; قصة حزب «البعث»..تطورات النشأة ومرتكزات الفكرة وسيرة المؤسسين | مجلة المجتمع

العنوان قصة حزب «البعث»..تطورات النشأة ومرتكزات الفكرة وسيرة المؤسسين

الكاتب مصطفى محمد طحان

تاريخ النشر السبت 07-مايو-2011

مشاهدات 25

نشر في العدد 1951

نشر في الصفحة 22

السبت 07-مايو-2011

الفكرة بدأت بـ عصبة العمل القومي عام ١٩٣٣م.. ثم الحزب القومي العربي بزعامة زكي الأرسوزي عام ۱۹۳۹م.. ثم حزب البعث العربي عام ١٩٤٣م بزعامة ميشيل عفلق و صلاح البيطار

زعم حزب البعث في بداياته أنه مع الدين وأن الرسالة الخالدة ليست سوى الإسلام.. وكان يزعم أنه حزب للحريات ومعاد للاستعمار ... لكن حقيقته بعيدة كل البعد عن مثالياته

المؤسسون:

زكي الأرسوزي : كتب عنه تلميذه سامي الجندي ، فقال : كان متمرداً على كل القيم القديمة عدوا لكل ما تعارف عليه البشر ألحد مع مريديه بكل الطقوس والعلاقات والأديان

ميشيل عفلق : نصراني بطيء الفهم متردد في اتخاذ القرار.. ذكاؤه ينحصر في قدرته على الاحتفاظ بمنصبه.. مثله الأعلى الفكر الفرنسي.. كان مع الشيوعية يوم كان « أندريه جيد معها وتركها عندما تركها فيلسوفه المفضل

قال الشاعر السوري بدوي الجبل:

بدْعَةُ الذُّلِّ حِينَ لا يذكر *** الإ نسانُ في الشامِ أَنَّهُ إِنسانُ

بدعةُ الذُّلِّ أن يُصاغ من ال ***  فرد إلهُ مُهَيْمِنْ دَيَانُ

يا لها دولة تَعَاقَبُ فيها ***  كالجناة العقول والأذهان

أين حُرِّيتي فلم يبقَ حُراً *** من جهير النداء إلا الأذان؟

سبة الدهر أن يُحَاسَبَ فكر *** في هَوَاهُ وَأَنْ يُغَلَّ لسانُ

لا يُهينُ الشعوبَ إِلا رِضَاهَا *** رضي الناس بالهوان فهانوا

هكذا هو الأمر في سورية فالحكم الدكتاتوري الصارم المستمر في بلادنا لم يسلب شعبنا حريته وكرامته وأمنه ورزقه فقط وإنما سلبه إنسانيته أيضاً، وكيف تبقى لإنسان أو شعب إنسانيته إذا حرم الحرية والكرامة وحقه الطبيعي المشروع في التفكير والشعور والاختيار الحر، وإمكانية التعبير المشروع عن الفكر والشعور والرأي والعمل المشروع المسؤول لتجسيد ذلك في عالم الواقع.

إن هذا الوضع القائم في بلادنا الآن لا يمكن أن يدوم، ولا يجوز أن يدوم، ولا نقبل أن يدوم.

اسمعوني جيداً، فأنا صادق معكم، ناصح لكم ولا تستمعوا إلى المرائين والمنافقين والانتهازيين الذين سينقلبون عليكم عندما تنقلب الأمور.

شعبنا يريد التغيير، لا ما تحاولونه الآن من الترقيع والتسكين.

وأنتم يا إخواننا وأخواتنا .. يا شبابنا وشاباتنا .. يا فتياننا وفتياتنا.. يا أفلاذ أكبادنا .. يا صناع تحرّرنا ومستقبلنا.

يا من خرجتم وتخرجون في درعا ودمشق وحمص وحلب وبانياس والقامشلي ومدن ومناطق أخرى.. تتحدون بصدوركم العارية وأيديكم الفارغة الخوف والإرهاب والقمع والبطش والرصاص والموت، لتشتروا بأمنكم وسلامتكم ودمكم لأمتكم وبلادكم الحرية والعزة والمستقبل الكريم.. رجاؤنا إليكم ومناشدتنا لكم أن تحافظوا أشد المحافظة على سلمية حركتكم، وألا تستدرجوا أبداً إلى عنف أو تخريب أو انتقام، فثورتكم السلمية النقية ثورة لرفع الظلم والطغيان عن الجميع وتحقيق العدل والمساواة والحرية للجميع ولم شتات البلاد كلها كلها، بمختلف أديانها وأعراقها وأطيافها، على أساس جديد من المواطنة والمساواة والعدل والإحسان، والمودة والتآلف والتعاون على الأهداف المشتركة وعلى خير البلاد كل البلاد.

