العنوان قصة قصيرة: دموع القرية
الكاتب عصام محمود قضمانى
تاريخ النشر الثلاثاء 24-مارس-1981
مشاهدات 28
نشر في العدد 521
نشر في الصفحة 38
الثلاثاء 24-مارس-1981
الليل الهادئ.. يطمئن بسكوته ويعطي لحظات للتفكر.. في النجوم التي تظهر في بطن السماء وعلى أطرافها.. والقمر الذي يظهر كابتسامة على شفاه السماء.. النسيم العابر يعبث بأوراق الشجر.. فتضحك بأنين متموج يحمله النسيم على أجنحته فيتنقل به بين البيوت.. في الزقاق الرفيعة في القرية الصغيرة الهادئة.. الآمنة.. في أطراف القرية.. وفي الزقاق.. وأمام أحد المنازل.. شاب.. احتواه الظلام فلا يظهر منه سوى لمعان أظافر أنامله التي تعكس ضوء القمر.. فتظهر حركات يديه التي تطرق الباب بصوت متقطع يجوب صداه الفراغ..
- من الطارق؟
من داخل المنزل شخص يسأل:
أنا.. أنا سالم!
افتح وستعلم كل شيء!
- حسنا.. انتظر.. وفتح الباب.. الباب الصغير الذي له أزيز -
تفضل..
- أرجوك.. اخفض صوتك.. فإني مطارد..
- ماذا.. مطارد.. كيف.. ته.. لا.. أرجوك.. لا أريد أن أفقد عائلتي.. أرجوك.. ولا أريد عائلتي أن تفقدني.
- كلا.. لا تخف.. فهم لا يعرفون أني في القرية..
- إن في القرية عيونًا لهم.. ولن يظهر الفجر إلا ويعلموا أنك هنا.. أرجوك..
- قلت لك لا تخف.. سأبقى هنا حتى قبل الفجر ثم أذهب..
كان سالم متعبا متمددا على السرير.. ثم تنهد بعمق وقال:
إيه.. يا أخي.. الطواغيت يعبثون بثروات البلاد.. وينهبون العباد.. ويتسلطون على الرقاب.. وكل من قال: لا، أدخلوه السجن الرهيب واستباحوا عرضه العفيف.. ثم سفكوا دمه.. وقالوا خائن الوطن.
كم من أم راح ولدها.. وكم من زوجة اختفى زوجها.. وكم من فتاه أخذوا أخاها!
نعم.. يا سالم.. الحال بات ميؤوسا منه.. فلنصبر على ما ابتلانا به الله..
- سنصبر.. ولكن سيشرق الفجر الجديد.. ونطوي الماضي البليد.. بالدماء.. بالجهاد.. هذا هو الطريق.. والله في عوننا..
حرارة المأساة.. على شفاه سالم ومن معه.. تلحقها دموع حارة.. تجري على مقاطع الوجه الأسمر ذي اللحية السوداء الصغيرة.. يبكي سالم.. بصوت رقيق.. دافئ.. تتجاوب معه قلوب أهل البيت الصغير.. فتخرج ما تكنه من أسى.. فتبكي.. ولا تبكي.. تحاول أن تبكي.. ولكن الثقة في المستقبل المشرق يحول دون ذلك.. تبتلع السماء النجوم.. وتنسحب ابتسامتها القمرية.. إشراق فجر جديد.. يوم جديد.. في حياة القرية الجميلة.. الفلاحون يعملون بالأرض.. النساء يصنعن الخبز. الأطفال.. بسماتهم البريئة يلعبون في الحقول فيتسلقون الأشجار كالعصافير.. ويركضون بين الزهور كالفراشات.. طبيعة جميلة..
- سالم.. يا سالم..
انهض.. هيا.. إن الجنود يحيطون بالقرية ويفتشون بيوتاتها..
- ماذا؟!
ونهض سالم يتخبط.. لم يعتره الخوف منهم.. ولكن خاف على أهل القرية..
- هل لديك بندقية؟
- ماذا؟
هل جننت.. هل ستقاتل هذا الجمع لوحدك؟!
- لن أبقى داخل القرية.. سأسحبهم إلى الخارج وإلا دمروها..
- الله معك..
وخرج سالم متخفيًا يتسلل بين الزقاق الضيقة.. فودعته الزهور وهي تتفتح والأرض وهي تستقبل أشعة الشمس والأغصان وهي تحمل العصافير..
حتى إذا ما وصل خارج القرية.. أطلق النار.. وصاح.. الله أكبر..
فما كاد الجنود يسمعون ذلك حتى انسحبوا خارج القرية.. يبحثون عنه..
فارتاح سالم.. ذلك ما كان يريد..
بدأ الجنود بإطلاق النار.. على التلال التي تحفظ سالم.. ويحتمي بها.. فدمروها بالقنابل وسحقوها بالدبابات..
