العنوان لمن تدق الأجراس في تل أبيب؟
الكاتب جمال النهري
تاريخ النشر الثلاثاء 07-أبريل-1970
مشاهدات 99
نشر في العدد 4
نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 07-أبريل-1970
* لا مشكلة مَع اليَهود!
* كل المشكلة مَع الصهيونيّين!
* راكاح في إسرائيل!
بينما كانت كعوب أحذية فرقة «البانزر» الألمانيَّة تدق أبواب باريس، وبينما كان الماريشال بيتان رئيس الجمهورية الفرنسيَّة «1941- 1942» يستعد في نفس الوقت لتسليم فرنسا رسميًّا للقوات الغازيَّة، كانت الملاهي والكباريهات الليليَّة تغني أشهر أغنية اشْتُهِرَت في باريس.
بل وطارت شهرتها في العالم أجمع بعد ذلك، لأنها أصبحت رمزًا لحياة فرنسا في هذه الفترة الحساسة من فترات السقوط في التاريخ.
أما الأغنية فكان مطلعها يبدأ بهذه الكلمات «كل شيءٍ على ما يرام.. يا سيدي الجنرال». «كل شيءٍ جميل».
كانت باريس تحترق، فرنسا تركع، والأغنية الساخرة تتردد «كل شيءٍ على ما يرام يا سيدي الجنرال»، «وشعار كل شيء على ما يرام.. يا سيدي» هو علامة السقوط العقليّ. والسقوط العقليّ هو التمهيد الطبيعيّ لسقوط العقيدة، وسقوط الأرض، وباختصار علامة الاستسلام المطلق.
ونحن في حاجةٍ فادحة هذه الأيام إلى استنهاض عقولنا، ومن المشين أن نرفع رايات الجهاد دون أن نحاول أن نتحمَّل تبعاته الحقيقية، وأولى هذه التبعات أن نفكِّر، وأن نختزن «الفكر الثقيل». فمن مادته تضع العدسات المجهريَّة التي نستطيع أن نرى بها ما يحيط بعالمنا الإسلاميّ، وما يجرى في جنباته من مؤامراتٍ تستهدف سحقه بلا هوادة. قفزت هذه الصورة المرهقة إلى مخيلتي وأنا أتأمَّل مليًّا موجات الكساد والكسل العقليّ يحيط بحياتنا برغم الأخطار التي تفغر أفواهها في كل جانبٍ.
وظروف الانهيار والقتل الذي يصاحبه في أجزاءٍ كثيرة من عالمنا الإسلاميّ تفرض علينا جميعًا أن نبدأ التفكير من نقاط متقدمة، وليس من نقطة الصفر، وتفرض أيضًا ألا نسير بعقولنا، بل نقفز ونطير.
يقول نيتشه: «العبقرية هي الذاكرة. وهذا حق، «وعبقرية الشعوب أيضًا تكمن في ذاكرتها».
والشعب الإسلاميّ في المنطقة التي رأى الغرب أن يطلق عليها منطقة الشرق الأوسط، حتى يحرمها من أسمها الأصيل وهو الشرق الإسلاميّ. هذا الشعب يحتاج إلى أن يعود عشرين عامًا للوراء، وأن يعاود النظر. ففي حرب عام 1948 لم تدم الحرب أكثر من ثلاثين يومًا، ثُمَّ تحوَّلت فلسطين بعدها إلى «إسرائيل»، وفي هذه الأيام كانت كل الدول العربيَّة «رجعيَّة».
وبرغم ذلك فقد كان واضحًا في الذهن العربيّ أن «اليهود» هم الذين صنعوا إسرائيل. فقد رأينا «اليهود» الذين عاشوا في «حارات اليهود» هم وآباءهم وأجدادهم في مصر وسوريا واليمن والعراق والجزائر وتركيا.
رأيناهم يخرجون من هذه «الحواري» ليذهبوا إلى إسرائيل ويحملون السلاح ويطلقونه في صدور الذين عاشوا بين ظهرانيهم مئات السنين.
وفي هذه الأيام التي كان «الوعي» فيها متخلفًا، «والتكنية» أشد تخلفًا لم نر حاكمًا أو محكومًا يجرؤ على أن يتحدَّث عن السلام مع إسرائيل، أو يطالب بالتحدُّث مع بعض الأصوات الشريفة لليهود الشرفاء.