أخي القارئ.

بهذه المقدمة الرائعة التي كتبها الأستاذ عصام العطار ابن دمشق الذي. ظروف سوريا أن يعيش وحيداً بعيدا في بلاد الاغتراب.. سأتحدث فيما يلي عن الأحداث في سوريا، وما دهاها وما أصابها، ولكن الحديث قد يطول، وسأقدمه لك على حلقات كلما سنحت الظروف إن شاء الله.

حزب البعث العربي

كان حزب البعث العربي أهم الأحزاب السياسية التي تبنت القومية العربية، ونادت بالوحدة العربية في أوائل الأربعينيات من هذا القرن.

وإذا اختلف الكتاب في نشأة هذا الحزب إلا أنهم لم يختلفوا في منطلقاته الفكرية والأيديولوجية... ف ميشيل عفلق هو مفكر ومنظر الحزب الأول والأخير، وكتاباته هي الشاهد على هذا الحزب له أو عليه.

وإذا كان جلال السيد وهو أحد أربعة شكلوا حزب البعث» بالإضافة إلى صلاح البيطار»، و«مدحت البيطار وميشيل عفلق، يقول: «إن فكرة البعث كانت نتيجة مداولات طويلة بينه وبين عفلق» في البداية ثم انضم إليهما «صلاح الدين البيطار و مدحت البيطار، بعد ذلك، وأن الاجتماعات بينهم كانت يومية ومكثفة وصريحة حتى وصل الأمر إلى حد الاعتقاد بأن أفكارنا واحدة لا خلاف حتى في جزئياتها وتفاصيلها وفرعياتها، وقد اتخذ الأربعة المذكورون من أنفسهم لجنة تنفيذية لحزب البعث العربي وأعلنوا المباشرة بالتنظيم وقبول المنتسبين وكان ذلك عام ١٩٤٣م.

ولـ سامي الجندي أحد أوائل الذين اشتركوا بالتأسيس له رأي آخر.. حيث يقول: إن عام ١٩٣٣م شهد مولد «عصبة العمل القومي بزعامة الأستاذ عبدالرزاق الدندشي وخلال عمرها القصير الذي امتد حتى عام ١٩٤٠م ضمت أعدادا كبيرة من الشباب القومي، وإن «زكي الأرسوزي»

الذي كان يقود المقاومة في لواء الإسكندرون كان أعطى العصبة زخما وقوة كبيرين، وإن انسحابه منها عام ١٩٣٩م كان سبباً لانهيارها، وإنه (أي الأرسوزي) أسس فيما بعد «الحزب القومي العربي، وكانت مبادئه:

 -  العرب أمة واحدة.

للعرب زعيم واحد يتجلى عن إمكانيات الأمة العربية يمثلها ويعبر عنها أصدق تعبير.

- العروبة وجداننا القومي، مصدر المقدسات عنه تنبثق المثل العليا وبالنسبة إليه تقدر قيمة الأشياء.

- العربي سيد القدر.

وانتهى هذا الحزب وتفرق رواده بعد سفر المعلم «الأرسوزي» إلى العراق، وفي نوفمبر ١٩٤٠م (ذكرى سلخ لواء اسكندرون) التقى ستة نفر منهم الأرسوزي، وعبد الحليم قدور، وسامي الجندي»، وشكلوا «حزب البعث العربي، الذي ما لبث أن تفرق أنصاره، وفي عام ١٩٤٣م أسس ميشيل عفلق» و«صلاح البيطار، حزبا حمل اسم « البعث، تارة، وحركة الإحياء العربي، تارة أخرى.. وهكذا قام بعث عفلق على أنقاض بعث الأرسوزي والتوفيق بين الرأيين ممكن إذا علمنا أن الأرسوزي كثير التردد سريع التنقل، ففي سنة واحدة أسس أكثر من حركة ثم تركها تتلاشى، ولا يبعد أن يكون هو الذي أطلق كلمة البعث»، ثم تبناها غيره فيما بعد. المهم أن حزب البعث العربي، الذي مارس دورا رئيسا في أحداث سوريا، وفي أحداث العالم العربي فيما بعد، هو الحزب الذي أسسه ميشيل عفلق عام ١٩٤٣م ثم أعلن عنه رسميا عام ١٩٤٧م، فلقد عقد في دمشق في السابع من أبريل عام ١٩٤٧م المؤتمر التأسيسي الأول، اشترك فيه جميع الأفراد الذين انتسبوا للحزب من سوريا ولبنان، وكان عددهم لا يتجاوز مائة عضو، ترأس الاجتماع عضو اللجنة التنفيذية «جلال السيد»، وقد برز في المؤتمر تياران؛ الأول: وصف بالاعتدال يتزعمه ميشيل عفلق» و صلاح البيطار»، والثاني: وصف بالتطرف يتزعمه «د، وهيب الغانم، الذي كان يصر على إبراز الهوية الاشتراكية للحزب.

أجنحة الحزب :

الجناح اليميني: يرى أن القبيلة العربية هي التي تمثل حقيقة القومية العربية.. وأنها مؤتمنة على الأخلاق والتقاليد العربية

الجناح اليساري سيطرت عليه فئة من الماركسيين والمتحللين اندسوا في صفوفه حتى أصبح الحزب كليا في أيديهم

جناح الأرسوزي: أكثريته من الشباب النصيريين وهو تيار مستهتر بالدين ويعتبر الإسلام قدحة من قدحات زناد الأمة العربية

الجناح القومي المعتدل وهم أولئك النفر الذين ينساقون وراء الدعوات العاطفية فيأخذوا ظاهرها ويجهلوا حقيقتها

أهم النقاط التي دارت حولها المناقشات هي:

موقف حزب البعث من الدين والرجعية الدينية.

مفهوم الوحدة والسياسة الخارجية على الصعيد العربي.

- الحرية الفردية

 مفهوم الاشتراكية العربية.

ولقد انتهى المؤتمر بعد إقرار دستور الحزب وانتخاب لجنته التنفيذية الجديدة التي تشكلت من «ميشيل عفلق»، و«البيطار و جلال السيد»، و«وهيب الغانم، واعتبر هذا التاريخ هو الميلاد الرسمي لحزب البعث العربي».

تيارات داخل الحزب

في المؤتمر التأسيسي لحزب البعث وأثناء إقرار دستوره، برزت تيارات رئيسة لا بأس من الإشارة إليها؛ لأنها ستؤثر على مجريات الأحداث القادمة في حزب البعث العربي الاشتراكي.

 أولا: الجناح اليميني

وكان يمثله عضو اللجنة التنفيذية «جلال السيد»، وإلى حد ما «مدحت البيطار» أحد مؤسسي الحزب كذلك.. يقول مصطفى الدندشلي في كتابه عن البعث: إن «جلال السيد كان مؤيدا للعراق الهاشمي ويعمل للاتحاد معه وإليه يرجع السبب في الإشادة بثورة الشريف حسين عام ١٩١٦م في دستور البعث الذي أقر عام ١٩٤٧م. كان هذا الاتجاه يرى أن القبيلة العربية هي التي تمثل حقيقة القومية العربية، فهي ما زالت - على حد زعمه - مؤتمنة على الأخلاق العربية والتقاليد العربية، كما كان يرى أن سياسة الحياد التي ينادي بها حزب البعث جزء من لعبة الاتحاد السوفييتي، وكان ينادي بالتعاون مع دول العالم الإسلامي باعتباره رصيدا كبيرا ينبغي استثماره وأكد جلال السيد أن الوحدة العربية لم تكن مرتبطة بحزب البعث بأي شرط من الشروط، بل إن الاشتراكية هي أحد عوائق هذه الوحدة الشاملة.

ومع الزمن تخلص الحزب من هذا الاتجاه اليميني، كما تخلص من جميع الوثائق الرسمية التي تحمل اسم، جلال السيد، وحتى المفاهيم الأساسية عن الحرية والوحدة أصبحت مرتبطة بالاشتراكية وليس بأي عامل قومي.

ثانيا: الجناح اليساري:

يؤكد مصطفى الدندشلي في كتابه عن البعث أن «وهيب الغانم، هو الذي كان يمثل هذا التيار، وأنه عكف على هذا الفكر اليساري الاشتراكي ابتداء من بروز الاشتراكية السوفييتية بعد انتصارات ستالينغراد.. وأن «عفلق» و«البيطار، زاراه في بلده اللاذقية وتناقشا معه لمدة طويلة، حتى اقتنع «عفلق» رغبة منه في إنشاء حزب موحد. ويصف جلال السيد هذا الجناح فيقول: هناك فئة من الماركسيين والمتحللين اندسوا في صفوف الحزب من غير إعلان وبعدما سار الحزب ردحا من الزمن، فإن الفئة المحافظة اختنقت بمناخ الحزب الجديد، فانسحب أفرادها بالتدريج إلى أن أصبح الحزب كليا من اليساريين على تفاوت في درجات تطرفهم وتعصبهم للماركسية.

