; لماذا توارت الإخوة الإسلامية والمروءة العربية؟ | مجلة المجتمع

العنوان لماذا توارت الإخوة الإسلامية والمروءة العربية؟

الكاتب محمد عبد الله السمان

تاريخ النشر الجمعة 18-أغسطس-1978

مشاهدات 9

نشر في العدد 408

نشر في الصفحة 14

الجمعة 18-أغسطس-1978

قضية ترددت كثيرًا في إثارتها، لأنها ذات حساسية خاصة، وأصبح اليوم جديرًا بنا أن نثيرها -دون أن نضع النقاط على الحروف مؤقتًا- بعد أن فاضت الكأس وبلغ السيل الزبى كما يقولون.

لقد نجح الاستعمار الصليبي في أن يقضي على الإخوة الإسلامية، حتى أصبحت مجرد تاريخ يذكر، أو مجرد مصطلح ليس له أدنى مدلول عملي أو تطبيقي، وقد أسهمت الأنظمة العميلة للاستعمار في تدمير هذا المعنى العظيم النبيل، وجعله في خبر كان -وأصبح الجيل المعاصر فاقدًا كل إحساس بالإخوة الإسلامية، فضلًا عن التعامل بها.

وضحك الاستعمار علينا وسخر منا حين اقترح لنا وثنًا جديدًا أسماه -القومية العربية- ليحل ردحًا قليلًا من الزمن مكان الإخوة الإسلامية التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، والعجيب أن كثيرًا من علماء الدين أنفسهم رحبوا بالوثن الجديد وتأولوا -لتأييده- كتاب الله وسنة رسوله -صلوات الله عليه وسلامه- وضغطوا على تاريخ الإسلام حتى جعلوه في خدمته، حتى لقد كان أحد عمداء كلية دار العلوم الراحلين يقول في الحديث الإذاعي الديني الصباحي: قال نبي القومية العربية كذا وكذا، دون أن أدنى خجل أو حياء.

وبهتت القومية العربية، وباءت بالفشل وباء معها بالخزي دعاتها وزعماؤها الذين أرادوها لعبة سياسية يوسعون بها سلطانهم في العالم العربي ...

هذه القصة أقدمها على سبيل المثال:

لجأت سيدة في السبعين من عمرها من جحيم السفاح الحبشي مانجستو لجأت من أسمرة عاصمة أرتيريا، إلى اليمن الشمالية ولم تشأ -وهي حضرمية الأصل- إلى اليمن الجنوبية حتى لا تنتقل من جحيم إلى جحيم، ورحب بها اليمن الشمالية، وحصلت على تأشيرة إلى بلد عربي لزيارة ابنها العامل بتلك الدولة، وباتت في مطارها ليلتين دون أن يسمح لها بالزيارة برغم تأشيرة الدخول التي حصلت عليها، وأخيرًا قررت أن ترحل إلى دولة عربية أخرى حيث يوجد لها بقية أهل لها، وبقيت بمطارها يومين أيضًا، ولولا أن قيض الله لها من يخبر أهلها، وأنقذوها لماتت من شدة الهلع، لقد قالت إثر خروجها من المطار: كان جحيم مانجستو في أسمرة خيرًا لي مما عانيت في دول عربية كنت أتوهمها شقيقة ...

إن التجار الحضارمة لهم منذ مئات السنين -فضل دخول الإسلام إلى كثير من دول أفريقيا وبعض دول الشرق الأقصى، وقد عرفوا بغيرتهم على الإسلام والعمل على نشره أينما حلوا، بالإضافة إلى حسن سيرهم وأخلاقهم، ولقد تناثرت الأنباء أن هناك محاولات للتضييق عليهم في بعض الدول العربية باعتبارهم أجانب، حتى بالنسبة لمن حصلوا على جنسية هذه الدول، إلى درجة أن إذاعة إسرائيل قد أذاعت بيانًا موجهًا إلى الحضارمة في دولة عربية تدعوهم إلى إسرائيل للعمل بها، وسوف يلقون بها أهلًا وسهلًا، وقد جاء في البيان: إن إسرائيل مستعدة لتحويل خطتها الخمسية إلى خطة عشرية لتستوعب سائر الحضارمة الذين يرغبون في الإقامة بها ...

وقد زرت اللاجئين الأريتريين في شرقي السودان، وسمعت من شكاواهم ما يخجل القلم من ذكره، إنه يعاملون معاملة شر من معاملة المنبوذين، وخلال انعقاد مؤتمر القمة الأفريقي، ضيق على اللاجئين الأريتريين الخناق إلى درجة اليأس من الحياة، بالإضافة إلى أن كل القضايا الأفريقية قد نوقشت في المؤتمر ما عدا قضية أريتريا، ربما من باب المجاملة للإرهابي السافح مانجستو وعصابته، أو ربما كانت إثارة قضيتهم مما يغضب الصليبية. 

هذا ومما ذكرته الأنباء أخيرًا أن بضع مئات من المسيحيين اللبنانيين قد لجأوا إلى إسرائيل، ووجدوا كل ترحاب بها، ونحن المسلمين لدينا الآلاف من اللاجئين من بورما وتشاد، وأريتريا ... ولا نكاد نحس بهم، ونحن لا ننكر أن بعض الدول العربية -على المستوى الرسمي- قدم معونات لهؤلاء اللاجئين، ولكن لا شيء على مستوى الشعوب المسلمة فلم نسمع أن هيئة إسلامية دعت إلى جمع التبرعات لمئات الألوف من اللاجئين المسلمين، من باب تنمية الأخوة في الدين.

