; قراءة في كتاب ... القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الأمريكية | مجلة المجتمع

العنوان قراءة في كتاب ... القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الأمريكية

الكاتب د. محمود المنير

تاريخ النشر الأحد 01-مارس-2015

مشاهدات 14

نشر في العدد 2081

نشر في الصفحة 70

الأحد 01-مارس-2015

ما يقرب من نصف أكبر مائة شركة في العالم هي شركات أمريكية

يوجد في أمريكا 28% من بين مليون وستمائة ألف طالب مسجلين في جامعات خارج بلدانهم

القوة الناعمة لبلد ما ترتكز على ثلاثة موارد: ثقافته وقيمه السياسية وسياساته الخارجية 

أمريكا أول وأكبر مصدر للأفلام والبرامج التلفزيونية في العالم رغم أن بوليوود الهندية تنتج أفلامًا أكثر منها كل عام 

جاذبية أمريكا هبطت هبوطًا حادًّا في عام 2003م على الرغم من وفرة موارد قوتها الناعمة بسبب الحرب على العراق

عرض: محمود المنير 

اسم الكتاب: القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الأمريكية

المؤلف: جوزيف س. ناي.

الطبعة: الثانية، الرياض 1433هـ.

الناشر: مكتبة العبيكان، السعودية. 

ترجمة: د. محمد توفيق البجيرمي.

تقديم: د. عبدالعزيز عبدالرحمن الثنيان 

المؤلف في سطور: 

- "جوزيف س. ناي": عميد مدرسة كيندي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد.

- كان رئيس مجلس المخابرات الوطني ومساعد وزير الدفاع في إدارة كلينتون.

- له مؤلفات عديدة، منها "مفارقة القوة الأمريكية".

في خريف عام 2004م نشرت له دار "بابلك آفيرز" كتابه السياسي المثير "لعبة القوة". 

أهمية الكتاب: 

يستمد هذا الكتاب أهميته من الخبرة التراكمية والسياسية التي حازها مؤلفه، والمناصب التي تقلدها في دوائر صنع القرار الأمريكية، حيث كان رئيسًا لمجلس المخابرات الوطني، ومساعد وزير الدفاع في إدارة "كلينتون"، ويغوص هذا الكتاب في أعماق السياسة العالمية، لاسيما أن من يقدمه واحد من أبرز الباحثين في السياسة الدولية. 

أقسام الكتاب: 

ينقسم الكتاب إلى مقدمة، وإشادات، وخمسة فصول تناولت الموضوعات التالية: 

الفصل الأول: الطبيعة المتغيرة للقوة. 

الفصل الثاني: مصادر القوة الأمريكية الناعمة. 

الفصل الثالث: قوة الآخرين الناعمة. 

الفصل الرابع: البراعة في استخدام القوة الناعمة. 

الفصل الخامس: القوة الناعمة وسياسة أمريكا الخارجية. 

هذا الكتاب: 

يعكس هذا الكتاب كما أشار مؤلفه العلاقات الدولية المشحونة التي نشأت قبل الحرب على العراق، وأثناءها وبعدها.. فعلى عكس حرب الخليج عام 1991م عندما أقام "جورج بوش" الأب تحالفًا واسعًا، قرر "جورج ووكر بوش" الابن أن يهاجم العراق عام 2003م بدون قرار ثانٍ من الأمم المتحدة، ومع ائتلاف صغير فقط من الدول المؤيدة، وبعمله هذا تملص من قيود التحالفات والمؤسسات التي كان الكثيرون في إدارته يتحرقون من الغيظ تحت وطأتها، ولكنه أنتج أيضًا شكوكًا حول شرعية أعمالنا، وقلقًا واسع الانتشار حول كيفية استخدام الولايات المتحدة لقوتها المتفوقة، ثم إن الهبوط الحاد في جاذبية الولايات المتحدة حول العالم قد جعل من الصعب حشد التأييد لاحتلال العراق وإعادة إعماره؛ ذلك أن كسب السلام أصعب من كسب الحرب، والقوة الناعمة ضرورة جوهرية لكسب السلام، ومع ذلك باهظة الكلفة على قوتنا الناعمة، تمامًا كما أثبتت أنها نصرًا مذهلًا لقوتنا الصلبة. 

القوة الناعمة: 

كما يقول المؤلف "جوزيف س. ناي": إنها سلاح مؤثر يحقق الأهداف عن طريق الجاذبية بدلًا من الإرغام أو دفع الأموال، ويدلل المؤلف على مفهوم وأثر القوة الناعمة أن جدار برلين كان قد تم اختراقه بالتلفزيون والأفلام السينمائية قبل زمن طويل من سقوطه في عام 1989م، ذاك أن المطارق والجرافات ما كانت لتنتج لولا انتقال الصور المبثوثة من ثقافة الغرب الشعبية على مدى سنوات طوال فاخترقت الجدار قبل أن يسقط.

ويتناول المؤلف مصادر القوة الناعمة عند أمريكا، فهي أكبر مصدر للأفلام والبرامج التلفزيونية في العالم، وفيها أكثر من 86 ألف باحث أجنبي، وتمثل المرتبة الأولى في الفوز بجوائز "نوبل" في الفيزياء والكيمياء والاقتصاد، وتنشر كتبًا أكثر من أي بلد آخر في العالم، ويوجد فيها 28% من بين مليون وستمائة ألف طالب مسجلين في جامعات خارج بلدانهم. 

ويدرك الساسة الأمريكيون أهمية هذه القوة الناعمة، حيث يقول "كولن باول"، وزير الخارجية الأمريكي السابق: "لا أستطيع أن أفكر في رصيد لبلدنا أثمن من صداقة قادة عالم المستقبل الذين تلقوا تعليمهم هنا، ذلك أن الطلبة الدوليين يعودون إلى أوطانهم في العادة بتقدير أكبر للقيم والمؤسسات الأمريكية، وكما وارد في تقرير لمجموعة تعليمية دولية، فإن ملايين الناس الذين درسوا في الولايات المتحدة على مستوى سنوات يشكلون خزانًا رائعًا للنوايا الحسنة تجاه بلدنا، وكثير من هؤلاء الطلاب السابقين ينتهي بهم الأمر إلى احتلال مراكز يستطيعون من خلالها التأثير على نتائج السياسة التي هي مهمة للأمريكيين".

وفي أثناء مقابلة مع الرئيس "جون ف. كيندي"، انفجر السياسي الكبير "جون ج. ماكلوي" غاضبًا من الاهتمام بالشعبية والجاذبية في السياسة العالمية التي تهتم بالرأي العالمي، قائلًا: "إنني لا أومن بالرأي العالمي، إن الشيء الوحيد الذي يهم هو القوة"، ولكن "كيندي" مثل سلفيه الرئيسين "وودرو ويلسون"، و"فرانكلين روزفلت"، كان يفهم بأن القدرة على اجتذاب الآخرين والتأثير في آرائهم هي عنصر القوة، فكان يفهم أهمية القوة الناعمة. 

موارد القوة الناعمة

ويرى المؤلف أن القوة الناعمة لبلد ما ترتكز على ثلاثة موارد، هي: ثقافته (في الأماكن التي تكون فيها جذابة للآخرين)، وقيمه السياسية (عندما يطبقها بإخلاص في الداخل والخارج)، وسياساته الخارجية (عندما يراها الآخرون مشروعة وذات سلطة معنوية أخلاقية). 

الدور المتغير للقوة العسكرية

يشير المؤلف إلى أن العلم والتكنولوجيا في القرن العشرين أضافا أبعادًا كبيرة ومفاجئة إلى موارد القوة، فمع قدوم العصر الذري، لم تكن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي يمتلكان الجبروت الصناعي فحسب، بل ومعه ترسانات نووية وقذائف عابرة للقارات، وهكذا بدأ عصر القوة العظمى، وفيما بعد فإن دور أمريكا القيادي في ثورة المعلومات قرب نهاية القرن أتاح لها أن تخلق صورة في الشؤون العسكرية، ذلك أن القدرة على استخدام تكنولوجيا المعلومات لخلق أسلحة دقيقة ومخابرات حقيقية، ومسوح واسعة لميادين القتال الإقليمية، وتحسين في القيادة والسيطرة، قد أتاحت للولايات المتحدة أن تندفع إلى الأمام باعتبارها القوة العسكرية العظمى الوحيدة في العالم. 

الإرهاب وخصخصة الحرب

يرى المؤلف أن الإرهاب ليس جديدًا، ولا هو عدو أوحد، بل هو طريقة للنزاع موجودة منذ زمن طويل، وكثيرًا ما تعرف؛ لأنها هجوم متعمد على غير المحاربين؛ بهدف نشر الخوف والذعر، وأن اتخاذ موقف "استمرار العمل كالمعتاد" إزاء كبح الإرهاب ليس كافيًا، فالقوة لا تزال تؤدي دورًا في السياسة الدولية، ولكن طبيعتها قد تغيرت في القرن الحادي والعشرين، فالتكنولوجيا تزيد وصول الإرهابيين إلى القوة المدمرة، ولكن كذلك يستفيدون كثيرًا من قدرات الاتصال المتزايدة، مع بعضهم بعضًا عبر مناطق السيطرة، ومع المستمعين عبر العالم، والكثير من المجموعات الإرهابية لديها قوة ناعمة بالإضافة إلى القوة الصلبة. 

القوة في عصر المعلومات

يرى المؤلف أن ثورة المعلومات وعولمة الاقتصاد آخذة في تحويل العالم وتقليصه، وقد لا تصبح مقتصرة على أمريكا في المستقبل القريب، وسوف يتضاءل تفوق أمريكا النسبي، فالأمريكيون اليوم يمثلون واحدًا على عشرين من مجموع سكان العالم، ولكن نصف مستخدمي الإنترنت في العالم تقريبًا، ويرى أن ثورة المعلومات ستخلق أسرًا افتراضية وشبكات عابرة للحدود القومية وستمارس الشركات عابرة القومية والفاعلون غير الحكوميين (بمن في ذلك الإرهابيون) أدورًا كبيرة، وسيكون لكثير من هذه المنظمات قوتها الناعمة الخاصة بها عندما تجتذب المواطنين إلى ائتلاف عابر للحدود الوطنية، وعندئذ تصبح السياسة تنافسًا على الجاذبية والشرعية والمصداقية، وتصبح القدرة على تقاسم المعلومات وعلى كسب تصديق الآخرين موردًا مهمًا من موارد الجذب والقوة. 

مصادر القوة الناعمة الأمريكية

لدى الولايات المتحدة مصادر كثيرة يمكن أن تقدم لها قوة ناعمة محتملة، لاسيما عندما ينظر المرء في الطريق التي تسهم بها البراعة الاقتصادية الفائقة ليس بالثروة فقط بل وفي السمعة والجاذبية أيضًا. 

فأمريكا ليست صاحبة اقتصاد في العالم فحسب، ولكن ما يقرب من نصف أكبر مائة شركة في العالم هي شركات أمريكية؛ أي أكثر بخمسة أضعاف ما لدى اليابان، التي تحتل بعدها المرتبة التالية، كما أن 62% من أهم العلامات التجارية العالمية أمريكية، وكذلك 8 من أكبر 10 مدارس للأعمال التجارية. 

وتظهر المؤشرات الاجتماعية نمطًا مماثلًا، فكر فيما يلي:

- تجتذب الولايات المتحدة ما يقرب من ستة أضعاف المهاجرين الأجانب من ألمانيا التي تليها في ذلك. 

- الولايات المتحدة هي أول وأكبر مصدر للأفلام والبرامج التلفزيونية في العالم، رغم أن بوليوود الهندية تنتج أفلامًا أكثر منها في كل عام.

- من بين الـ1.6 مليون طالب مسجلين في جامعات خارج بلدانهم، 28% موجودون في الولايات المتحدة بالمقارنة مع 14% يدرسون في بريطانيا. 

- أكثر من 86 ألف باحث أجنبي كانوا مقيمين في مؤسسات تعليمية أمريكية في عام 2002م.

صعود وسقوط نزعة معاداة أمريكا

يقول المؤلف: إن جاذبية الولايات المتحدة هبطت هبوطًا حادًا في عام 2003م على الرغم من وفرة مواردها بشكل مثير للعجاب، فعندما بدأ العد التنازلي للحرب على العراق، أظهرت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة أنها خسرت نحو ثلاثين نقطة تأييد في معظم البلدان الأوروبية، بل كانت مستويات التأييد أقل حتى من ذلك في البلدان الإسلامية، وبعد الحرب كانت هناك صور غير مواتية لأمريكا لدى أغلبية الناس فيما يقرب من 19 بلدًا تم مسحها، وقال معظم أصحاب الآراء السلبية: إنهم يلومون سياسات إدارة "بوش"، وليس أمريكا عمومًا. 

الثقافة كمصدر للقوة الناعمة

أثناء حرب الخليج انفردت بالميدان شبكة "cnn"، و"هيئة الإذاعة البريطانية"؛ فاحتكرتا تحديد إطار القضايا، وعلى سبيل المثال، فإن غزو العراق للكويت تم وصفه على أنه عدوان عراقي وليس استرجاعًا لمقاطعة الكويت المفقودة، كما رآه العراقيون، (وقد وضعت الهند غزوًا لمقاطعة غوا القديمة التابعة لها في إطار مماثل بالطريقة نفسها، فلم يكن هناك أي رد فعل دولي على ذلك)، وبحلول وقت حرب العراق صارت محطة "الجزيرة" وغيرها منافسين فاعلين في تحديد إطار القضايا، وعلى سبيل المثال، فإن صورة القوات المتحركة كان يمكن وصفها بدقة في محطة الـ"cnn" بأنها "تقدم قوات التحالف"، بينما تصف محطة "الجزيرة" الصورة نفسها بأنها "تقدم القوات الغازية"، فكانت النتيجة الصافية هي الانتقاص من قوة أمريكا الناعمة في المنطقة عند مقارنة حرب عام 2003 بحرب عام 1991م.

البراعة في استخدام القوة الناعمة

يقول المؤلف: إن الحكومات تستخدم القوة العسكرية كي تصدر التهديدات وتقاتل، وكي تحقق بمزيج من الحذق والحظ النتائج المرغوبة في غضون زمن معقول، والقوة الاقتصادية كثيرًا ما تكون قضية واضحة صريحة بالمثل، فالحكومات تستطيع أن توزع الرشى والمساعدات على الفور، والبراعة في استخدام القوة الناعمة صعب؛ لأن كثيرًا من مصادرها الحساسة ذات الأهمية ليست تحت سيطرة الحكومات، وتعتمد تأثيراتها كثيرًا على قبول الجمهور المتلقي لها، وعلاوة على ذلك، فإن مصادر القوة الناعمة كثيرًا ما تعمل بصورة غير مباشرة، عن طريق تشكيل الهيئة السياسية، وتستغرق في بعض الأحيان أعوامًا كي تعطي النتائج المرغوبة. 

القوة الناعمة والسياسة الخارجية

في الختام، يقر المؤلف أن مشكلة خلق إمبراطورية أمريكية ربما كان من الأفضل تسميتها "تقليص الامتداد الإمبراطوري"، فلم يثبت أن لدى الجمهور أو الكونجرس استعدادًا للاستثمار الجدي في أدوات بناء الأمم وحسن سياستها كبديل للقوة العسكرية، فالميزانية الكلية لوزارة الخارجية (بما فيها وكالة التنمية الدولية) تعادل 1% فقط من الميزانية الاتحادية، فالولايات المتحدة تنفق على شؤونها العسكرية سبعة عشر ضعفًا مما تنفقه على القضايا الخارجية، وليس هناك دليل يذكر على أن ذلك على وشك أن يتغير في فترة خفض الضرائب وحالات عجز الميزانية.

الرابط المختصر :