ثالثاً: جناح الأرسوزي:

ويمثل هذا الجناح فئة من الشبان تأثروا بمنهج «الأرسوزي، وانطبعوا بأفكاره و الأرسوزي قائد طائفي، وأكثر الشباب الذين تأثروا به من النصيريين الذين نزحوا من اللواء وانتقلوا إلى دمشق، وأشرف الأرسوزي عليهم مباشرة مادياً ومعنوياً. كان هذا التيار معادياً للإسلام مستهتراً بالدين يعتبر الإسلام قدحة من قدحات زناد الأمة العربية وناحية من نواحي عبقريتها، وهو ليس بالأمر المهم إذا قيس بالأمة العربية فالعصر الجاهلي هو عصر هذه الأمة الذهبي، بل أكثر من ذلك فالإسلام بغيض لهؤلاء؛ لأن الأتراك مسلمون، وكل مسلم فهو تركي، والأتراك هم الذين حاربوا القومية العربية في لواء الأسكندرون الذي جاء الأرسوزي» منه.

ويعتقد الكثيرون أن هؤلاء لا يؤمنون بغير طائفيتهم، ولو نادوا بشعارات العروبة والقومية والإنسانية ويكفي أن نعرف أنه بعد سيطرة الطائفيين على حزب البعث أحلوا «الأرسوزي، أبا روحيا للحزب بدل ميشيل عفلق» تنفيذاً لخطة قديمة بعد تمهيد طويل، بدأ قليلاً بعد انقلاب ۸ مارس ١٩٦٣م، فلقد كان المدني الوحيد الذي يزور القطاعات العسكرية ويحاضر فيها، بينما حجبت حجباً كاملا عن المدنيين القياديين في الحزب، أيقظوا فيه طموح الشباب والانتماء الطائفي.

يقول سامي الجندي: يتساءل الناس هل يو (أي الأرسوزي) طائفي أم لا؟ قد يكون وقد لا يكون أميل للاعتقاد أنه غير طائفي ولكنه مسؤول عنها اعتمد عليها ونظمها وجعلها حزباً وراء الحزب.

رابعا: الجناح القومي المعتدل:

وهم أولئك النفر الذين ينساقون وراء الدعوات العاطفية فيأخذوا ظاهرها، ويجهلوا حقيقتها، فيتركوا مواقعهم كلما توضحت لبعضهم حقيقة الصورة.. فحزب البعث في بداياته كان يزعم أنه مع الدين وأن الرسالة الخالدة ليست سوى الإسلام، وكان يزعم أنه حزب للحريات ومعاد للاستعمار، وأنه حزب وحدوي. فلما تبين لهؤلاء مواقف الحزب الحقيقية البعيدة كل البعد عن مثالياته تركوه وها هو أحد أركان البعث يقول فيه: «من كان يظن منا أن يوما يأتي نخجل فيه من ماضينا نفر منه كذنب اقترفناه عن عمد فيلاحقنا في عيون البشر احتقارا، آثار التعذيب الوحشي في الأجساد أرقني أين وصلت عشائر البعث العربي الاشتراكي».

كلمة حول المؤسسين

وقبل أن ندخل في تفصيلات هذا الحزب، يحسن بنا أن نعطي فكرة مبسطة عن مؤسسيه وخاصة أولئك الذين تركوا بصماتهم على فكره ومواقفه.

زكي الأرسوزي:

كتب عنه تلميذه «سامي الجندي» فقال: كان «الأرسوزي» زعيم المقاومة العربية في لواء اسكندرون، استقطب إعجاب شباب سوريا وتأييدهم قاطبة، وغدا رمزا وطنيا ، كان أول من جاء للسياسة بتحليل متأثر بالثقافة والفكر الأوروبي، انضم إلى عصبة العمل القومي وانسحب منها وحاول بالاشتراك مع ميشيل قوزما» و«عفلق» و«البيطار» و إليس قندلفت إنشاء منظمة حزبية، ولكن الاجتماعات فشلت ولم تسفر عن شيء، ثم أسس الحزب القومي العربي، الذي ما لبث أن تلاشى، ثم أسس عام ١٩٤٠م حزباً آخر أسماه حزب البعث العربي... من أفكاره أن للعرب زعيما واحدا هو صورة علمانية حديثة لإمام الزمان الذي يقتدى به بالصلاة، ويطاع فيما يقضي فيه، فهو الحاكم السياسي الديني.. العروبة عنده هي الوجدان القومي الذي انبثقت عنه المقدسات، كان يعتبر نفسه ذروة المنحنى العربي، بل هو الذي أعطاه معناه الفلسفي والحضاري، كان متمرداً على كل القيم القديمة عدوا لكل ما تعارف عليه البشر، الحد مع مريديه بكل الطقوس والعلاقات والأديان.. اتهمنا (ما زال الحديث لـ سامي الجندي، عن أستاذه بالإلحاد وكان ذلك صحيحاً، كنا عرقيين معجبين بالنازية فقرأنا كتبها ومنابع فكرها وخاصة «نيتشه و فيخته» و«تشمبرلين» و«داره... كان يرى الجاهلية مثله الأعلى، يسميها المرحلة العربية الذهبية تبنى كل ما كان جاهلياً في الإسلام، كان إنسان الرفض ورفضنا معه، ناقشته سنة ١٩٤٦م بالقرآن فعاب علي نزعتي الدينية قائلا: أنت راهب في ثياب ثوري اعترضت قائلاً: إن الإيمان بالأفكار هو ديني الملامح، فأجاب: إن الثورة نفسها إيمان صوفي، وجدتُ أنه لم يقرأ القرآن، وقد لا يعلم كثيرون أنه بدأ يدرس اللغة العربية عام ١٩٤٠م، وقبل ذلك كان يفضل الحديث بالفرنسية، كان متوتر الأعصاب يقضم نفسه، وبدأ الشك يسيطر عليه على منطقه حتى غدا مريض الاضطهاد كل من حوله جاسوس». كان أقرب إلى التفكير النازي، بل إنه أقرب إلى التفكير الروماني في تقسيم الناس إلى عبيد وسادة.

هذا هو زكي الأرسوزي، فيلسوف حزب البعث رجل طائفي نصيري، متقلب، متشنج لا يعرف لغة العرب، ولا يثق بأحد حتى بأقرب الناس إليه مثله الأعلى الجاهلية وزعيمه الأعظم امرؤ القيس الشاعر العربي.. درس الفلسفة في «السوربون وتأثر بالفلاسفة برغسون نیشه، فيخته ديكارت وكانت.

 ميشيل عفلق :

المؤسس الحقيقي لحزب البعث العربي طبع الحزب بطابعه الشخصي وأثر فيه تأثيراً عميقاً، ليس فقط على الصعيد الأيديولوجي بل وعلى صعيد التنظيم الحزبي والعمل السياسي واتخاذ المواقف، من هنا لدراسة حزب البعث دراسة عميقة وصحيحة ينبغي أن ندرس حياة مؤسسه ومنظره «عفلق»، ولبلوغ ذلك يمكننا أن نتناول الموضوع بالتركيز على مظاهر ثلاثة: الاهتمامات الأدبية له عفلق، وعلاقاته مع الماركسية وأخيرا الملامح المميوة لشخصيته.

البدايات الأدبية لـ عفلق

بعد عودته إلي دمشق بعد أن أمضي قرابة أربعة أعوام في باريس( 1929- 1933م) أظهر ميشيل عفلق أهتماما كبيرا بالقضايا الأدبية وكان ينظر إليه في ذلك الوقت كقصاص وشاعر كان أحد مؤسسي مجلة الطليعة الشيوعية ومن كتابها بالإضافة إلى «يوسف» يزبك كامل عياد ورشوان عيسى ورئيف خوري، وكان هؤلاء من بين الأعضاء الأوائل للحزب الشيوعي السوري كما أنه كان يكتب في جريدة «الأيام» التي يغلب عليها الاتجاه الشيوعي.

تأثر بالكتاب الفرنسيين أمثال أندريه جید، رومان رولان، ولقد صرح لجريدة «الأيام» أنه قلما يقرأ القصص العربية، لأني لا أجد فيها نفسي (والحديث له عفلق)، أما إذا اشتقت أن أسمع صدى نفسي فأنشده في قصة فرنسية أو روسية».

علاقاته مع الشيوعية

يدعي الشيوعيون أنه ما بين ١٩٤٠ و ١٩٤٥م كان عفلق» عضواً في الحزب الشيوعي السوري، وأنه طرد منه على إثر صدام احتدم بينه وبين خالد بكداش على مركز الأمانة العامة للحزب.

ولقد كتب صلاح البيطار، و عفلق عام ١٩٤٤م نشرة بعنوان: «القومية العربية وموقفها من الشيوعية»، يقولان فيها بعد فترة قصيرة من الإقامة في باريس لاحظا أن التعاطف مع قضية بلدهما لم يكن يأتي إلا من جانب الشيوعيين وبعض النواب الاشتراكيين في البرلمان الفرنسي، وكان ذلك هو السبب الذي حببهم إلينا، وبعد العودة إلى الوطن كان من الطبيعي (والحديث مازال لهما أن يوحدا جهودهما مع الحركة التقدمية الممثلة في ذلك الوقت بالحزب الشيوعي السوري الناشئ، ويظهر أن كلا من البيطار» و«عفلق» قد توقفا عن الاستمرار مع الشيوعيين خاصة بعد أن نشر أندريه جيد ملهمهما والذي كان عضوا في الحزب الشيوعي الفرنسي ما بين ۱۹۳۱ - ١٩٣٦م كتابه العودة من الاتحاد السوفييتي» عبر فيه عن خيبة أمله نتيجة للفارق الفاصل بين الصورة التي رسمها عن روسيا السوفييتية والواقع السياسي للنظام القائم، وأن روسيا لم تحتفظ بالشيوعية الأممية إلا في دعايتها الخارجية، وأنها في الداخل أمة تمشي حثيثة الخطى نحو نظام خاص بها، وتتهيأ للتوسع شأنها شأن غيرها من الدول الكبرى من أجل ذلك والحديث ما زال لهما لا نالو جهدا في مكافحة الشيوعية وتحذير النشء العربي من خطرها.

الملامح المميزة لشخصية عفلق

ولد «عفلق» عام ۱۹۱۰م في حي الميدان في دمشق كان أبوه «يوسف، تاجر حبوب على رغد من العيش وبحكم عمله فقد كان له علاقات وثيقة مع المزارعين والوجهاء في جبل الدروز، بعد أن أنهى «عفلق» دراسته الثانوية في دمشق، سافر إلى فرنسا وحصل من جامعة السوربون على إجازة في التاريخ عاد بعدها ليدرس نفس المادة في ثانوية «التجهيز» في دمشق التي تخرج منها، الأمر الذي يلفت الانتباه في شخصيته هو ذلك البطء المحير، البطء في طريقته بالتفكير والحياة وهو كمفكر ومنظر لحركة البعث يظهر لك أبدا كرجل عمل وممارسة، نظراته يلقيها بخجل وحساسيته تبلغ حد الإفراط كان يتضايق لأقل الأسباب خصوصاً عندما كان يوضع خطه أو فكره السياسي موضع التساؤل كثير التردد والتقلب، يجد صعوبة فائقة باتخاذ أي قرار مهما كانت أهميته كان عفلق» يلوذ بالكتمان إلى درجة يصعب فيها حتى على أقرب المقربين إليه أن يدركوا حقيقة نواياه، يدعى ، عبدالبر عيون السود وهو أحد مؤسسي حزب البعث، أن «عفلق» يتمتع بذكاء خاص، ويقول سامي الجندي: ان عفلق من أكثر السياسيين ذكاء، فقد استطاع أن يحتفظ بمنصبه كأمين عام للحزب طيلة خمسة وعشرين عاما، أما الكثيرون من زعماء الحزب الذين يعرفون «عفلق» جيدا فلا يشاطرون «الجندي» ولا عيون السود، رأيهما هذا.

وعفلق، وإن كان يجذبه النفوذ والأبهة إلا أنه كان متواضعا في حياته الخاصة والعامة، لم يكن قارئاً جيداً، يُذكر للصحفي الفرنسي إيريك رولو بأنه فقد الصلة مع  تيارات الفكر الغربي مع مطلع الحرب العالمية الثانية. هذا هو «عفلق»، مؤسس ومنظر البعث»، كان رجلا نصرانياً بطيئاً في الفهم متردداً في اتخاذ القرار ذكاؤه ينحصر في قدرته على الاحتفاظ بمنصبه، مثله الأعلى الفكر الفرنسي، كان مع الشيوعية يوم كان أندريه جيد معها، وتركها عندما تركها فيلسوفه المفضل.

المصادر

1- البعث جلال السيد.

2- عصام العطار (2011/3/21م).

3- حزب البعث، سامي الجندي.

4- حزب البعث العربي الاشتراكي، مصطفى دند شلي.

الرابط المختصر :