وبعد مرور عشرين عامًا، وبعد أن اتسعت الرقعة التي تحكمها إسرائيل، يبرز بين صفوفنا من يقدم لنا نماذج من الشرفاء اليهود لنتفاهم معهم ولتصنع حدود السلام، فمن هم هؤلاء الشرفاء، ومن الذي يقدمهم؟
من «أجل السلام»، لطفي الخولي يقدم لنا اليوم «راكاح» ممثلة لهذا النموذج الشريف، ويقدم معها برنامجها. فمن هي راكاح؟ «وراكاح» هي الاسم العبريّ المختصر للقائمة الشيوعيَّة الجديدة في إسرائيل، تحت زعامة الرفيق «ماير فلنر»، الذي انشق من الحزب الشيوعيّ الإسرائيليّ بدعوى حدوث اختلاف أيديولوجيّ داخل الحزب الشيوعيّ.
فماذا تقول راكاح، وما هي شعاراتها؟
إنها تنادي «أولًا» أيها اليهود ليس مع الاستعمار «والرجعيَّة» والصهيونيَّة ضد الشعوب العربيَّة، بل مع الشعوب العربيَّة، ضد الاستعمار«والرجعيَّة» والصهيونيَّة.
وثانيًا: «توجد تناقضات مختلفة في المنطقة ومن بينها النزاع العربيّ الإسرائيليّ، غير أن التناقض الأساسيّ هو بين الاستعمار وبين الشعوب، بين الاستعمار من جهة وبين حركة التحرُّر القوميّ في البلاد العربيَّة والقوى المناهضة للاستعمار في إسرائيل».
وإذن فبتأييد الخولي لبرنامج «راكاح» وبحسب ما ورد في مقاله، يؤكد أن:
1- لا مشكلة مع اليهود، بل كل المشكلة مع الصهيونيين.
2- دعوته «لتنسيق» الجهود بين القوى التي تقاوم «الاستعمار» في إسرائيل وفي الدول العربية،
أي ينبغي أن ينشأ تحالف بين القوة التقدميَّة في المنطقة «بما فيها إسرائيل طبعًا» ضِدّ الرجعيَّة في المنطقة كلها.
- قاعدتا التحرُّك اليهوديّ داخل المنطقة وخارجها.
ما الفائدة التي تعود على إسرائيل من دعوى «راكاح»؟
1- في داخل المنطقة.
أولًا: تتيح «حرية الحركة» للقاعدة الكبيرة من اليهود داخل الأرض العربية.
ثانيًا : إنها تمكِّن اليهود الذين يعملون داخل الأحزاب الشيوعيَّة من التحرُّك دون أن تنالهم أصابع الاتهام.
أما في خارج المنطقة فعلى العكس من ذلك تنبني الإستراتيجيَّة السياسيَّة الإسرائيليَّة على أساس الاندماج الكامل. فكل يهوديٍّ هو صهيونيّ وكل صهيونيّ إنما هو يهوديّ أصيل «فهرتزل» الأب الفكريّ والحركيّ لدولة إسرائيل، كان يُعَدّ زعيمًا قوميًّا لليهود.
أما المتدينون «فقد رأوا فيه رسولًا من قِبَل الله»، ورأى فيه أطفال الجيل الجديد «المثل الأعلى». أما فرقة الحراس «هاشومير» الأساس الدفاعيّ عن المستعمرات اليهوديَّة، فقد كانت شعاراتها من صلب التاريخ اليهوديّ «بالدم والنار سقطت اليهوديَّة، وبالدم والنار ستقوم ثانية». أما «ابن جوريون» فإن اسمه متخذ من التوراة وهو يعني «ابن الشبل» وبن جوريون يقول عن نفسه: «ولدت في بيتٍ صهيونيٍّ ورضعت العبريَّة وحُبّ صهيون منذ الطفولة.
كان جدي يعلمني «لغة التوراة» بطريقة الكلمات المتقاطعة، ولا أزال أذكر ذلك»، ويقول بن جوريون: «إن خروج «اليهود» من فلسطين ألف عام لا يعني شيئًا، وإن اليهود المقاتلين في الماضي يجب أن يكونوا قدوة «ليهود اليوم».
أما الوكالة اليهوديَّة كما نصت عليها الفقرة الرابعة من صك الانتداب سنة ۱۹۲۱ فإنها لتمثيل «اليهود» في فلسطين.
والمادة الأولى من «الدستور اليهوديّ» تقول: يحق «لكل يهوديٍّ» المجيء بصفته مهاجرًا عائدًا.
● الطبقة العسكريَّة في إسرائيل
أما جذور العسكريين الإسرائيليين فقد «تشبَّعت أساسًا بمفاهيم دينيَّة وتاريخيَّة للقيم اليهوديَّة «انظر: العسكريون في المجتمع الإسرائيليّ: حاتم صادق».
وهؤلاء وإن كانوا انعكاسًا «للشخصيَّة اليهوديَّة» بصفةٍ عامة، فإنهم نتيجة تعمّقهم في هذه القيم «الدينيَّة» يملكون قدراتٍ معيَّنة في المجتمع تستطيع من خلالها أن تسيطر وتوجِّه».
● ودعوة اليسار لتبني التفرقة بين «اليهوديّ والصهيونيّ» ترمي لدرء اتهامات التدعيم الشيوعيّ الجذريّ في بناء إسرائيل.
فمنظمة «الهاشومير» تكوَّنت من صهيونيين اشتراكيين من بولندا وروسيا وليتوانيا.
وأوَّل منظمات الدفاع إنمـا قامت كفرعٍ من حزب بو علي تسيون بشرق أوروبا.
أما أساس الجيش الإسرائيليّ فكان من الصهيونيين الاشتراكيين بصفةٍ عامة «نفس المرجع السابق».
● حرب الشعارات:
إن الشعار الصحيح والمقابل لشعار أمثال الخـولي، هو المشكلة كل المشكلة مع اليهود، وإسرائيل هي رأس الحربة لليهوديَّة العالميَّة».
● ما وزن «راكاح» في إسرائيل؟
حاول الكاتب في مقاله أن يوهمنا أن تقرير راكاح حدثٌ خطيرٌ ومؤثِّرٌ في أزمة الشرق الأوسط.
بل وحاول أن يروي لنا حكاية مؤثِّرة طريفة عن إخلاص «ماير فلتر» زعيم هذه القائمة الشيوعيَّة الجديدة حكاية لا تجوز إلا على السذَّج.
وخلاص القصة، أن صهيونيًّا متعصبًا یُدعَی «ابراهام من مؤشيه هزرون» طَعَنَ ماير فلتر بخنجرٍ في قلب تل أبيب، لدفاع الأخير عن العرب في بياناته « إلى هذا الحَدّ».
فما وزن راكاح نفسها داخل إسرائيل؟
إن الحزب الشيوعيّ الإسرائيليّ لم ينل خــلال انتخابات الكنيست «البرلمان الإسرائيليّ» الخمسة من ١٩٤٨ حتى ١٩٦٥ إلا مقاعد معدودة.
ففي الكنيست الأوَّل 25/4/49 نال الحزب الشيوعيّ ٤ مقاعد.
وفي الثاني 3/7/1951 نال 5 مقاعد.
وفي الثالث 26/11/1955 نال ٦ مقاعد.
وفي الرابع 3/11/1959 نال ٤ مقاعد.
وفي الخامس 15/8/1961 نال 5 مقاعد.
وفي السادس 2/11/1965 نال ٦ مقاعد.
أما «القائمة الجـديدة للشيوعيين والشيوعيين العرب» فلم تنل سوى ٣ مقاعد في الكنيست السادس 1965.
فلماذا إذن يوهمنا الكاتب الشيوعيّ بأن تقرير «راكاح» حَدَث تناقلته وكالات أنباء عالميَّة، وأنه أمر له دلالته في أزمة الشرق الأوسط وللصِّرَاع العربيّ الإسرائيليّ خاصة، لعله يعتمد على قلة المنشور في أحوال إسرائيل الداخليَّة، وعلى قلة من يضطلع على هذه الأحداث سواء من المثقفين العرب أو الإسلاميين.
واجبات على عاتق اليسار:
يتضح الآن أن المطلوب من اليسار هو إشاعة روح التفاهم وغرس بذور المُسَالمة بين اليهود والعرب، مع انتهاز الأوضاع النفسيَّة التي ترتبت على هزيمة ١٩٦٧.
تذكَّروا جيدًا، أنه لم يجرؤ صحافيّ أو كاتب منذ 1948 حتى ١٩٦٧ أن يدعو لمثل ما يدعو إليه اليسار اليوم. واليوم يخرج الفئران من أنقاض الهزيمة يحملون طاعون هزيمة جديدة.
والآن سقطت 6/1 الأرض المصريَّة، والجيش اليهوديّ يبني ثلاثة محاور محصَّنة داخل سيناء، والمدافع والطائرات اليهوديَّة تضرب السطح والعمق، ونصف مليون من أهل القنال يتحولون إلى لاجئين في أنحاء الأرض المصريَّة، ومع ذلك فالشيوعيون يتحدثون عن المعركة ضد «الرجعيَّة».
ويطالبون بدمج حركات التقدُّم في البلاد العربيَّة وإسرائيل، حركة واحدة من «العرب واليهود» ضد الاستعمار والرجعيَّة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