- هيا.. ابحثوا عن الجثة.. هناك..
قائد المجرمين.. يصيح.. ومازال مفزوعًا خائفًا.. وتجرأ أحد الجنود قائلًا:
- ولكن.. سيدي.. لا أظننا سنجد الجثة.. فقد تمزقت وسط الرصاص والقنابل..
- اخرس.. أنت لا تعلم.. هؤلاء.. لا تؤثر فيهم القنابل..
وذهب الجنود.. يبحثون بين الركام على جثة سالم..
- سيدي.. سيدي لقد وجدناه..
- هل هو ميت.. دعني أرى بنفسي..
رائع.. جروه إلى داخل القرية ليكون عبرة..
مات سالم.. لا.. إنه حي في الجنة.. عند ربه..
- هذا الخائن.. ذلك هو القائد المجرم يقول لأهل القرية..
لقد حاول تدمير المراكز الوطنية لصالح أعداء الوطن.. إنه مخرب وبعد هذا كله.. خيم الهدوء من جديد.. وكانت قد انسحبت الذئاب.. أخذت القرية تبكي.. تتساقط دموعها.. لتكتب.. سالم.. حر.. شهيد.. وتقسم أنها ستنتج ألف سالم.. ليثأروا لسالم.. وكان سالم دمعة من دموع القرية.
هل نسكت وهذا كله يحدث؟
مجلة المجتمع تنعى إلى العالم الإسلامي الأخت المجاهدة الشهيدة بنان علي الطنطاوي حرم الأخ الأستاذ عصام العطار التي استشهدت برصاص الغدر في بيتها في ألمانيا الغربية.
وقد دلت تحريات البوليس الألماني أن الجناة هم ثلاثة أشخاص حضروا من دمشق وغادروا ألمانيا بعد تنفيذ جريمتهم مباشرة، وقد تدخل سفير تلك الدولة لدى الخارجية الألمانية للتستر على ملابسات هذه الجريمة.
ولقد ترك استشهاد الأخت بنان الطنطاوي أثرًا عميقًا من الأسى في أوساط المسلمين في كل مكان. وكانت غضبة عظيمة ضد هذه القوة الغاشمة التي لم توفر في إجرامها صبيًّا ولا امرأة ولا شيخًا.
تغمد الله الشهيدة برحمته وأسكنها فسيح جناته.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
لقد تورط رفعت الأسد وأعوانه وزبانيته وهذا ديدنهم في المؤامرات والاغتيالات في كل مكان، والجرائم المرتكبة يعجز الإنسان عن حصرها.
ألف من الأبرياء قتلوا في سجن تدمر.
آلاف يعدمون في السجون دون الإعلان عنهم.
انتهاك الأعراض والحرمات.
محاولة تفجير جمعية الإصلاح.
رمي القنابل على أبرياء في مطعم في دبي.
محاولة اغتيال رئيس وزراء الأردن.
اغتيال سليم اللوزي رئيس تحرير «الحوادث»
اختطاف القائم بالأعمال للأردن.
تغذية محاولة انقلاب في السودان.
تمهيد لإعلان دولة نصيرية في المنطقة.
فتح الباب للشيوعيين واستقدام الخبراء من موسكو للتغلغل في قلب البلاد العربية للتهديد.
مهادنة إسرائيل.. وتعبئة السفارات بالأسلحة والمتفجرات.
دفع عناصر لبلدان الخليج وأوروبا للقيام بجرائم الاغتيال.
اغتيال حرم الأخ عصام العطار.
كل ذلك يتم وحكومات البلاد العربية والإسلامية على علم ويقين بذلك..
كل هذا يتم.. وهذا قليل من كثير مما خطط ويخطط لزرع القلاقل في المنطقة العربية..
كل ذلك يتم والمساعدات الكبيرة التي تدعم نظام الحكم هناك تتدفق عليهم من بلدان الخليج..
إننا نناشد، والمسلمون في العالم الإسلامي جميعه يناشدون وبكل رجاء حكومات الخليج «الكويت، قطر، الإمارات، والمملكة العربية السعودية» بأن يوقفوا المساعدات والدعم المالي لذلك النظام المهترئ، وإن إخوتهم المسلمين يناشدونهم الله أن يوقفوا وبالحال أي عون لذلك النظام. وإن إخوتهم المسلمين يناشدونهم الله بأن يرفعوا أصواتهم احتجاجًا لما يلاقيه المسلمون هناك في سورية الحبيبة، وإن الله جل جلاله لسائلهم يوم القيامة عما قدّموه في نصرة إخوانهم المسلمين التي ملأت صرخاتهم عنان السماء استنجادًا من قسوة ما يلاقونه، فقد وصل السيل الزبى.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل