العنوان لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خير
الكاتب د. علي الحمادي
تاريخ النشر الثلاثاء 26-أكتوبر-1999
مشاهدات 95
نشر في العدد 1373
نشر في الصفحة 37
الثلاثاء 26-أكتوبر-1999
رغم أن التهم التي توجه للدعاة والدعوة فيها إيذاء وضرر، وفيها إساءة وعنت، إلا أن فيها خيرًا كثيرًا لا يعلمه إلا الله تعالى، كما قال الله تعالى في حادثة الإفك: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (النور: 11).
ورغم سلبيات إثارة هذه الاتهامات ومساوئها على الدعوة والدعاة، إلا أن لها فوائد عدة وفيها عبر كثيرة للفئة المظلومة المتهمة، وهي كما يلي:
هي طريق الأنبياء والرسل والصالحين لقول الله تعالى: ﴿ كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ * وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الذاريات: 52-55).
وهي السبيل الموصل إلى الجنة لما رواه مسلم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره»، وإثارة التهم والشبهات أصعب وأشق المكاره التي يصبر عليها الدعاة إبتغاء مرضاة الله تعالى.
وفيها تمحيص للصف المسلم، إذ يتم بها تعرف الصادق الثابت من الكاذب المتذبذب، وصدق القائل إذ يقول:
جزى الله الشدائد كل خير * * * عرفت بها عدوي من صديقي
وبها يتم تعرف بعض العثرات والثغرات فيتم سدها أو التخلص منها، ولذا فهي فرصة ثمينة لمراجعة الذات وإصلاح النفس.
توجد نفسية التحدي وترفع من درجة الحماس والحزم.
وهي توحد صف الفئة المظلومة المستهدفة، وتزيل الضغائن بين الأفراد، وتجعلهم صفًا واحدًا أمام الظالم المعتدي.
وهي سبب لحصول الدعاة المعتدى عليهم على الحسنات من قبل من يطعنون فيها ويغتابونهم ويظلمونهم، وذلك مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أتدرون من المفلس؟»، قالوا: المفلس فينا من لا درهم ولا متاع، فقال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار». (رواه مسلم)
وهي سبب لاكتشاف الطاقات والقدرات والمهارات.
وبها تعرف الدعوة، ويذيع صيتها، ويعرفها الرأي العام، وتنتشر بين الناس، ويكثر أنصارها، ويبارك الله في دعاتها.
إن الفطن هو الذي لا يكون همه الأول والأخير تبرئة نفسه والدفاع عن دعوته، ولكن الحكمة والعقل يقتضيان أن يتفحص هذه الانتقادات، فما كان فيها من حق أخذ به وأصلح من نفسه وسدد خطاه، وما كان فيها من باطل رده وحرص ألا يقع فيه، بل وجعل له خطوطًا دفاعية كثيرة حتى يبتعد عنه ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
إن للمسلم شأنًا كبيرًا مع النصيحة، فهو يسديها، وكذلك يطلبها ويتقبلها، ومن هذا المنطلق يمكن له أن يعتبر الانتقادات نوعًا من النصيحة «غير المؤدية»، يحرص على الاستفادة منها، ورحم الله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث قال: «رحم الله امرءًا أهدى إلي عيوبي».
وعلى كل حال، الشاهد من كلامنا هذا أن هذه الاتهامات برغم أنها شر - كما يبدو للناظر - إلا أنه ينبغي أن نستفيد منها لتتحول إلى خير، ثم نترك الأمر لله عز وجل ليستكمل لنا الخير كله، إذ إنه يعلم ما لا نعلم، ويقدر على ما لا نقدر.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل