العنوان قمة عمان الاقتصادية بين الأهداف الحقيقية والمعلنة
الكاتب عاطف الجولاني
تاريخ النشر الثلاثاء 26-سبتمبر-1995
مشاهدات 31
نشر في العدد 1168
نشر في الصفحة 28
الثلاثاء 26-سبتمبر-1995
مؤسسات إقليمية ستقوم علي أنقاض الجامعة العربية والمؤسسات الاقتصادية العربية
• خلافات وتنافس أمريكي أوروبي حول بنك التنمية الإقليمي
تحت شعار بناء التعاون الإقليمي وإعادة تأهيل المنطقة في مرحلة ما بعد السلام يعقد في العاصمة الأردنية «عمان» وعلى مدار ثلاثة أيام المؤتمر الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والذي اصطلح على تسميته «قمة عمان الاقتصادية».
وستناقش القمة التي تبدأ في ۲۹ أكتوبر «تشرين أول» المقبل برعاية الولايات . المتحدة والاتحاد الروسي، أربعة عناوين رئيسية يندرج تحتها مجموعة كبيرة من- المشاريع تصل نحو ۳۰۰ مشروع، والعناوين الأربعة هي: البنية التحتية والتجارة والصناعة، والتمويل والاستثمار، والبيئة الاقتصادية، أما أهم المجالات التي ستتركز حولها المشاريع فهي تطوير أخدود وادي الأردن (۱۰) مليارات دولار، وقطاع الصناعة والتعدين (۱۲۰۰) مليون دولار، والاتصالات (۱۱۰۰) مليون دولار، والسياحة (۱۱۰۰) مليون دولار، والمياه (۷۰۰) مليون دولار.
وستركز قمة عمان الاقتصادية على مجموعة من القضايا كتحرير التجارة والخصخصة، ومراقبة الصرف الأجنبي وسوق رؤوس الأموال، وقد أشارت وزيرة التخطيط الأردني ريما خلف إلى أن أهم المشاريع التي سيقدمها الأردن للقمة هي توسيع مطار العقبة لخدمة الأردن وإسرائيل وتنمية وادي الأردن، وشق قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الميت.
وقد وجهت الدعوة لحضور المؤتمر الذي يعد الثاني من نوعه في المنطقة بعد مؤتمر الدار البيضاء الذي عقد في شهر أكتوبر تشرين أول من العام الماضي ١٩٩٤، إلى عدد كبير من رؤساء الدول ورؤساء الوزراء ورؤساء المنظمات الدولية والإقليمية، ووزراء الخارجية والمالية والاقتصاد، ورجال الأعمال، ورؤساء غرف التجارة والصناعة في الدول العربية وشخصيات مرموقة من القطاع الخاص وشخصيات أكاديمية معروفة، فقد وجه المنتدى الاقتصادي الدعوة إلى ما يزيد على ٥٠٠٠ جهة معنية في أوروبا والولايات المتحدة واستراليا، وغيرها من الدول لحضور القمة ولكن عدد المشاركين الذين يتوقع حضورهم يقدر بنحو ۱۰۰۰ شخص يمثلون القطاعات المختلفة في نحو ٦٠ دولة.
ولعل أهم القضايا التي سيناقشها المؤتمر تعد من أكبر القضايا الخلافية هي إنشاء بنك التنمية الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي تعارض المجموعة الأوروبية ودول الخليج فكرة إنشائه، وكانت فكرة إنشاء البنك جاءت بعد اللقاء الرباعي الذي عقد العام الماضي وضم مصر والأردن و«إسرائيل»، والسلطة الفلسطينية، حيث اقترحت الأطراف الأربعة إقامة بنك إقليمي لتوفير التمويل لمشاريع التنمية الإقليمية من خلال منح القروض لهذه المشاريع بأسعار السوق.
وقد طرحت فكرة البنك في قمة الدار البيضاء التي دعت إلى إقامة ثلاث مؤسسات هي بنك التنمية الإقليمي، ومجلس الأعمال الإقليمي، والمجلس الإقليمي للسياحة، وأشارت مساعدة وزير الخارجية للتجارة والأعمال والزراعة جوان سبيرو إلى أن الأرقام الأولية لحجم رأس مال البنك تقدر بنحو خمسة مليارات دولار تمولها عدة جهات مالية عالمية ومصادر من القطاع الخاص والمقر المقترح لبنك التنمية الإقليمي هو القاهرة، في حين أن المقر المقترح لمجلس الأعمال هو الضفة الغربية، أما مجلس السياحة فيتوقع أن يكون مقره في إحدى دول شمال إفريقيا. وعلى الرغم من أن قمة عمان والدار البيضاء انبثقتا عن المفاوضات المتعددة الأطراف وتشرف عليهما جهة واحدة، إلا أن ثمة فوارق بين القمتين أشار إليهما المسؤولون الأمريكيون والأردنيون، وتتلخص في:
۱- سيكون عدد المشاركين في قمة عمان محدود «نحو ۱۰۰۰ شخص» مقارنة بقمة الدار البيضاء التي حضرها حوالي ٣۰۰۰
٢- ستركز قمة عمان على الجوانب العملية، وستشغل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ممكنة التنفيذ حيزًا كبيرًا من اهتمام القمة، ولن تقتصر على المشاريع الضخمة، كما حصل في قمة الدار البيضاء التي وصفها محللون بأنها ركزت على وضع التصورات المستقبلية أكثر من اهتمامها بالجوانب العملية.
٣- ستركز قمة عمان بصورة أكبر على إسهام القطاع الخاص، وقد أشار مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى روبرت بليترو إلى أن قمة عمان أكثر انتقائية من مؤتمر الدار البيضاء، وأكثر توجهًا نحو القطاع الخاص، وهو ما أشار إليه كذلك ولي العهد الأردني الأمير حسن الذي سيرأس القمة.
٤- سيتم إقامة عدد من ورش العمل قبل انعقاد قمة عمان، وأثناء انعقادها حول قطاعات رئيسية يتفق عليها، وهو ما لم يحدث في الدار البيضاء.
على أن ما سبق لا يقلل بالضرورة من أهمية وخطورة قمة الدار البيضاء التي أكد السفير الأمريكي في الأردن ويزلي إيغان أنها كانت هامة وخاصة لأنها انعقدت ولأنها جمعت أطراف المنطقة وممثلين عن القطاع الخاص بصورة كانت مستحيلة في السابق وأضاف أن قمة عمان هي «ثمرة المسار المتعدد الأطراف لعملية السلام».
تنافس وخلافات
تولي الولايات المتحدة الأمريكية أهمية كبيرة لقمة عمان الاقتصادية، وقد وصلت العديد من الوفود والشخصيات الأمريكية البارزة إلى عمان خلال شهر سبتمبر «أيلول» الحالي للإشراف على ترتيبات الإعداد للقمة حيث زارها مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى روبرت بلليترو ومساعدة وزير الخارجية الأمريكي للتجارة والأعمال والزراعة جوان سبيرو كما زار الأردن وفد تجاري برئاسة ريتشارد هولمز . رئيس غرفة التجارة الوطنية الأمريكية العربية، أما على صعيد سفراء الولايات المتحدة في المنطقة فإنهم يبذلون جهودًا حثيثة ومتواصلة لإنجاح القمة، وتأمين حضور ومشاركة واسعة فيها .
وستشارك الولايات المتحدة بوفد كبير يتوقع أن يضم نحو ١٥٠ ممثلًا كبيرًا للشركات الأمريكية وهو ما سيجعل الوفد الأمريكي أكبر الوفود المشاركة، كما أشار السفير الأمريكي في الأردن، وسيرأس الوفد وزير الخارجية الأمريكية وارن كريستوفر ويضم وزير التجارة الأمريكي وعددًا من كبار المسئوولين في الحكومة والقطاع الخاص.
المجموعة الأوروبية من جانبها ليست غافلة عن أهمية القمة القادمة التي تعقد لترتيب الأوضاع الاقتصادية الإقليمية في منطقة تشغل اهتمام الأوروبيين بدرجة لا تقل إطلاقًا عن اهتمام الأمريكيين. وقد وصل إلى المنطقة خلال الأيام الماضية رئيس الوزراء الأسباني فيليب غونزاليس الذي زار عددًا من دول المنطقة ومنها الأردن للاطلاع على ترتيبات القمة، وقد أكد غونزاليس الذي أوضح أن مهمته جاءت بتوجيه من المجموعة الأوروبية أن أوروبا تولي اهتمامًا كبيرًا بتطوير علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع دول المنطقة، وأنها ستقدم مساعدات اقتصادية تقدر بنحو ٦مليارات دولار للمنطقة، كما زار المنطقة خلال الشهر الحالي وزير الخارجية الفرنسي أرفيه دي شاريت.
وقد بات التنافس المحموم على النفوذ السياسي والاقتصادي بين المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة واضحًا للعيان، ويصل هذا التنافس في بعض الأحيان حد الخلاف المعلن كما هو حاصل الآن حول مسألة إنشاء بنك التنمية الإقليمي في المنطقة.
ولا تقتصر العقبات التي تواجه القمة على الخلاف والتنافس الأوروبي- الأمريكي، فهناك عدة تحديات تواجه القمة أهمها:
١- عدم حماس الدول المؤثرة في الخليج وخاصة السعودية والكويت.
٢- مقاطعة سوريا ولبنان للقمة انطلاقًا من مقاطعتها للمفاوضات متعددة الأطراف التي انبثقت عنها، مثل هذه المؤتمرات الإقليمية، ولاشك أن غياب دولتين مهمتين معنيتين بصورة مباشرة بعملية التسوية السياسية سيكون له انعكاسات سلبية على القمة، وكانت الدولتان قد قاطعتا أيضًا قمة الدار البيضاء.
٣- تنافس دول المنطقة وخاصة الأردن ومصر و«إسرائيل» والسلطة الفلسطينية على اجتذاب أكبر قدر ممكن من المشاريع الاستثمارية التي قد تتمخض عنها القمة، ويستبعد أن تسهم خطوات التنسيق المشتركة للقمة في تخفيف حدة هذا التنافس وكانت مصر والأردن و«إسرائيل»، والسلطة الفلسطينية قد عقدت اجتماعًا تنسيقيًّا في ١٨ سبتمبر «أيلول» الحالي للإعداد للقمة وبحث مشاريع مشتركة. كما كان الأردن و«إسرائيل»، قد اتفقا قبل أسابيع قليلة على إقامة مطار إقليمي مشترك بين إيلات والعقبة، ويتوقع أن تكون الدراسات الأولية لجدوى إقامة المطار جاهزة قبل انعقاد القمة.
الأهداف الحقيقية والمعلنة للقمة
أشارت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للتجارة والأعمال جوان سبيرو إلى أن المؤتمر يهدف لتحقيق التعاون بين دول المنطقة في مختلف المجالات الاقتصادية لتنفيذ المشاريع الإقليمية، أما مساعد وزير الخارجية الأمريكي روبرت بلليترو فأشار إلى أربعة أهداف رئيسية، قال: إن منظمي القمة حددوها للمؤتمر وهي:
1- السعي نحو إقامة مؤسسات جديدة لبنك التنمية ومشاريع القطاع الخاص وتأسيس مجلس للتجارة والأعمال ومجلس للسياحة.
2- تشجيع دول المنطقة على تحرير اقتصادياتها وتطوير نهج اقتصادي يقوم على السوق الحرة.
3- تشجيع العلاقات والاتصالات بين الحكومات والقطاع الخاص.
4- التحضير لبدء مشاريع التنمية الفعلية في المنطقة.
والتساؤل المثار حول قمة عمان الاقتصادية وقمة الدار البيضاء هو:
لماذا همشت جميع بنود المفاوضات متعددة الأطراف كالتسلح والبيئة وغيرها، وتم التركيز على ترتيب الأوضاع الاقتصادية للمنطقة؟! لقد أوضح الموقف الضعيف والمخزي للولايات المتحدة والدول الغربية من مسألة إلزام إسرائيل بالتوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وتمريرهم للغطرسة الصهيونية في المسالة.
طبيعة الأهداف الحقيقية للمسيرة السلمية في المنطقة.
فالأهداف الحقيقية التي تقف وراء عقد مثل هذه المؤتمرات في كسر الحواجز أمام هيمنة «إسرائيل» على مقدرات المنطقة، وتنفيذ مخططاتها التي تتفق في غالب الأحيان مع المصالح والأهداف الغربية، وتسعى هذه المخططات إلى إنهاء ما يسمى بإقليم العالم العربي والمنطقة العربية لصالح فكرة السوق الشرق أوسطية وإقليم الشرق الأوسط الذي تنخرط فيه «إسرائيل» بصورة طبيعية، بل وتشكل فيه محور الارتكاز ومركز الثقل.
أمين عام حزب العمل المصري عادل حسين قال: «إن قمة الدار البيضاء وقمة عمان تهدفان إلى تطويع الاقتصادات العربية لمتطلبات الهيمنة الصهيونية»، ونحن نتساءل عن مستقبل الجامعة العربية والمؤسسات الاقتصادية العربية في ظل المؤسسات الإقليمية التي يجري الإعداد لإنشائها بشكل حثيث على أنقاض المؤسسات العربية .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل