العنوان لبنان .. الأرمن في لبنان عودة.. ولكن إلى قره باغ
الكاتب بشار العلي
تاريخ النشر الثلاثاء 27-أبريل-1993
مشاهدات 16
نشر في العدد 1047
نشر في الصفحة 40
الثلاثاء 27-أبريل-1993
في مكان ما من بيروت، وبالتحديد في منطقة برج حمود الواقعة على الحافة الشرقية لهذه العاصمة، تجد حيًّا يزدحم بسكانه الذين لا يختلفون في ظاهر حياتهم وسلوكهم اليومي عن بقية المواطنين اللبنانيين سوى أنهم يتكلمون لغتهم الخاصة إلى جانب اللهجة المحلية التي يجيدونها -إنما- بلكنتهم الخاصة أيضًا.. إنهم الأرمن.. وذاك هو حيهم الذي يعد المعقل– المأوى الرئيسي للطائفة الأرمنية في لبنان.
وكان كثير من الأرمن قد خرجوا من ديارهم في أرمينيا على مراحل، خلال الفترة الممتدة بين عامي 1895 و1915م، هربًا من المعارك التي كانت محتدمة هناك آنذاك، وكان أن توجه قسم من هؤلاء نحو بلاد الشام، وخصوصًا نحو لبنان الذي وجدوا فيه -بين أبناء ملتهم وإخوان عقيدتهم- الملجأ الآمن والمأوى الحصين، فاتخذوه مستقرًا أعانهم على ذلك قيام سلطات الانتداب الفرنسي التي كانت تهيمن على لبنان، بمنحهم الجنسية اللبنانية في العام 1924 بهدف زيادة عدد النصارى على حساب باقي الطوائف اللبنانية.
ويقيم الآن في لبنان ما يزيد على (160,000) أرمني، ويعدون أكبر تجمع للأرمن في العالم العربي، ويعيش غالبيتهم في حي الأرمن في بيروت، ويوجد حوالي (2000) منهم في مدينة طرابلس عاصمة الشمال اللبناني، وحوالي (4000) يقيمون في منطقة البقاع في الجهة الشرقية من لبنان.
ويتبع هؤلاء القوم بغالبيتهم الكنيسة الكاثوليكية بالإضافة لبعض الأرثوذكس والبروتستنت، ولدى الأرمن مؤسساتهم التربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فهناك ما لا يقل عن ثلاث مدارس أرمنية، وصحيفة واحدة على الأقل تصدر بلغتهم القومية، ولهم أيضًا إذاعتهم الخاصة، كما أسسوا جمعية الصليب الأحمر الأرمني...
أما على الصعيد السياسي، فقد تمكن الأرمن من إثبات وجودهم على أعلى المستويات، فهناك وزيران أرمنیان ضمن الحكومة التي تضم (30) وزيرًا من مختلف الطوائف، هذا إلى جانب خمسة نواب في البرلمان وتوجد بالإضافة لما سبق ثلاثة أحزاب أرمنية سياسية، لها دورها في ساحة العمل السياسي، وأكبرها حزب الطاشناق.
خلال سنوات الحرب اللبنانية اتخذ الأرمن كطائفة موقف الحياد، فلم يدخلوا النزاعات التي اشتركت فيها معظم الطوائف والفئات إلا أن ذاك الموقف لم يمنع الشباب الأرمني المسيحي المتحمس من الانخراط في صفوف الميليشيات المسيحية، بدافع الحمية الطائفية مما أكسبهم خبرات قتالية مهمة خلال المعارك التي شاركوا فيها.
واليوم، وبعد أن حصلت جمهورية أرمينيا -البلد الأم- على استقلالها، وأصبح الأرمن أمة مستقلة من جديد، يحن أرمن لبنان إلى جذورهم ويشعرون بالعاطفة نحو إخوانهم وخصوصًا في هذه الفترة التي تخوض فيها أرمينيا قتالًا شرسًا ضد أذربيجان المسلمة فهم في السابق لم يتخلوا عن إخوانهم وكانوا يعدونهم بالمساعدات باستمرار فقد قاموا بإرسال حوالي مليون دولار أميركي لمساعدة أرمينيا بعد زلزال 1988، وتراهم الآن يتابعون أخبار القتال في قره باغ العليا أولًا بأول، ومنذ فترة قامت صحيفة أرمنية في بيروت بحملة لجمع التبرعات لصالح القتال في أرمينيا فاستطاعت خلال أسبوع واحد أن تجمع حوالي (40,000) دولار أميركي، كما يقوم الصليب الأحمر الأرمني -اللبناني- بإرسال المساعدات الطبية إلى قره باغ، في حين أبدى الكثير من شبانهم استعدادهم للتطوع للقتال في تلك المنطقة، وتشير مصادر مطلعة إلى أن عددًا كبيرًا ممن سبق لهم التمرس على فنون القتال في لبنان قد انتقلوا إلى هناك بالفعل وهم يشاركون الآن في القتال ضد الأذربيجانيين المسلمين.
وتجدر الإشارة إلى أن الإمدادات المادية والبشرية مستمرة إلى أرمينيا، ولكن ليس من جانب أرمن لبنان فحسب؛ إذ تشير المصادر الصحفية إلى أن بعض الأرمن يتوجهون إلى قره باغ من بعض الدول العربية كسوريا والأردن ومن دول غربية كفرنسا، التي يعيش فيها حوالي نصف مليون أرمني من الشتات.
وبعد، فإن الوضع القائم في أرمينيا بعد فترة قصيرة من الاستقلال، بالإضافة إلى تفاقم النزاع في قره باغ، وعدم ظهور ما يدل على قرب انقشاع غمامته، فان من المستبعد في المدى القريب على الأقل أن تقوم جموع الأرمن – اللبنانيين بالرحيل إلى بلدها الأم، والتخلي عن المكتسبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي حصلوا عليها بعد عقود من الزمن أمضوها في لبنان، ولكن المتوقع هو استخدام نفوذهم الواسع، وإمكانياتهم الكبيرة، في تفعيل وزيادة الدعم المعنوي والمادي وحتى البشري نحو أبناء قوميتهم في أرمينيا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلتجديد الغزو الفرنسي للشرق الإسلامي من خلال المطبعة والمدفع
نشر في العدد 2148
28
الخميس 01-أكتوبر-2020