العنوان قراءة هادئة في آثار الـنــزاع العراقي الإيراني
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 07-أكتوبر-1980
مشاهدات 21
نشر في العدد 500
نشر في الصفحة 16
الثلاثاء 07-أكتوبر-1980
- الحرب العراقية الإيرانية قد تطول وتتحول إلى حرب استنزاف أو حرب عصابات.
- الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي يجدانها فرصة لعمل «يالطا» جديدة!
أسبوعان قد مضيا على اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية ولما تضع الحرب أوزارها، مع أن كثيرًا من المراقبين الغربيين توقعوا ألا تتجاوز أسبوعًا أو عشرة أيام ومع اتساع نطاق الحرب وشمولها للأهداف والمنشآت العسكرية والاقتصادية تثور أسئلة لا مفر منها، ولابد من محاولة الإجابة عليها بهدوء و«برودة» بعيدا عن التوتر والعواطف ووقع الأحداث إلى أي مدى وإلى أين؟ وما هي انعكاسات هذه الحرب على المستقبل السياسي عربيا ودوليا؟
تشير التقارير السياسية الواردة من بغداد وطهران، ومن عواصم غربية كما تناقلتها وكالات الأنباء، كما تفيد أنباء القتال المستمر بين الطرفين، والذي مضى عليه أسبوعان إلى أن العراق وإيران يستعدان لحرب طويلة الأمد.
وبعد أن توغلت القوات العراقية ما يزيد عن مائة كيلومتر في الحدود الإيرانية، وعرضت وقف القتال من طرف واحد رفضت إيران العرض، واشترطت انسحاب القوات العراقية أولا دون قيد أو شرط، وهذا ما لم توافق عليه العراق.
وتشير المعلومات المتوافرة عن محاولة كل من الرئيس الباكستاني ضياء الحق وياسر عرفات للتوفيق بين البلدين أنها باءت بالفشل. ويقول مراقبون غربيون أن الحكومة الإيرانية لا تزال تعتبر «حكومة ثورة» مما يستبعد أية فرصة للوساطة أو المفاوضات.
ويمضي أسبوعان كاملان على الحرب التي شملت تدمير المنشآت الاقتصادية والحيوية في كلا البلدين، وعدم انتصار حاسم لفريق على الآخر؛ يتعزز احتمال اتساع دائرة القتال وامتداد أمدها، ويتوقع مراقبون عسكريون أن الحرب قد تتحول إلى حرب استنزاف؛ وذلك بسبب حاجة الطرفين إلى ذخيرة وقطع غيار باستمرار وخاصة إيران التي قطعت أميركا عنها قطع الغيار منذ ظهور أزمة الرهائن.
احتمالات:
ومع أن المعلومات تشير إلى ما سبق، إلا أن الحرب كالنار لا أحد يستطيع أن يراهن عليها وهناك تكهنات واحتمالات قد تمهد الحرب لتحققها.
تقول صحيفة الإكسبرس الفرنسية: أنه هناك احتمالًا مليئًا بالمخاطر بالنسبة للغرب، ومع ذلك فهو أقل الاحتمالات تشاؤما، ويمكن تصوره بالصورة التالية: أن تتوقف المعارك بسرعة بعد أن يكون الجيش الإيراني قد تلقى ضربة قوية، ويكون العراق قد اكتفى بالاستيلاء على بعض المناطق الحدودية، وعلى الجزر الثلاث في مدخل مضيق هرمز بعد ذلك يدعم العراق موقعه كدولة غير منحازة بعيدة عن السوفيات، وتحظى بدعم أوروبا الغربية، ويلاحظ في هذا الصدد أن العراق قد بنى علاقات جيدة مع فرنسا وصلت إلى حد التعاون النووي، كما أن النشاط التجاري مع أوروبا عموما ومع فرنسا وإنكلترا، خصوصا قد تحسن بشكل ملحوظ خلال السنتين الأخيرتين. ويضيف مراقبون أن أوروبا التي أخذت تحاول الانفكاك من نتائج الوفاق الأميركي السوفياتي سوف تغتنم أية فرصة لتحسين علاقاتها الاقتصادية مع دول المنتجة للنفط خارج إطار تقسيم مناطق النفوذ بين أميركا وروسيا!!
