.
وينبغي أن يتسع النقاش ويتركز بصفة خاصة في هذه النقطة، لأنه لا اعتذار، ويتركز بصفة خاصة في هذه النقطة، لأنه لا الاعتذار ولا الإجراءات الوقتية ولا إلقاء المسؤولية على جهـة بعينها، وليس شيء من هذا يستطيع علاج الموقف، ولا تغيير السلوك من الأساس، وما لم تتغير النظرة إلى الإنسان، وما لم يأخذ مكانَه الحقَّ في العقول والأفئدة والمشاعر، ويأخذ منزلته اللائقة في سلوكنا العملي من اهتمام وحماية ورعاية؛ فسيكون مصير التوجعات العابرة هباءً معلقًا على آمال الوهم.
إن القضية تتصل بموضوع التخلف في النظرة إلى الإنسان، والعودةُ الراشدةُ إلى قيمنا الحية هي الوسيلة التي نكسر بها طوقَ التخلف ونخرج من دائرة الاستخفاف بالإنسان، وندخل دورة حضارية جديدة يكون الإنسان فيها كريمًا مصان النفس والدم والحياة.
· إن الاهتمام بالأداة أكثرُ من الاهتمام بالإنسان الذي يستخدمها.
· والاهتمام بإنجاز العمل أكثرُ من الاهتمام بالإنسان العامل نفسه.
· والاهتمام بالمنشآت أكثرُ من الاهتمام بالإنسان الذي وُضِعت أساسًا من أجله.
هذا القلب المفزع للحقائق والقيم من الضروري أن تُبذَلَ محاولاتٌ جادةٌ في التربية والإعلام والمفاهيم والتقاليد والعادات لتغييره والانتقال إلى مرحلة أكثر رُقِيًّا ونضجًا وإنسانية.
إننا نعلم أن الصلاة فريضة مقدسة، وأن الإنسان حين يدخل فيها ينبغي أن يتجه إلى الله تمامًا، منصرفًا عن كل الشواغل والهموم ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وأن الالتفات في الصلاة يبطلها.
ومع جلال الموقف وهيبته يقول الفقه الإسلامي: إذا رأى المصلي رجلًا مكفوفًا أو طفلًا يعبر شارعًا، ثم رأى سيارة مثلًا يؤدي اتجاهُها أو سرعتُها إلى إصابة الرجل المكفوف أو الطفل بمكروه وجب على المصلي -وهو في موقفه الجليل المهيب- أن يقطع الصلاة وينقذ الإنسان من خطر محتمل.
وإذا كان الإسلام يرى بأن تقطع الصلاة من أجل إنقاذ إنسان، فهل هناك موقف أكثر إجلالًا وهيبةً والتزامًا من الصلاة يَقعد بالمسؤولين عن العمال أن يوفروا لهم ما يحول بينهم وبين الكوارث المُتلِفة والمُهلِكة؟
لا الانشغالُ بالأسرة، ولا الانهماكُ في العمل، ومن قبل لا الجلوس في الفنادق أو الديوانيات يبرر للمسؤولين عن مشروعات عمليات الحفر لتمديد الأنابيب أن يَغفُلوا عن حماية العاملين فيها.
ودومًا يظل تَدَارُكُ الخطأ قبل وقوعه هو أجملَ علامة على الإحساس النبيل بالمسؤولية.
وكان من الممكن تدارك الكارثة قبل وقوعها بشيء من الاهتمام والجدية والحرص على حياة العاملين.
بَيدَ أننا نفهم من إفادة بعض المسؤولين عكسَ ذلك حيث قال: إن أمرًا قد صدر لإنجاز العمل على عجل.
إنجاز العمل على عجل؟ واضحٌ من هذه الإفادة أن إهمالًا قد حدث، فالإبطاء في العمل إهمال، نعم، وكذلك التعجل غير المدروس إهمال، بل كثيرًا ما يحدث التعجل القاتل بسبب البطء المعوق.
على أن الحادث برُمَّتِه يقتضي وضع سياسة إيجابية ثابتة لإنصاف العمال وحمايتهم وكفالتهم.
هؤلاء العمال لهم رصيد وحيد في هذه الحياة، هــو عمرهم وعافيتهم وجسدهم البدني، ويكفيهم شقاءً وعنتًا اعتصارُ أعمارهم وعافيتهم في هذا الكَدْح البدني الشاقِّ.
وهذه السياسة المقترحة ذات شقين:
· شق يتعلق بحياتهم، إذ يجب أن يُهَيَّأ لهم الجوُّ المأمونُ المُحاطُ بضمانات علمية مدروسة لتأدية عملهم في هذا الجو، ويجب أن يَحرُمَ تحريمًا واضحًا استغلال حاجة العمال ودفعُهم إلى المخاطر بدون رحمة أو إنسانية.
· وشق يتعلق بالكفالة المُجزِية لأسرهم إذا حدث لهم مكروه، وينبغي أن يكون مفهومًا أنَّ لهؤلاء العمال أولادًا يفقدون مصدر دخلهم بفقد والدهم أو إصابته بمكروه أثناء العمل، ولا بد أن يُوَفَّرَ لهؤلاء الأولاد ما يعوضهم عن مصدر دخلهم.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالقيم العلمية والأخلاقية في الحضارة الإسلامية.. الدين والحياة وجهان لعملة واحدة
نشر في العدد 1811
21
السبت 19-يوليو-2008


العادات الاجتماعية بالدول العربية وتأثيرها على زواج الشباب
نشر في العدد 2180
130
الخميس 01-يونيو-2023