وحدث عن كرم أغنياء العرب ولا حرج، ولكن في مجال اللهو والترف فقد أنشئت جمعيات في القاهرة لإحياء تراث أم كلثوم وفريد الأطرش والمدعو عبد الحليم حافظ، وبلغت ميزانيات هذه الجمعيات الألوف من الجنيهات، بل لقد تبرع أحد الأمراء بمبلغ عشرة آلاف جنيه لسباق النيل الدولي، وبزهاء خمسة عشر ألف جنيه لشراء ملابس لفريق أحد أندية الكرة، وناهيك بالهدايا الفاخرة لنجوم اللهو ولقد قدرت الهدايا التي لدى عبد الحليم حافظ بنصف مليون من الجنيهات، وما خفي أعظم بل لقد ذكرت الصحف أن الرسوم الجمركية المتأخرة على السيارات الهدايا التي أرسلت إلى عبد الحليم حافظ بلغت عشرات الألوف من الجنيهات ... أما الهدايا والتحف التي تركتها أم كلثوم فلا تقدر بثمن وإن كان الخبراء قد قدروها في تواضع بمليون من الجنيهات.

إن في الجعبة الكثير من المهازل المثيرة للأسى المرير، وما نسمع عنه في البلاد العربية عن الأثرياء العرب والأمراء العرب، هو جزء مما تنشره الصحف عنهم في لندن وباريس وبعض العواصم الأوروبية الأخرى، من الفضائح المخزية التي يندى لها الجبين، وقد صرح مسئول من قبرص من القطاع التركي، بأن أزمة السياحة في قطاعهم راجعة إلى أن أثرياء العب يؤثرون القطاع القبرصي اليوناني لمصايفهم، حيث الخمور والمتع الرخيصة وصالات الميسر هي التي تجتذبهم، وما يؤسف له أن هذا المسئول وجه نداء إلى أثرياء العرب يناشدهم فيه الإقبال على القطاع القبرصي التركي، وسوف يجدون ما يسرهم من المتع الرخيصة مما لا يقل عن القطاع اليوناني، ولم يعد مجهولًا أن قبرص اليونان مزرعة لإسرائيل وفتيات الليل من إسرائيل ومركز نشاط خطر للتجسس ومخابرات إسرائيل، وقد ضحك على العرب الأب مكاريوس الذي هلك، حين لم يقم علاقة دبلوماسية مع إسرائيل، ليمكن إسرائيل -في ظل هذا الخداع- من أن تكون كل شيء في قبرص، مركزًا للنشاط التجاري، ومركزًا للجاسوسية الإسرائيلية، وبسبب هذا الخداع تمكن الأب مكاريوس من أخذ السلاح من بعض الدول العربية المسلمة وفي مقدمتها مصر في عهد عبد الناصر، ليذبح به القبارصة الأتراك المسلمين. وفي مؤتمر علماء المسلمين السابع الذي يعقده مجمع البحوث الإسلامية كل حين، قال رئيس وفد قبرص الأتراك كلامًا، تمنيت لو لم أسمعه ولسنا في حاجة إلى مزيد من الآلام. والذي يدعو إلى الأسى المرير -لا مجرد الدهشة- أن الشعوب العربية المسلمة اليوم تعيش على هامش المروءة والنخوة العربية بعيدة كل البعد عن الأخوة الإسلامية وتعيش أيضًا في أعماق الإقليمية المتحجرة، وإذا كان شاقًّا علينا أن نعايش الأخوة الإسلامية بمفهومها الواسع أو الضيق، فلا أقل من أن يكون لدينا -باعتبارنا عربًا- النخوة العربية ... وكم كنا نود أن يحس كل عربي في غير دولته من دول العرب أنه في بلده، لكن الذي يحدث أنه يطمع -بلا جدوى- في أن يعامل معاملة الأجانب من واضعي القبعات فوق رءوسهم ... 

وقفت في الصف في مطار دولة عربية لإنهاء إجراءات السفر، والصف طويل للغاية، وما حدث كان أكثر من مثير للدهشة، تقدم أحد ضباط المطار وأخرج الخواجات ليتقدموا الصف ... وتكرر نفس الموقف في أكثر من دولة عربية ... بل في دولة عربية قريبة من الإسلام، رفض مواطنو هذه الدولة أن يقفوا في الصف من تلقاء نفسهم ووجدوا ترحيبًا من المسئولين، وفي أحد مطاعم هذه الدولة رأيت عجبًا، فالضيوف يدفعون ثمن طلباتهم من الطعام مقدمًا بينما أهل البلد وحدهم يدفعون مؤخرًا.

ومن من دولة عربية زرتها إلا استمعت فيها شكاوى مريرة من العاملين بها، ومؤدى أبسط الشكاوى التفرقة في المعاملة، والتضييق على الضيوف إلى درجة الاضطهاد، وأحيانًا ما هو أكثر من الاضطهاد، بالرغم من أن هؤلاء الضيوف ليسوا عالة، وإنما يؤدون عملًا لمصلحة الدولة التي نزحوا إليها وإذا ظروف المعيشة في بلادهم قد أحوجتهم إلى العمل خارجها، مدفوعين أنهم سوف يكونون في بلادهم أيضًا، فليس من المروءة أن نستغل حاجة ذوي الحاجات، فنسيء معاملتهم، ونجعلهم يحسون بأنهم منبوذون في أرض المفروض فيها أنها أرضهم هم أيضًا ...

ولك أن تسأل العرب العاملين في أمريكا وأوروبا، هل يشعرون بأدنى تفرقة، ولا أقول أدنى اضطهاد ألسنا بذلك أولى، وهؤلاء إخواننا في الدين والعروبة ...؟؟

 

الرابط المختصر :