وهناك احتمال آخر هو «أن تستمر المعارك وعمليات التدمير الواسعة للمنشآت النفطية على جانبي شط العرب، وأن يؤدي ذلك إلى تمزق إيران، وإلی تدخل السوفيات فيها بتغطية من معاهدة ۱۹۲۱ التي ما تزال قائمة بين روسيا وإيران، والتي تخول موسكو التدخل في إيران في حال تعرض مصالحها الحيوية للخطر «
وقد ذهب بعض المحللين إلى حد أن يتفق العراق والاتحاد السوفياتي إلى مواصلة الحرب بحيث يؤدي تغلغل القوات العراقية في إيران إلى «يالطا» جديدة يحصل السوفيات فيها على حصة الأسد. ويعزز هؤلاء رأيهم بارتباط الجيش العراقي بالأسلحة السوفياتية وافتتاح سفارة أفغانستان في بغداد!!
ولكن هذا الاحتمال يبدو أنه بعيد فالعلاقات العراقية السوفياتية أصابها شيء من الفتور خلال السنتين الأخيرتين، كما أن الحزب الشيوعي قد عزل عن مسرح الحياة السياسية في العراق: ويميل المختصون بالشرق الأوسط من المراقبين الغربيين إلى أن الاحتمال الأول هو الأرجح؛ خاصة وأن العراق التي استطاعت أن تقوي علاقاتها بدول الخليج عازمة على أن يكون لها دور قيادي في السياسة الخليجية والعربية، لا يمكن أن تضحي بذلك من أجل سواد عيون السوفيات، كما أن العراق لا زال يعلن عن رغبته في تجنيب الخليج صراع مناطق النفوذ.
مخاطر دولية:
هذه خلاصة آراء المراقبين بعد مضي أسبوع واحد على اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، ولكن الخط الذي بدأ يلوح في الأفق هو تطور هذه الحرب واتساع نطاقها بحيث تتدخل القوى الدولية لتضع حدا لها. وقد بدأت بوادر ذلك بتواجد القوات الأميركية في الخليج والمحيط الهندي وتبادل الاتهامات بسوء النوايا بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
وإذا كانت أميركا تستطيع التدخل بحجة حماية مضيق هرمز، وبالتنسيق مع الغرب كما بدأت خطوات في هذا السبيل، فإن احتمال تدخل الاتحاد السوفياتي وارد من داخل إيران فاليسار الإيراني الذي ركب موجة الثورة، ووفر قواه للوقت المناسب قد يتحرك الآن لاستغلال ظروف الحرب وإسقاط حكم الخميني، وفي تحليل لصحيفة لونوفيل أوبسرفاتور الفرنسية جاء أن كلا من موسكو وواشنطن، وأن ظهرتا بمظهر المحايد، إلا أنهما يتفقان على إسقاط نظام الخميني في إيران، ولذلك كما ترى الصحيفة، فإنهما سيتدخلان ضمن سياسة الوفاق في اللحظة المناسبة. وتقول الصحيفة «إن الأوروبيين يعرفون الآن أن عليهم أن يدفعوا غاليا ثمن هذه الاضطرابات التي تهز الشرق الأوسط، والتي ستؤدي حتما إلى «يالطا» جديدة على صعيد العالم بأسره تكون أوروبا مستثناة منها...»
وهذا الذي قالته الصحيفة الفرنسية سبق أن حذر منه ميشيل جويبر وزير الخارجية الفرنسية السابق عندما قال في ندوة عقدتها مجلة الحوادث اللبنانية: «هناك محادثات جارية ضمن مفاوضات سالت - بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي مفادها بأن تصبح إيران ضمن الفلك السوفياتي»!! فهل تكون الحرب الدائرة الآن ضمن هذا السياق؟!
كل شيء جائز وعند ذلك تكون أميركا التي استقرت في تركيا قادرة على عرض خدماتها على دول المنطقة التي تخشى السوفيات الذي أصبح على حدود آبار النفط وساعتئذ كما يقول مراقبون: فلن يكون بوسع دول الخليج لي الترحيب بالعرض الأمريكي!
وماذا على المستوى العربي؟
وإذا صدقت توقعات المحللين، فإن العالم العربي سيشهد حركة تمحور سياسي نشط ربما يتعمق تبعا لها الخلاف العراقي السوري، والأردني - السوري وإن كانت هناك محاولات لرأب الصدع وتنقية «البيت العربي»!! وبغض النظر عن نتيجة الحرب العسكرية، فإن من المتوقع أن تسوء العلاقات الإيرانية - العربية سواء بقي الحكم الحالي في إيران، أم تغير مهما قيل من تسويفات في المستقبل لاندلاعها. والذي يستحق التنويه والذكر هو أن العراق سيكون مشغولا طوال السنين الخمس أو العشر القادمة، بإعادة بناء منشآته النفطية والاقتصادية التي دمرتها الحرب، كما سيكون مضطرا للتركيز على قضايا التنمية الاجتماعية والتكنولوجية التي تأثرت كثيرا بالحرب وانشغال العراق بإصلاح اقتصاده لسنوات قد تطول يعني بصورة أو بأخرى تصدع الجبهة الشرقية وانخفاض موجة» النزاع العربي -الصهيوني».
فرصة مواتية!
وقد وجدت إسرائيل في الحرب العراقية الإيرانية فرصة مواتية لمحاولة إقناع الغرب بفك الارتباط بين «نفط العرب» وتسوية في الشرق الأوسط يكون للفلسطينيين فيها نصيب. وقد فرح بيغن باندلاع الحرب باعتبارها على حد تعبيره بين عدوتي إسرائيل)
أما وزير الخارجية الإسرائيلي، فوجد فرصة مواتية ليعلن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الحرب العراقية الإيرانية قد هدمت الاعتقاد القائل بإمدادات النفط العالمية تعتمد على حل مؤيد للعرب في الشرق الأوسط»
وماذا في إيران؟
يقول الدكتور عبد الله النفيسي في مقال له في صحيفة الوطن يوم ۱۹۸۰/۱۰/۱ «على المستوى الإيراني ستنعكس هذه الحرب بصورة سلبية للغاية لن تخدم في النهاية العلاقات العربية -الإيرانية. ويتوقع أن يضعف الخط والنهج المعتدل الذي يمثله الرئيس أبو الحسن بني. صدر في السياسة الإيرانية لصالح منهج آخر سيلعب فيه رجال الدين الشيعة «آيات الله» الدور الرئيسي، مما سيحرك القوى السياسية الأخرى وبالأخص اليسارية التي بدأت هذه الأيام - وفي إطار الحرب الحالية وما أفرزته من ظروف استثنائية على الساحة الإيرانية- تستعيد أنفاسها بعد تحقق الفشل الإداري الذريع للإدارة الحكومية، والتي لرجال الدين غير الأكفاء نفوذ كبيرة فيها.... والداخل الإيراني قد يشهد من جديد تحرك الأقليات من أكراد وبلوش وتركمان وعرب؛ مما يعرض إيران المزيد من التفسخ الداخلي».
والذي يقوله الدكتور النفيسي ليس بعيدا عن التحليل السابق خاصة ما يتعلق بدور الاتحاد السوفياتي وتحرك اليسار.
المستفيد والخاسر:
وإزاء الاحتمالات السابقة للحرب العراقية الإيرانية يتبين أن المستفيد الأكيد من هذه الحرب هم أعداء هذه الأمة فالنتيجة الأكيدة هو أن كلًا من البلدين سيضعف، وفوق ذلك فإنهما سيسارعان إلى التزود بالأسلحة من جديد وإصلاح منشآتهما النفطية… والسلاح والتكنولوجيا مصدرها الغرب أو الشرق، وفي كلا الحالين فهما من الطامعين في خيرات الأمة الإسلامية والشامتين في ضعفها وتقهقرها.
وفي الجانب الآخر، فإن الخاسر الأكيد هو الشعوب. فالحرب العراقية الإيرانية على حد تعبير عبد الله الطريقي خبير البترول العربي المعروف قد دمرت ما بنياه العراق وإيران في عشرين عاما.
وإذا أضفنا إلى ذلك الضحايا البشرية الهائلة من عسكريين ومدنيين لتبين أن الواجب والمنطق المتعقل يوجب على الطرفين التبصر والتحسب للمستقبل وإنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن، وقبل فوات الأوان وبالتأكيد سيكون ممكنا فض النزاع الحدودي ضمن المفاوضات أو القنوات العربية والإسلامية؛ لو خلصت النوايا، وزالت عن العيون الغشاوة فهل يعقلون؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل