; لقاءات المجتمع مع حسن البنا.. الإمام الشهيد | مجلة المجتمع

العنوان لقاءات المجتمع مع حسن البنا.. الإمام الشهيد

الكاتب أبو تميم

تاريخ النشر الثلاثاء 11-فبراير-1975

مشاهدات 17

نشر في العدد 236

نشر في الصفحة 29

الثلاثاء 11-فبراير-1975

هل أصابتك الدهشة عند قراءة العنوان! لا تعجب! ليس في الأمر من عجب.. البنا.. نعم حسن البنا.. هو الذي تعرفه وتذكر تاريخ استشهاده هو الذي يتحدث إليك في هذا اللقاء. إذا أردت أن تعجب فأنا أمهد لك السؤال ثم قدمه لي.. فأعلمك كيف كان! السؤال: كيف استطعت مقابلته مع كثرة مهماته، وزحمة أوقاته، وكثرة ترحاله وتجواله؟.. هنا أقول لك نعم.. إنه ليس من اليسير أن تقابل حسن البنا.. ولكن من السهل جدًا أن تلتقي مع حسن البنا في كل وقت!! محياه الوضيء يشرق نورًا؛ لأنه رجل دعوة.. دعوة حق.. آمن بها وأيقن أن الفلاح في العمل بها.. فأشرق وجهه، ثم تجده يبتسم وأنت تحدثه وقد أرخى جفونه، ثم اتجه إليك بحسه وقلبه يريد أن يتحدث إليك.. هذه طبيعته.. قل هذه عقيدته.. ما إن يرى رجلا.. حتى يباشر الحديث معه.. حتى لو كان هذا الرجل مجرمًا وقاتلًا!! الغريب فيه.. أسلوبه، وعباراته.. والأكثر غرابة من هذا كله.. هو هدوء السامع ثم بكاء قلبه.. ثم.. ثم ماذا؟! ماذا نتوقع.. ثم يطفح دمع القلب فينصب في المآقي ساعتها.. تجد السامع يجهش بالبكاء!! لا تظن أن هذا الكلام الذي أكتبه عبارة عن إنشاء وتعبير، ولكن قلبي الآن يفيض وها هي عيني تترقرق بالدمع مع كتابة هذه الكلمات.. أتوقف قليلا لأفكر فيما كتبت.. وأنقل إليك ما تود أنت أن تعرفه.. عنه.. حسن البنا.. رجل داعية وداعية مخلص، والدعوة التي يمارسها هي دعوة الأنبياء والرسل «الإسلام».. القوة التي يخافها كل أعداء النور والحق.. ويحاولون طمسها.. بدأ الدعوة في مصر فهو كان مدرسًا من مواليد ١٩٠٦ م.. كان مدرسًا ولكن شاغله الشاغل هو لماذا تأخر المسلمون؟! ولماذا لا ينهضون؟! أمن عجز في قدراتهم أم طاقاتهم.. أم لقلة في عددهم.. وكان طبعه الهادئ وكان حلمه وفهمه وعلمه.. ميسرات أبانت له نصوح الإسلام.. فلما انجلى أمام ناظريه كل هذا الشعاع وهذا النور.. عزم الأمر ووطن النفس على خوض الغمار.. واندفع يكتب.. ويدعو.. ويبلغ وانتشر مد الإسلام على الأرض التي فتحها عمرو بن العاص.. وحول طبع شعبه إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها! وضاق أعداء النور.. فأطفئوا ليل القاهرة.. وأشعلوا نور بنادقهم فصبوه في صدر الإمام.. وكان رجلا وهو يمسك جرحه ويتذكر الفاروق- رضي الله عنه- وهو يمسك جرحه.. وغربت شمس حركة كانت تمشي في فرد.. ولكن الصادقين ظلوا يواصلون المسيرة.. وجاءتهم نيران الحقد مرات.. ولا تزال النار مشتعلة.. ولا يزال أهل الصبر على عهدهم.. وبذكرى استشهاد الامام.. كان هذا اللقاء.. قلت..- وبشيء من الحذر- : ● فضيلة الإمام.. بصراحة من أنتم؟ بهدوء غريب.. وبحركة مستأنية تنم عن يقين راسخ لا يتجلى إلا في أصحاب الدعوات الحقة قال: .. - نحب أن نصارح الناس بغايتنا وأن نجلي أمامهم منهاجنا، وأن نوجه إليهم دعوتنا في غير لبس ولا غموض أضوأ من الشمس، وأوضح من فلق الصبح، وأبين من غرة النهار، ونحب مع هذا أن يعلم قومنا- وكل المسلمين قومنا- أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة بريئة نزيهة، قد تسامت في نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية واحتقرت المنافع المادية وخلفت وراءها الأهواء والأغراض، ومضت قدمًا في الطريق التي رسمها الحق- تبارك وتعالى- للداعين إليه: ﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾. ونحب كذلك أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء.. وأقول: إنه لعزيز علينا جد عزيز، أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو ترضى بالهوان أو نستكين لليأس، فنحن حين نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، ولن نكون عليكم يومًا من الأيام. ● فضيلة الإمام.. إنني أطمع في الاقتراب منكم أكثر من ذلك.. نظر إلي كالمتسائل.. هل منعت عنك شيئًا؟.. كن على يقين تام من أني لن أخفي عنك شيئًا.. فجأة قلت.. ما مهمتكم؟ ابتسم وهو ينظر إلي.. وقال: اسمع مهمتنا نحن الإخوان المسلمين، أن نقف في وجه هذه الموجة الطاغية من مدنية المادة وحضارة المتع والشهوات، التي جرفت الشعوب الإسلامية فأبعدتها عن زعامة النبي- صلى الله عليه وسلم- وهداية القرآن وحرمت العالم من أنوار هاديها وأخرت تقدمه مئات السنين حتى تنحسر عن أرضنا ويبرأ من بلائها قومنا، ولسنا واقفين عند هذا الحد، بل سنلاحقها في أرضها، وسنغزوها في عقر دارها حتى يهتف العالم كله باسم الله وتوقن الدنيا كلها بتعاليم القرآن وينتشر ظل الإسلام الوارف على الأرض.. هنا.. أيها القارئ العزيز.. عاجلني الطبع العجول.. وكدت أقول له: وهل أنت أمل هذا؟.. ولكنه استرسل يقول: وحينئذ يتحقق للمسلم ما ينشده فلا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾. هذا إجمال مهمتنا.. فهل تسمح لك حريتك الصحفية أن تكتب المزيد؟ فبدرته قائلا: وهل هذه الأشياء مكتوبة؟.. قال: نعم، في كتاب لي اسمه «الإخوان المسلمين تحت راية القرآن» ● فضيلة الإمام.. بعض الدعوات تفتقد الخصائص المكونة لها.. فما خصائص دعوتكم؟ - أخي العزيز.. هل تريد الخصائص.. أم أخص الخصائص؟.. إذن إليك أخصها.. دعوتنا ربانية عالمية. أ- أما أنها ربانية: فلأن الأساس الذي تدور عليه أهدافنا جميعًا أن يتعرف الناس إلى ربهم، وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسمو بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها. ونحن الإخوان المسلمين نهتف من كل قلوبنا «الله غايتنا» ب- وأما أنها عالمية: فلأنها موجهة إلى الناس كافة؛ لأن الناس في حكمها أخوة فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية ولا نشجع عصبية الأجناس والألوان ولكنا ندعو إلى الإخوة العادلة الرحيمة بين بني الإنسان. قلت له:.. اسمح لي أن أوجه إليك أسئلة أكثر.. فإنني أحب أن أنقله إلى الناس؛ ليتعرفوا ما أنتم عليه.. وينتفي ما بصدور قوم من زيغ قد ركمته في قلوبهم كراهات وأحقاد من أعداء النور.. هز رأسه، وقال:.. في الوقت متسع.. وما دام الأمر دعوة.. فأنا لها إن شاء الله. ● قلت: ما أهدافكم، وما رسائلكم؟! - باختصار.. أهدافنا تنقسم إلى أهداف عامة وهي: ١- أن يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي، وذلك حق طبيعي لكل إنسان لا ينكره إلا ظالم جائر أو مستبد قاهر. ٢- أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام، وتطبق نظامه الاجتماعي وتعلن مبادئه القويمة وتبلغ دعوته الحكيمة للناس، ومن العقوق للإنسانية في هذه الظروف الحائرة أن تقوم فيها دولة تهتف بالمبادئ الظالمة وتنادي بالدعوات الغاشمة ولا يكون في الناس من يعمل لتقوم دولة الحق والعدالة والسلام. وأهداف خاصة تتعلق بمصر؛ بسبب وضعها وحالها الذي نأمل له ازدهارًا وحياة طيبة في ظلال دين الحق والعدل والسلام. أما وسائلنا.. فإنها هي الوسائل العامة للدعوات التي لا تتغير ولا تتبدل ولا تعدو هذه الأمور الثلاثة: ١- الإيمان العميق. ٢- التكوين الدقيق. ٣- العمل المتواصل. وأقول.. هناك وسائل إضافية لابد من الأخذ بها وسلوك سبيلها منها السلبي ومنها الإيجابي، ومنها ما يتفق مع عرف الناس، ومنها ما يخرج على هذا العرف ويخالفه ويناقضه، ومنها ما فيه لين ومنها ما فيه شدة ولا بد أن نروض أنفسنا على تحمل ذلك كله والإعداد لهذا كله حتى نضمن النجاح. ● فضيلة الإمام.. المجتمع من حولنا ينفلت.. وأعين الناس في رؤوسهم لا ينظرون إلى الأمام وإنما إلى فوق.. فكيف ترون إصلاح المجتمع المنفلت.. في طوفانه العارم؟ - بهدوء أجاب:.. قبل كل شيء كن مؤمنًا.. «تمتمت.. آمنت بالله» قال:.. الأمر عند المؤمن هين.. وإليك ما نرمي إليه. ١- الفرد المسلم: إن الإسلام يريد في الفرد وجدانًا شاعرًا يتذوق الجمال والقبح، وإدراكًا صحيحًا يتصور الصواب والخطأ وإرادة حازمة لا تضعف ولا تلين أمام الحق وجسمًا سليمًا يقوم بأعباء الواجبات الإنسانية حق القيام، ويصبح أداة صالحة لتحقيق الإرادة الصالحة وينصر الحق والخير. ٢- البيت المسلم: سيكون للإصلاح الفردي أثره في الأسرة، فإنما الأسرة مجموعة أفراد فإذا صلح الرجل وصلحت المرأة، وهما عماد الأسرة استطاعا أن يكونا بيتًا نموذجيًا على القواعد التي وضعها الإسلام.. ٣- الأمة المسلمة: وإذا صلحت الأسرة فقد صلحت الأمة وإنما الأمة مجموعة من الأسر، وإنما الأسرة أمة مصفرة، والأمة أسرة مكبرة، وقد وضع الإسلام للأمة قواعد الحياة الاجتماعية السعيدة، فعقد بين بنيها آصرة الإخوة وجعلها قرينة الإيمان، ورفع مستوى هذه الصلة إلى المحبة بل إلى الإيثار، وقضى على كل ما من شأنه أن يمزق هذه الروابط أو يضعف هذه الوشائج وحدد الحقوق والواجبات والصلات، ولم يدع من ذلك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. تزدحم الأفكار في رأسي ويزداد عدد الأسئلة.. رآني مطرقًا أنتقي له سؤالا فخالني أفكر في إجابة أكثر إسهابًا.. قال على الفور:.. هل تريد جوابًا مطولًا ارجع إلى رسالتي المسماة: «دعوتنا في طور جديد» فستجد ما تبتغيه! ● قلت له: لكل دعوة حساد وأعداء.. وتكون أكثر.. عندما تقوم جماعة تنتصر للإسلام.. ويصفونكم بأنكم دعوة سياسية.. مع أنكم تقولون بالإسلام؟! ابتسم الرجل واعتدل في جلسته البسيطة وقال:.. - اسمع.. هل قيل لكم هذا الكلام؟ وهل ردده أمامك رجل ورجلان وثلاثة؟.. أجبت: بأن نعم.! قال.. يقولون: إن الإخوان المسلمين قوم سياسيون ودعوتهم دعوة سياسية ولهم من وراء ذلك مآرب أخرى، ولا ندري إلى متى تتقارض أمتنا التهم وتتبادل الظنون وتتنابز بالألقاب، وتترك يقينًا يؤيده الواقع في سبيل ظن توحيه الشكوك؟ يا قومنا: إننا نناديكم والقرآن في يميننا والسنة في شمالنا وعمل السلف الصالحين من أبناء هذه الأمة قدوتنا وندعوكم إلى الإسلام وتعاليم الإسلام وأحكامه وهديه فإن كان هذا من السياسة عندكم فهذه سياستنا وإن كان من يدعوكم إلى هذه المبادئ سياسيا فنحن أعرق الناس والحمد لله في السياسة وإن شئتم أن تسموا ذلك سياسة، فقولوا ما شئتم فلن تضرنا الأسماء متى وضحت المسميات وانكشفت الغايات. ● أستاذي.. ما نظرتكم إلى القومية.. ؟ القومية.. هيه.. أيتها المفاهيم.. ما أكثر ما تحمل الكلمة من معان. قومية المجد.. إن كان الذين يعتزون بمبدأ القومية يقصدون به أن الأخلاف يجب أن ينهجوا نهج الأسلاف في مراقي المجد والعظمة ومدارك النبوغ والهمة فهذا حسن وموافق، لما يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: «الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا». فها أنت ترى أن الإسلام لا يمنع من القومية بهذا المعنى الفاضل النبيل.. وقس على هذا.. قومية الأمة وقومية التنظيم. أما إن كان المراد بها إحياء عادات جاهلية درست وإقامة ذكريات بائدة خلت وتعفية حضارة نافعة استقرت والتحلل من عقدة الإسلام ورباطه بدعوى القومية والاعتزاز بالجنس كما فعلت بعض الدول في المغالاة بتحطيم مظاهر الإسلام والعروبة حتى الأسماء والحروف وألفاظ اللغة، وإحياء ما اندرس من عادات جاهلية فذلك في القومية معنى ذميم وخيم العاقبة شيء المغبة يؤدي بالشرق إلى خسارة فادحة يضيع معها تراثه وتنحط بها منزلته ويفقد أخص مميزاته وأقدس مظاهر شرفه ونبله ولا يضر ذلك دين الله شيئًا ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾ (محمد:38) ● فضيلة الإمام.. كيف تنظرون إلى واقع الحكومات وما عليه وضع الأمة؟ - تنهد.. من ثم استغفر.. وأجاب أقول: عجيب أن تجد الشيوعية دولة تهتف بها وتدعو إليها وتنفق في سبيلها وتحمل الناس عليها!، وأن تجد المذاهب الاجتماعية والسياسية المختلفة أنصارًا أقوياء، يقفون عليها أرواحهم وعقولهم وأفكارهم وأقلامهم وأموالهم وصحفهم وجهودهم ويحيون ويموتون لها، ولا تجد حكومة إسلامية تقوم بواجب الدعوة إلى الإسلام الذي جمع محاسن هذه النظم جميعًا وطرح مساوئها وتقدمه لغيرها من الشعوب كنظام عالمي فيه الحل الصحيح الواضح المريح لكل مشكلات البشرية مع أن الإسلام جعل الدعوة فريضة لازمة وأوجبها على المسلمين شعوبًا وجماعات قبل أن تخلق هذه النظم وقبل أن يعرف فيها نظام الدعايات. ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران:104) ولذلك فالمهمة أننا نود أن نبني ونعمر فعلينا إحسان الدعوة، والجد في التكوين وتعليم النشء استقلال النفس والقلب واستقلال الفكر والعقل واستقلال الجهاد والعمل وملء روحه الوثابة بجلال الإسلام وروعة القرآن، وأن نجنده تحت لواء محمد ورايته وسترون منه في القريب الحاكم المسلم الذي يجاهد نفسه ويسعد غيره، وكم نتمنى لو كانت لنا حكومة إسلامية صحيحة الإسلام صادقة الإيمان لكنا طلبنا إليها أن تدعم الدنيا باسم الإسلام وأن تطالب غيرها من الدول بالنظر فيه وأن نسوقها إليه سوقًا بالدعوات المتكررة والإقناع والدليل والبعثات المتتالية وبغير ذلك من وسائل الدعوة والإبلاغ. ● كان بودي يا فضيلة الإمام أن أسألك عن الحكومة في الإسلام وعن نظام الحكم في الإسلام بيد أني رأيت تقسيمكم لهذا في رسالة: «الداخلية في ضوء النظام الإسلامي من حيث دعائم الحكم الإسلامي وهي التي حددتموها بـ «مشكلاتنا مسئولية الحاكم ووحدة الأمة واحترام إرادتها» فاكتفيت بإرجاع من يريد إلى ذلك للرسالة المذكورة حيث يجد شرح ما نريد بدل التطويل! أجاب الرجل: ... نعم هذا صحيح ● قلت له:.. سؤال لا أدري كيف أطرحه.. هل أكون صريحًا جدًا فأقول: ما موقف دعوتكم أمام الخلافات الدينية والآراء المذهبية؟ قال: اعلم- فقهك الله- أولا أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة ولا تنحاز إلى رأي عرف من الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة وهي تتوجه إلى صميم الدين ولبه ونود أن تتوحد وجهة الأنظار والهمم حتى يكون العمل أجدى والإنتاج أعظم وأكبر. ونحن مع هذا نعتقد أن الخلاف في فروع الدين أمر لا بد منه ضرورة ولا يمكن أن نتحد في هذه الفروع والآراء والمذاهب؛ لأسباب عدة: منها اختلاف العقول في قوة الاستنباط أو ضعفه وإدراك الدلائل والجهل بها والغوص ابتغاء أعماق المعاني وارتباط الحقائق بعضها ببعض والدين آيات وأحاديث ونصوص يفسرها العقل والرأي في حدود اللغة وقوانينها والناس في ذلك جد متفاوتون فلابد من خلاف، ومنها سعة العلم وضيقه، وإن هذا بلغه ما لم يبلغ ذاك والآخر شأنه كذلك. وقد قال مالك لأبي جعفر: إن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تفرقوا في الأمصار وعند كل قوم علم فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة، ومنها اختلاف البيئات والتطبيق يختلف باختلاف كل بيئة كما فعل الشافعي- رضي الله عنه- في مذهبه بين العراق ومصر. ونحن نعتقد هذا فنلتمس العذر كل العذر- لمن يخالفوننا في بعض الفرعيات ونرى أن هذا الخلاف لا يكون أبدًا حائلًا دون ارتباط القلوب وتبادل الحب والتعاون على الخير وأن يشملنا وإياهم معنى الإسلام السابغ بأفضل حدوده وأوسع مشتملاته. ● هل شخصتم أعراض أمراض هذه الأمة.. وإن كان ذلك قد حصل فما هو وما العلاج؟ - قد علمتنا التجارب وعرفتنا الحوادث أن داء هذه الأمم الشرقية متشعب المناحي كثير الأعراض وقد حال من كل مظاهر حياتها فهي مصابة في ناحيتها السياسية بالاستعمار من جانب أعدائها والحزبية والخصومة والفرقة والشتات من جانب أبنائها وفي ناحيتها الاقتصادية بانتشار الربا بين كل طبقاتها واستيلاء الشركات الأجنبية على مواردها وخيراتها ومن ناحيتها الفكرية بالفوضى والمروق والإلحاد يهدم عقائدها ويحطم المثل العليا في نفوس أبنائها، وفي الاجتماعية بالإباحية في عاداتها وأخلاقها والتحلل من عقدة الفضائل الإنسانية التي ورثتها عن الغر الميامين من أسلافها وبالتقليد الغربي يسري في شئونها سريان لعاب الأفعى، فيسمم دماءها ويعكر صفو هنائها وبالقوانين الوضعية التي لا تزجر مجرمًا ولا تؤدب معتديًا ولا ترد ظالمًا، ولا تغني يومًا من الأيام غناء القوانين السماوية التي وضعها خالق الخلق، وبفوضى في سياسة التعليم والتربية تحول دون التوجيه الصحيح لنشئها ورجال مستقبلها وحملة أمانة النهوض بها. وفي ناحيتها النفسانية بيأس قاتل وخمول مميت وجبن فاضح وذلة حقيرة وخنوثة فاشية وشح وأنانية تكف الأيدي عن البذل وتقف حجابًا دون التضحية وتخرج الأمة من صفوف المجاهدين إلى اللاهين اللاعبين. إن داءً واحدًا من هذه الأدواء يكفي لقتل أمم متظاهرة فكيف وقد تفشت جميعًا في كل أمة على حدة؟ وأقول: لولا مناعة وحصانة وجلادة وشدة في هذه الأمم الشرقية لعفت آثارها ولبادت من الوجود.. ولكن الله يأبى ذلك والمؤمنون. وأحب أن تعلم أننا لسنا يائسين ولا يتطرق اليأس إلى قلوبنا والحمد لله.. وكل ما حولنا يبشر بالأمل رغم تشاؤم المتشائمين. والعلاج يكمن في: ١- المنهاج الصحيح: وأعني به كتاب الله وسنة رسوله وأحكام الإسلام. ٢- العاملون المؤمنون والإخوان يطبقون ما فهموه من دين الله تطبيقًا لا هوادة فيه ولا لين. ٣- القيادة الحازمة الموثوق بها. ذلك يا أخي مجمل ما أردت أن أتحدث إليك به عن دعوتنا وهو تعبير له تعبير وأنت يوسف هذه الاحلام. قلت له: فضيلة الشيخ.. أثقلت عليك.. فاكفهر وجهه، ثم ابتسم وقال:.. ألست تقول أن هذا سوف تنشره للمسلمين.. فأي إثقال هذا الذي تقصده؟.. وأي عذر تريد أن تبديه لي عندما تظن أنك أثقلت علي أو أخذت من وقتي؟.. وهل نحن إلا دعاة.. هنا أو هناك! قل ما تريد.. ودع هذا الكلام. ● قلت: إذن هل من وصية تقدمها لناشئة الإسلام وهم على الطريق؟ - أجاب.. كم هو الحبيب إلى نفسي أن ألقاهم ولكن لأن المجلة تصل أبعادًا لا نستطيعها، فاكتب.. أيها الإخوان: ● آمنوا بالله واعتزوا بمعرفته والاعتماد عليه والاستناد إليه فلا تخافوا غيره ولا ترهبوا سواه وأدوا فرائضه واجتنبوا نواهيه. ● وتخلقوا بالفضائل وتمسكوا بالكمالات، وكونوا أقوياء بأخلاقكم أعزاء بما وهب الله لكم من عزة المؤمنين وكرامة الأتقياء الصالحين. ● وأقبلوا على القرآن تتدارسونه وعلى السيرة المطهرة تتذاكرونها وكونوا عمليين لا جدليين، فإذا هدى الله قومًا ألهمهم العمل وما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل. ● وتحابوا فيما بينكم واحرصوا كل الحرص على رابطتكم فهي سر قوتكم وعماد نجاحكم واثبتوا حتى يفتح الله بينكم وبين قومكم بالحق وهو خير الفاتحين. وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه وسلك بنا وبكم مسالك الأخيار المهتدين وأحيانًا حياة الأعزاء السعداء، وأماتنا موت المجاهدين الشهداء إنه نعم المولى ونعم النصير. أخي المسلم: إذا وصلت إلى هنا فارفع كفك للسماء وادع للذي وفى بعهده فمات موت المجاهدين الشهداء.. وادع الله أن يلحقنا به شهداء مجاهدین.. فرحمة الله عليك يا حسن البنا وأعلى الله مقامك عنده.
الرابط المختصر :