العنوان كوسوفا.. صياغة جديدة للشعوب المسلمة
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر الثلاثاء 18-مايو-1999
مشاهدات 23
نشر في العدد 1350
نشر في الصفحة 49
الثلاثاء 18-مايو-1999
ما معنى أن يهجر شعب كوسوفا بأكمله من أرضه ويهيم على وجهه في العراء يتسول حتى كسرة الخبز، وشربة الماء، ولا يجد مكانًا يؤويه، أو ثوبًا يحميه؟، وما معنى أن يجرد هذا الشعب من السلاح ويحظر عليه الدفاع عن نفسه وأرضه ودياره؟، وما معنى أن يضرب جيش تحريره ويمنع عنه السلاح والدعم، ويفرض عليه الحصار ويقبض على العرب الذين انضموا إلى صفوفه لمقاومة الصرب المحتلين القتلة، ثم يرحلون معتقلين ومقيدين بالسلاسل إلى ديارهم على أنهم إرهابيون وقتلة، لتتولى بلادهم تفصيل التهم لهم في محاكمها العسكرية، لإبادتهم جزاء وفاقًا على شعورهم الإسلامي الوقع؟!!، أسئلة كثيرة تلقي بظلال قائمة على نوايا الأطلسي، وتثير شكوكًا كثيرة حول دوره في كوسوفا، ويساعد على هذا كله الغموض الذي يعتري المسلمين اليوم بالنسبة لإخوانهم في كوسوفا.
إن الأخبار عندنا معماة، والتحاليل السياسية الصحيحة ممنوعة، أو غير موجودة، أو لها خطوط حمراء، وصفراء والقارئ العربي يتصيد الأخبار من هنا ومن هناك ليحاول اكتشاف الحقيقة التي لا يستطيع للأسف ولا يملك والحسرة تمزقه أن يغير من أمرها شيئًا.
ذكرت جريدة الواشنطن بوست، أن التبرعات التي تنهال من اللاجئين الألبان في أوروبا لصالح المقاومة الألبانية في كوسوفا، سببت قلقًا لحكومات الغرب منذ خمسة أشهر، بينما كانت المقاومة تحقق مكاسب ضد الصرب، وبعد أن شكا الوسيط الأمريكي، هول بروك من تلقي المقاومة اعتمادات حيوية تحركت مجموعة الاتصال، روسيا مع خمس دول غربية، لسد منافذ التمويل، ومارست الولايات المتحدة ضغوطًا لعرقلة وصول التبرعات للمقاومة أسفرت عن قرار الحكومة السويسرية تجميد حسابات البنوك التي كانت تستقبل تبرعات ۱۸۰ ألف لاجئ، وأجرت الحكومة الألمانية تحقيقات حول مؤسسة الأرض تنادي الألبانية التي أدارت حملة التبرعات في أوساط ٤٠٠ ألف لاجئ في ألمانيا.
وأعلن كلاوس كينكل عن تدخل حلف الناتو لاتخاذ إجراءات وقائية في ألبانيا تحول دون تهريب السلاح إلى المقاومة التي تعتبرها أمريكا منظمة إرهابية، وكانت الولايات المتحدة قد سنت منذ عامين قانونًا يعاقب بالسجن والغرامة كل من يتبرع لصالح المقاومة الفلسطينية الموسومة أيضًا بالإرهاب، كما شاركت في تمرير قرار حظر السلاح عن البوسنة والهرسك قبل ذلك تسهيلًا ا
لمهمة القوات الصربية المعتدية في قتل المسلمين والاستيلاء على أرضهم.
وتهدف أمريكا إلى أن يبقى المسلمون بغير سلاح حتى يفسح المجال أمام أطماع كل من يريد استباحتهم وسفك دمائهم، وتتعامل مع المقاومة المسلمة بسياسة تجفيف الينابيع، وذلك بالضغط على الدول المجاورة لسد منافذ التمويل والسلاح ومن لا يستجب يدرج في قائمة الدول المساندة للإرهاب وتفرض عليه عقوبات.
وتتعامل بالسياسة نفسها مع الدول المسلمة بحظر تصدير التكنولوجيا الحربية، والسلاح والصواريخ إلى تلك الدول، وكذلك في المجال الاقتصادي والزراعي والصناعي، حتى تظل شعوبًا مهمشة لا تستطيع النهوض في ظل غياب القوة الحربية والاقتصادية، وفي ظل غياب الحريات والديمقراطيات الصحيحة، ولا فرق بين ألبانيا. والبوسنة، وإيران وكشمير ومصر والسودان وليبيا، والكل مرصود ومحاصر، ويتعرض لسلام الأموات، ويستعد للكوارث والنكبات ليسهل تشكيله وصياغته على وفق ما يريد المستعمر، في حين يحرض عليه الأعداء، ويمدون بالأموال والسلاح حتى يجري عليه قدر النكبات.
ولعله من العجائب والغرائب وقلة الحياء، أن تعترف جريدة واشنطن بوست، رسميًا بتقديم 4 مليارات دولار نقديًا لقيادة ما يسمى بتحالف المعارضة السودانية المسلحة، التي تتخذ من كمبالا وأسمرة، قاعدة لها بهدف مساعدتها على إسقاط حكومة ثورة الإنقاذ الإسلامية في الخرطوم، وفصل الجنوب عن السودان جاء الاعتراف الأمريكي ضمن كلمة ألقتها سوزان رايس -مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون شرق إفريقيا- حول سياسة واشنطن بالمنطقة، وأوضحت خلالها أن بلادها قدمت دعمًا عسكريًا متواصلًا لعناصر المعارضة السودانية بهدف استعادة الحكم العلماني والقضاء على الحكومة الإسلامية في السودان.
وأعربت المسؤولة الأمريكية عن شعورها بالمرارة جراء التصدع الذي بدأ يصيب علاقات الدول المجاورة للسودان، والتي كانت نقاط ارتكاز أساسية لاحتواء العناصر المناوئة له، مثل إثيوبيا وإريتريا، مؤكدة أن حكومة السودان تشكل خطرًا جسيمًا على المصالح الأمريكية في منطقة شرق إفريقيا، ولعل من الخطط التي كانت أمريكا تعد لها، إفقار الشعب السوداني والضغط عليه من جميع الجوانب حتى في الدواء، فقامت بصواريخها لتضرب مصنع الدواء الوحيد في السودان، وتدعه نهبًا للأمراض والعلل، مع الحصار الاقتصادي، والحرب العسكرية من كل جيران السودان حتى كادت مصر لولا عناية الله أن تدخل ذلك المستنقع بمثلث حلايب المتنازع عليه. وكوسوفا وألبانيا يراد تحطيمهما أولًا، وإذلالهما وتشريدهما قبل صياغتهما صياغة استعبادية.
ولقد أشار مصدر فرنسي مختص بشؤون البلقان في باريس إلى أن مجموعة الاتصال الغربية حول يوغسلافيا السابقة أعطت الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسوفيتش، الضوء الأخضر لتحطيم البنية الأساسية لجيش تحرير كوسوفا ولتاديب الشعب الذي يساعد هذا الجيش حتى لا تستقل كوسوفا وتنضم إلى ألبانيا وترفع رأسها بجهود جيشها وأبنائها فتكون قوة هي وألبانيا ومقدونيا في البلقان، ثم لما تحطم هذا الجيش وضرب هذا الشعب الكوسوفي أراد حلف الأطلسي أن يضرب الجيش الصربي ويدجن الصرب هي الأخرى حتى يضرب عصفورين بحجر واحد.
ولكن ضرب المسلمين أفظع وأقوى وأشد وتبتلى الشعوب على قدر خطرها، فهذا الشعب الذي هجر من أرضه، وذبح وقتل على الطرقات وذاق الجوع والحرمان لن ينسى هذا أبدًا وسيؤثر هذا في نفسه كثيرًا، ويعتبر أن الأطلسي هو الذي وقف في جانبه فلابد من أن يسبح بحمده، كما أن محنة الصرب ليست إلا محنة تدمير لبعض الجسور والمباني وليست محنة تدمير للشعب وممكن أن يعوض عن هذا ويسترضى ويدور في فلك الأوروبيين سيدًا، ويتعلم من الدرس، ويعرف أن الشذوذ عن أوروبا جريمة، وأن عدوك عدونا ولكن لابد من أن تدور في فلكنا لتأخذ ما تريد وتحصل على ما تحب، ولتكن حضاريًا، ولكن بغير ضمير، وتكون ماكرًا ولكن بذكاء، وأكلًا، ولكن ليس وحدك، ومستعبدًا، ولكن لابد من أن يكون لك شركاء، ولا تنس أن أي عصابة في الدنيا لها رئيس، وأي مافيا في العالم لها سطوة وإتاوة، فهل فهمت؟ وهل تفهم الضحية في البلقان؟ وهل يعي المسلمون ويعملون المخرج قريب أو بعيد، ولا أظن أن هناك من مخرج إلا إذا صحت الشعوب وتسلحت بالعزم والإيمان، فإنه حينئذ وحين ذاك لابد من أن يستجاب لها.!!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل