; قلة مؤمنة تنقذ الموقف | مجلة المجتمع

العنوان قلة مؤمنة تنقذ الموقف

الكاتب محمد أمين المصري

تاريخ النشر الثلاثاء 18-فبراير-1975

مشاهدات 18

نشر في العدد 237

نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 18-فبراير-1975

فضيلة الدكتور محمد أمين المصري زاده الله بساطة في العلم، فلقد جمع بين الاختصاص بالحديث ودراسة علم النفس، وكان له أثناء رحلته لأوروبا وقفات مع المستشرقين لا تنسى، تحدث عن بعضها الدكتور السباعي في كتابه «السنة ومكانتها في التشريع». وهو- حفظه الله- جمع بين العلم والعمل؛ فزاول العمل الإسلامي والدعوة إلى الله منذ أوائل الخمسينيات، ولديه تجارب واسعة في هذا الميدان لما بذل من جهود ولقوة صلاته مع أعلام الدعوة الإسلامية. وممن يكثر من ذكرهم الأستاذ حسن البنا الذي اتصل به أثناء دراسته في مصر، والأستاذ المودودي الذي اتصل به عندما كان «ملحقًا ثقافيًّا» في باكستان. والرجل صريح عندما يتحدث عن تجربته في العمل الإسلامي، وكثيرًا ما يتحامل على نفسه في ضرب الأمثلة، فهو ليس من الذين يتهمون الناس بالتقصير ويبرئون أنفسهم. نرجو أن يستفيد القراء مما ينشر له في «المجتمع»، وأن يستمر في كتابة آرائه وتجاربه. الفتن التي تموج كموج البحر طمس مكر الأعداء أيام الرسول الكريم وباء كيدهم بالإخفاق الذريع، وكان ذلك شينهم في عهد الخليفتين أبي بكر وعمر حتى إذا أدركت الخلافة الثانية العام الثالث عشر من الهجرة تمت محاولة آثمة انتزعت الفاروق رضي الله عنه من بين أصحابه، وفتح باب الفتنة كما جاء في حديث يرويه مسلم عن حذيفة. قال حذيفة: فقال عمر: ليس هذا أريد إنما أريد التي تموج كموج البحر «يعني الفتن» قال حذيفة فقلت: ما لك ولها يا أمير المؤمنين؟ إن بينك وبينها بابًا مغلقًا، قال: أفيكسر الباب أم يفتح؟ قال قلت لا بل يكسر قال ذلك أحرى ألّا يغلق أبدًا. قال فقلنا لحذيفة: هل كان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم، كما يعلم أن دون غد الليلة، إني حدثته حديثًا ليس بالأغاليط. قال فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب فقلنا لمسروق سله فسأله فقال عمر. وهكذا كان عمر حاجزًا يمسك الجماعة المسلمة أن تغشاها الفتن التي تموج كموج البحر. العدو يغزو ديار المسلمين بدأ العدو غزو المادي بمحاولة احتلال بلاد المسلمين، وكان ذلك في الحروب الصليبية التي استمرت مائتي عام طيلة القرنين الثاني عشر والثالث عشر. وارتد العدو بعد هذا الكفاح الطويل المرير على أعقابه خاسرًا، ولكن هذه الحروب الطويلة جعلت العدو يعرف نفسه ويكتشف ضعفه ويستمسك بوحدته جاعلًا محور نضاله عداءه للإسلام، ولقد عرف في هذه الحروب الطويلة ما عند المسلمين وعاد إلى بلاده ينقل عن المسلمين بذور التفتح والنهضة، لقد أيقن بعد أن رأى ما عند المسلمين أنه ليس لبشر أن ينصب نفسه على الناس مشرعًا يحل لهم ما يشاء ويحرم عليهم ما يشاء، وعزم الغرب منذ ذلك الحين على التخلص من سلطان الكنيسة، كما عزم ألّا يجعل لإنسان على عقله سبيلًا، وبذلك أخذ يسترجع مكانته الإنسانية. النهضة الأوربية مدينة للمسلمين كانت النهضة الأوروبية بعد اتصال الغرب بالشرق. جاء في كتاب «الحضارة الأوروبية» لمؤلفين غربيين: في خلال قرنين نقل إلى العربية كل ما خلفه الإغريق من التراث العلمي على التقريب، وأصبحت بغداد والقاهرة والقيروان وقرطبة مراكز لامعة لدراسة العلم وتلقينه.. وأخذت المعرفة بهذه الثقافة الإغريقية العربية تتسرب إلى أوروبا الغربية في أواخر القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر. ولم يكن تسربها من أثر الغزوات الصليبية كما يسبق إلى الخاطر «هكذا يقول هؤلاء» ولكنه جاء من طريق صقلية إلى إيطاليا ومن إسبانيا المحمدية إلى إسبانيا المسيحية ثم إلى فرنسا. وتسابق الرجال من ذوي العقول اليقظى إلى بلارمة وطليطلة لتعلم اللغة العربية ودراسة العلوم العربية، والعجيب أن معظم هؤلاء الرجال كانوا من الإنكليز، وقضى بعض الطلاب سنين عدة في إسبانيا ثم قضوا أعمارهم كلها في هذا العمل المقصور على ترجمة الكتب العلمية العربية إلى اللغة اللاتينية. وعلى هذا النحو كانت أوروبا قد استولت في مستهل القرن الثالـث عشر على محصول العلم الإغريقي والعربي بحذافيره. وأصبح تدريس العلم في الجامعات الحديثة من الأمور المقررة المتفق عليها. تطويق بلاد المسلمين وكانت من بعد ذلك المخترعات الحديثة التي أخذت أصولها عن المسلمين.. وعاد هؤلاء لقتال المسلمين ثانية بأسلحة لا عهد للمسلمين بها. يقول توينبي «مختصر دراسة التاريخ ۳: ۳۱۰» وهكذا في غضون فترة تقل عن القرن، لم يقتصر الأمر على الإحداق بالعالم الإسلامي، ولكن أمكن تطويقه تمامًا. ففي أواخر القرن السادس عشر وأوائل السابع عشر وضع الطوق حول رقبة الفريسة. وفي بداية منتصف القرن التاسع عشر تم للإنجليز الاستيلاء على الهند كما تم في السنة نفسها استيلاء الفرنسيين على الجزائر، ومن قبل هاتين احتلت هولندا في بداية القرن السابع عشر جزر الهند الشرقية «إندونيسيا». ولكن العدو ما بلغ من احتلاله ما يريد من شفاء غيظه؛ فلقد ظل المسلمون مسلمين رغم الاحتلال، بل لقد كانت رؤية العدو في البلاد الإسلامية تثير ثائرة المسلمين وتعيد معاني النخوة والنجدة إلى قلوبهم، وكانت عاملًا في جمع الشمل وتكتيل القوى وكانت دافعًا قويًّا إلى ظهور البطولات وتقديم التضحيات. لم يبلغ العدو ما يريد، بل لقد كان وجوده في بلاد المسلمين يكبده جهودًا كبيرة وخسائر لا تطاق. تغيير قلوب المسلمين لقد فطن العدو إلى أن الأمر الهام ليس احتلال بلاد المسلمين، ولكن الأكبر منه أهمية تغيير قلوب المسلمين وتضليل عقولهم، وهنالك بدأت سياسة أخرى.. بدأت سياسة الجامعات والبعثات والاستشراق والتبشـير بالنصرانية. يقول في هذا الشاعر الهندي أكبر إله آبادي لقد أخطأ فرعون في تقتيل الأبناء واستحياء النساء، ولو علم شيئًا من السياسة الحديثة لافتتح لهؤلاء الذين قتلهـم المدارس وتوصل بذلك إلى ما يريد وسمي «ناشر العلم والفضيلة». لقد بلغ الضعف