; لماذا يكره الخاسرون الإسلام.. وهو الهُوِيَّة؟ | مجلة المجتمع

العنوان لماذا يكره الخاسرون الإسلام.. وهو الهُوِيَّة؟

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الثلاثاء 08-أكتوبر-1996

مشاهدات 15

نشر في العدد 1220

نشر في الصفحة 49

الثلاثاء 08-أكتوبر-1996

عاشت الأمة الإسلامية حوالي ثلاثة عشر قرنًا الأمة الأولى في العالم، لأنها عاشت الإسلام هُوِيَّة، وسلوكًا، ومنهجًا، وحياة، ثم خلف من بعدهم خلوف بعدوا عن الإسلام الصحيح فهمًا، وفكرًا، وسلوكًا فتخلفوا في العلم، وجمدوا في التفكير، وركدوا في الفقه والتشريع، وقصروا في التربية والتوجيه، وفسدوا في الحكم والإدارة؛ فزحف عليهم عدوهم الذي ارتشف منهم، فحفظ وضيعوا، وعمل وبددوا، وتفوق عليهم بعد أن كانوا أساتذته، فبهر أبصارهم وخلب البابهم، وبدأ العدو الزاحف يخطط للاستيلاء على تلك الشعوب الهامدة، وهذه العقول المبهورة، فاستعمر أرضها، وملك فكرها، وربى جيلًا مشبوهًا مشوهًا حركه بعد رحيله، ووجهه بعد سفره، وكان له العقل المخطط والفكر المنفذ، فأفسد بهم التعليم ونسف بهم العقائد، وخرب بهم الأسر، وعلمهم الشرود، ولم يعطهم الحقيقة، وبث فيهم الأقوال ولم يورثهم الأعمال، وقدم إليهم القشور وحجب عنهم اللباب وجههم إلى الثرثرة، ومنعهم البحث، ودربهم على السفسطة، وأزهلهم عن الاختراع، أوحى إليهم أن الحرية ضياع ووسوس إليهم أن الفكر إلحاد، وأن البذاءة فلسفة، والتحلل مدنية، والرذيلة فن، والجاهلية فلكلور وتراث وثقافة؛ فاصبح التعليم أخلاطًا من السموم، وأنواعًا من العلل، وأصبح الترقي فيه أثقالًا على كواهل الأمم، وخلقًا للمشاكل وحلقة مفرغة، وصرخة في واد، ولا عجب إذ ترى أن من أممنا اليوم من أخذت بأسباب هذا العلم من أربعين عامًا أو يزيد، وبلغت فيه ما تظنه الغاية، وهي الآن لا تستطيع أن تصنع عربة للخيول، أو مغزلًا تنسج به ما يواري عورتها، أو رصاصة تدافع بها عن النفس، وأظنها لو لم تتعلم لفعلت ذلك وفاقته.

وقد صرحت المبشرة أنا ميلجان عن الهدف من التعليم في هذه الأمم ومهمته في بلاد العرب والمسلمين فقالت: «إن المدارس أقوى قوة لجعل الناشئين تحت تأثير التعليم الإلحادي، وهذا التأثير سيستمر حتى يشمل أولئك الذين سيصبحون يومًا ما قادة أوطانهم، وتقول أيضًا عن كلية البنات الخاصة بالقاهرة، في كلية البنات في القاهرة بنات آباؤهن باشوات وبكوات، وليس ثمة مكان آخر يمكن أن يجتمع فيه مثل هذا العدد من البنات المسلمات تحت النفوذ المسيحي، وليس ثمة طريق إلى دحض الإسلام أقصر من هذه المدرسة.

ويقول المستر بنروز -رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت: «لقد أدى البرهان إلى أن التعليم أثمن وسيلة استغلها المبشرون الأمريكيون في سعيهم لتنصير سورية ولبنان»، ويقول المبشر جون تكلى: «يجب أن نشجع إنشاء المدارس وأن نشجع على الأخص التعليم الغربي، إن كثيرًا من المسلمين قد زعزع اعتقادهم حينما تعلموا اللغة الإنجليزية، وإن الكتب المدرسية الغربية تجعل الاعتقاد بكتاب شرقي مقدس أمرًا صعبًا جدًا، ويقول القس الشهير «زويمر» في وصاياه للمبشرين: «ينبغي ألا يقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشيرهم للمسلمين ضعيفة، إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوروبيين وتحرير النساء».

ومن هذه الخطة وهذه الهجمة الحاقدة الساخطة نشأ جيل مهجن ورث الإسلام أسماء وأشكالًا فارغة، ورفضه تربية وقوانين وهدفًا ورسالة، فكان الفشل في كل شيء:

في المجال الاقتصادي.. حيث لا إنتاج، ولا عدالة في التوزيع، ولا تكافؤ الفرص، ولا استقرار على نظام معين، بل تأرجح بين هذا وذاك.

في الحريات وطمأنينة الشعوب.. وحدث عن ذلك ولا حرج، فالمعتقلات والسجون والظلم، والطغيان، وتكميم الأفواه واللعب بالأموال، والعبث بالأعراض، فاقت كل تصور.

في المجال العسكري.. وما إسرائيل المزعومة «كما سميت» إلا محك هذه الشعوب وتلك الأوطان حتى التي تولى قيادتها عسكريون، فما استطعنا صنع شيء، أو رسم خطة أو كسب معركة، أو منع توسع، حتى بعد شراء السلاح بمئات الملايين، واستقدام الخبراء، وإطلاق الحناجر، ودبلجة الشعارات.. وأصبح الحلم الذي يرى في اليقظة إزالة آثار العدوان، وفي الحديث النبوي الشريف «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فأصنع ما شئت».

في المجال الأخلاقي في المجال الإسلامي، في المجال العربي، في المجال العالمي، في المجال الحضاري كل هذه المجالات كان الرسوب -فيها مهولًا أذهل الغيورين على أمة الإسلام وأزعجهم، والسؤال الآن بعد وقفة تفكر وبرهة تعقل «لماذا يكرهون الإسلام؟» هذا المنهج المتكامل الذي برئ من العوج والانحراف، الذي يعطي الجواب الصحيح عن كل مسألة، ويحكم بالحق في كل مشكلة، المنهج الذي لا منقذ غيره للناس مما هم فيه من شقوة وعذاب وهوان وحيرة واضطراب مفتاح الشخصية الإسلامية والعربية، الذي يفجر طاقاتها المكنونة، وجمع صفوفها المبعثرة، وانطلق بها بقوة الصاروخ نحو أهدافها، فأخرج العالم من الظلمات إلى النور.

ولماذا يعادونه ويحاولون القضاء على دعاته والمنتسبين إليه، ألأنهم يجهلون قدره، ولا يعرفون ما فيه من الحق؟ كلا.. فهم يكرهون الإسلام وهم يعلمون ما فيه من الحق والخير، وبأنه هو الذي يقوم ما أعوج من شؤون الحياة، يكرهونه لأنه نور كاشف وهم لا يحبون النور، يكرهونه لأنه يكشف عن كل انحراف، وهم يخشون على شهواتهم ومصالحهم ومنافعهم وأهوائهم التي اختلسوها اختلاسًا في غيبة النور، إن أي طاغية في داخل العالم الإسلامي سواء أظهر عداوته للإسلام أو سترها لا يمكن أن يطبق الإسلام أو يهادن دعاته، لسبب بسيط جدًا، لأن الإسلام يجعل ولاء الناس لله بينما هو يريد أن يكون ولاء الناس له، ولأن الإسلام يحرم أموال الناس وأعراضهم ودماءهم، وهو يريد أن يأخذ ويهتك ويسفك، ولأن الإسلام ينفي العبودية عن الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا، وهو يريد أن يعبدهم لهواه، وهؤلاء دائمًا لا تكون قوتهم من أنفسهم أو إرادتهم ذاتية، إنما هي نابعة من غيرهم يقيمهم تارة الاستعمار الشيوعي أو الصليبي أو الصهيوني، ويحركهم على مسارح الأحداث وفق أهواء مشتركة ومصالح متشابكة، وعجيب أن تعمي الحقائق، وتقلب القيم في دقائق معينة، دون رفق بالعقولـ ورأفة بالإفهام، فيسمى التعصب اليهودي سماحة، والتسامح الإسلامي تعصبًا، والإرهاب الصهيوني دفاعًا عن النفس، والدفاع الإسلامي بالكلام فتنة، والإثارة والعنصرية والتآمر والحقد حضارة، والدعوة إلى الأخوة والإيمان انحرافًا، عجيب أن تكال التهم للبريء ويتربص بالأمن، ويسب الكريم، ويُهان المخلص، ويحتقر العامل، ويزدرى الرجال، بينما يصادق العدو، ويُمدح الضال، ويحب المتربص، ويصفق للبوم والغربان.

وبعد.. نقول لكل متحامل: حنانيك لا تقطع يدك فهي قوتك، ولا تقتل أخاك فهو ردؤك، وأفسح الطريق لرجال الصدق، ومناهج العدل، فهم قادمون، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: ٢١).

الرابط المختصر :