بالمسلمين وشدة النكاية بهم أن وصل الأعداء لا إلى الدس في صفوف المسلمين فحسب، بل إلى محاولة تغيير عقولهم ونفوسهم، أي إن العدو الخارج انتهى إلى مس العامل الداخلي والتأثير فيه، وذلك غاية ما يمكن أن يصل إليه العدو من النكاية بعدوه. فأبناء المسلمين في كل الأقطار الإسلامية يُنَشَّئون كما يريد أعداؤهم، وحين يوجد في المسلمين من ينذر بخطر أو ينبه إلى غائلة فمن الصعب أن يصل صوته وسط الضجيج والعجيج الذي تثيره منظمات العدو ومخططاته، بل يخفت صوته قبل أن يرتفع، أو يتلاشى بين الموجات المشوشة المفسدة. وأسجل هنا للتاريخ وللعبرة بعض الصيحات التي أطلقها أصحابها بإخلاص عميق ولكنها ذهبت أدراجًا. في الثامن عشر من ذي القعدة ١٣٦٥ أي قبل ثلاثين عامًا قبل أن توجد إسرائيل كتب الأستاذ حسن البنا عليه رحمة الله كلمة في صحيفة الإخوان المسلمين.. كلمة نقتطف منها ما يلي: قال رحمه الله: «لا ندري إلى متى يظل الساسة في مصر على جهل تام بالحقائق القريبة، بل القريبة جدًّا. وما ندري إلى متى نظل مخدوعين بالتعاليم الاستعمارية التي شوهت الحقائق التي بين أيدينا وتعمدت إخفاء الكنوز الدفينة المنشورة في كل مكان من هذا الوطن الغني القوي العزيز». إلى أن يقول: «أكتب هذه بمناسبة ما ورد في بيان صدقي باشا على لسان أحد الساسة المصريين من التعبير عن سيناء المباركة بلفظ «برية سيناء». ووصفها بعد ذلك بأنها أرض قاحلة ليس فيها ماء ولا نبات إلا أربعة بلاد جعلت للتموين وقت اللزوم». يقول: «وقد أثار هذا المعنى في نفسي سلسلة المحاولات التي قام بها المستعمرون منذ احتلوا هذه الأرض ليركزوا هذا المعنى الخاطئ في أدمغة السياسيين المصريين وفي أبناء سيناء أنفسهم، فأخذوا يقللون من قيمتها وأهميتها ويضعون لها نظامًا خاصًّا في التعليم والتموين والحكم والإدارة ويحكمها إلى العام الماضي فقط محافظ إنجليزي يعتبر نفسه مطلق التصرف في كل مقدراتها». إلى أن يقول: «مرت بنفسي هذه الخواطر جميعًا فأحببت أن أنبه الساسة الكبار والساسة الصغار وأبناء هذا الشعب إلى الخطر الداهم العظيم الذي تخفيه هذه الأفكار الخاطئة». إلى أن يقول: «إن سيناء المصرية تبلغ ثلاثة عشر مليونًا من الأفدنة، أي ضعف مساحة الأرض المزروعة في مصر، وقد كشفت البحوث الفنية في هذه المساحات الواسعة أنواعًا من المعادن والكنوز فوق ما يتصـور الناس، واكتشفت فيها آبار البترول حديثًا، ويذهب الخبراء في هذا الفن إلى أنه يمكن أن يستنبط من سيناء من البترول أكثر مما يستنبط من آبار العراق الغالية النفيسة. وأرض سيناء في غاية الخصوبة وهي عظيمة القابلية للزراعة، وفي الإمكان استنباط الماء منها بالطرق الارتوازية وإنشاء بيارات يانعة على نحو بيارات فلسطين تنبت أجود الفواكه وأطيب الثمرات، وقد تنبه اليهود إلى هذا المعنى ووضعوه في برنامجهم الإنشائي وهم يعملون على تحقيقه إذا سنحت لهم الفرص، ولن تسنح بإذن الله». انتهى ما قاله عليه رحمة الله. بعد ستة أعوام من كلمة الأستاذ حسن البنا أي في عام ١٩٥٢م يطلق الأستاذ سيد قطب صيحة ثانية نقتطف منها ما يلي: «وفي هذا الوقت تقترب إسرائيل يومًا بعد يوم من حدود سيناء المصرية اسمًا، وإن كانت مصر لا تعرف عنها شيئًا؛ لأن السياسة اليهودية الإنجليزية عزلتها عن مصر طوال فترة الاحتلال. ولم يكن هذا العزل شيئًا عارضًا ولا أمرًا غير مقصود، وإنما كان وفقًا لسياسة بعيدة الغور تتفق مع أطماع اليهودية العالمية. إن شبه جزيرة سيناء تشتمل على أقدس مقدسات اليهود.. ويُرَبَّى أبناؤهم على عقيدة أن جزيرة سيناء هي قلب مملكتهم الموعودة.. وعلى هذا الأساس هم يعملون منذ أجيال. وفي سنة ١٩٠٦م وفدت إلى مصر لجنة إنجليزية يهودية قضت في سيناء خمس سنوات كاملة تفحص كل شيء فيها، وتنقب عن المياه الجوفية والأراضي الصالحة للزراعة والمعادن والطبيعة الجيولوجية بصفة عامة والمناخ والطرق والأهمية الاستراتيجية، وعادت ومعها تقرير شامل يثبت أن سيناء صالحة لإسكان مليون نفس وإعاشتهم». إلى أن يقول: «وفجأة وفي هذه الظروف تطلع علينا نغمة لا يدري مبعثها إلا الله ثم الراسخون في العلم من اليهود والصليبيين، نغمة تحديد النسل.. لماذا؟ لأن مصر تضيق بسكانها، ولأن موارد الرزق لا تنمو بنسبة نمو السكان ولأن الأرض الزراعية محدودة». إلى أن يقول: فهل استنفدت مصر وسائلها لزيادة مرافقها؟ إن في مصر من الموارد والمرافق ما يكفي لإعاشة ضعف سكانها كما يقول بعض الخبراء وأمامنا مثل واحد في سيناء، فهي كافية لإعاشة مليون من الناس، لو وجدت من يعمرها ويرد إليها الحياة، فلماذا يتجه التفكير أول ما يتجه إلى وقف نمو السكان؟». انتهى ما نقلناه. ولم أجد جوابًا لسؤال سيد قطب عليه رحمة الله أشمل وأوضح من جواب البابا شنودة الرئيس الديني للأقباط في مصر، وذلك في الاجتماع الذي تم في الكنيسة المرقسية بالإسكندرية برئاسة البابا شنودة الثالث بتاريخ 25 – 2 – 72. المسلمون اليوم في مرحلة طفولة هذه الصيحات لم تفد المسلمين شيئًا لأن المسلمين في حالة طفولة اجتماعية، والطفولة لا تشعر بالخطر ولا تستطيع أن تكون بعيدة النظر. إن التربية التي يتلقاها المسلمون اليوم في المنازل والمدارس والمجتمع تؤدي إلى سطحية في التفكير وأنانية في الضمير وتردد في العزيمة. وليس هنالك من سبيل إلا بناء الكيان الإيماني في قلوب المسلمين. بناء الكيان الإيماني والمستوى الإيماني لا بد له من مستوى فكري يعتنقه ومستوى وجداني يحتضنه، أعني أن الذي اختل ميزان تفكيره واضطربت القيم في وجدانه لا يمكن أن يكون مؤمنًا صادقًا، بل هو حين يرث الإيمان من أبويه يخل بشروط الإيمان ويتنزل به إلى مستواه المتدني. وهكذا نجد كثيرين من المؤمنين يتنزلون بالإيمان إلى مستواهم الفكري والخلقي فيحسبون أن أداء العبادة يجزئ وإن اقترن بالغش والخيانة وإضاعة الحقوق. وليس بأقل ظلمًا من هؤلاء أولئك الذين يستمعون إلى صيحات الخطر وما يتنزل على المسلمين في كل بقعة ومكان من أذى وشر ثم يصمون آذانهم عن سماع كل ذلك. الشروط الفكرية والخلقية هي التي تجعل صاحبها في مستوى يدرك فيه الحق إدراكًا يمتاز عن إدراك الناس جميعًا والمستوى الوجداني هو الذي يحمله على الإذعان لكلمة الحق والإقرار بها وإن تبع ذلك ما تبعه من سخط الناس وكراهيتهم ونقمتهم، كذلك كان الصحب الكرام، وكذلك كان سحرة فرعون حين قالوا لفرعون ﴿لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ﴾ (طه: 72). الإيمان فطري وهو الوسيلة لترقية الفكر والوجدان والإرادة فإذا كان لا بد للمستوى الإيماني من مستوى فكري ومستوى وجداني فهل نربي التفكير والضمير أولًا ثم نعرض الإيمان؟ لم يفعل ذلك عليه صلوات الله وسلامه، ولكنه عرض الإيمان قبل كل شيء؛ لأن كلمة التوحيد هي كلمة الفطرة ولأن الفطر البريئة تتقبل الإيمان دون توطئة أو مقدمة، وهذا الإيمان وسيلة لدفع التفكير والوجدان ليبلغ أعلى المستويات. إیمان الرعيل الأول: عرض التوحيد عليه صلوات الله وسلامه على أصحابه فقبله أصحاب الفطر النقية طوعًا لا كرهًا، وحملوا دعوته وصبروا على تحمل الأذى في سبيله، وأمثال هؤلاء أبو بكر وعمار وبلال ومصعب وصهيب والسابقون الأولون. وعجب أناس من المشركين وأخذتهم الدهشة والحيرة لصبر هؤلاء المؤمنين وصدقهم، فكان ذلك تحديًا لعقولهم وإيقاظًا لقلوبهم، كانوا يحسبون المؤمنين كاذبين في دعواهم فلما رأوا صدقهم وصبرهم وصلابتهم في الحق أيقنوا أن الأمر جد ليس بالهزل، لقد كانوا يشهدون كل صباح ومساء عذاب ياسر وعمار وبلال وصهيب، وهؤلاء المعذبون صامتون هادئون ماضون في احتمال الأذى واحتمال الدعوة التي حملوها. ماذا كانت تفعل هذه المشاهد في نفوس الشبان من قريش؟ لقد صُدم عمر رضي الله عنه بصدق أخته وقوة عزيمتها حين آمنت بالله؛ فطلب الصحيفة من يدها في ساعة تفتح فيها وجدانه وتطلع فيها قلبه لمعرفة الحقيقة؛ فانكشف له الحق ورأى النور واعتنق الإسلام واستجيبت دعوة رسول الله عليه صلوات الله وسلامه، وهكذا آمن الرعيل الثاني متأثرين بصبر صاحب الدعوة وأصحابه ثم صدم أبطال في الجاهلية لم يتعودوا الهزيمة.. صدموا بالهزيمة تتكرر أمام أعينهم وصدموا بقوة أيقنوا أنها لا تغلب، ومن هؤلاء خالد وعمرو بن العاص وهؤلاء كانوا الرعيل الثالث ثم كان الرعيل الرابع أبو سفيان وصحبه حين رأوا قوة الإسلام قد جاوزت ما كانوا يقدرون. إيمان الرعيل الأول هو السبب في إیمان من بعدهم وهكذا آمن هؤلاء جميعًا.. آمن الفريق الأول منهم لِمَا كان يحمل من صفاء ونقاء أدرك به الحق سريعًا، وآمن الآخرون تبعًا لإخوانهم ولحاقًا بهم بعد صدمات أيقظت قلوبهم ونبهت ضمائرهم، ثم كان عاملًا قويًّا في تمسكهم بالحق جميعًا وإدراكهم له وطلبهم إياه وكان الإيمان عاملًا في نقلهم نقلة بعيدة جدًّا في مراتب الإنسانية، وبعد هؤلاء دخل الناس في دين الله أفواجًا. الدعوة الإيمانية لا تنتظر مقدمة ولا تسبقها تربية ذات مراحل طويلة، وإن كان مما يساعد على تقبلها عقل ذكي وقلب لوذعي وضمير نقي، ولكنها تعرض على الناس في الحال فلا يخلو أن يوجد في الناس صفوة يتقبلونها تقبلًا تامًّا ثم يتعاقب الناس في قبولها.
الرابط المختصر :