; أرتيريا بدأ العد التنازلي لسحق الثورة الارتيرية. | مجلة المجتمع

العنوان أرتيريا بدأ العد التنازلي لسحق الثورة الارتيرية.

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 25-أبريل-1978

مشاهدات 10

نشر في العدد 396

نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 25-أبريل-1978

شؤون عالمية

إلى متى يستمر الصمت على ما يجري في عالمنا الإسلامي.. ؟

الحوادث تتسارع في منطقة القرن الأفريقي، هذه المرة في أرتيريا بالذات. وكما تقول صحيفة الفيغارو في عددها الصادر في ١٣ أبريل فقد تجدد الاهتمام بالقرن الأفريقي.

وكما قلنا في المجتمع عدد ٣٩٤ فلم تكن نهاية حرب أوغادين إيذانًا بحلول السلام في المنطقة بقدر ما كانت مجرد إسدال الستار على فصل من المسرحية، بانتظار إعطاء إشارة البدء بالفصل الثاني. ويبدو أن الأضواء الخضراء قد أثيرت الآن. ويمكن رصد حركة الحوادث في المنطقة على المحاور الثلاثة التالية:

أولًا: محور القتال في أرتيريا

ثانيًا: محور الصومال- الحبشة

ثالثًا: محور «الحل السلمي»

  • طبول الحرب في أرتيريا.

واضح أن الجيش الأثيوبي والوحدات الكوبية العاملة معه كانا يقضيان فترة استجمام واستعداد لما بعد حرب أوغادين. القوات الكوبية وصل عددها إلى ١٧ ألف جندي. وقد أكدت المصادر الغربية أن كوبا تعزز قواتها استعداد الهجوم كبير مرتقب على أرتيريا التي حرر الثوار ٩٥ بالمائة منها. في حين بلغ عدد المستشارين العسكريين السوفيت حوالي ٠٠٠,١ مستشار.

في نفس الوقت أعلن أحد أرکان النظام العسكري في أديس أبابا، الكابتن فيكري سيلاسي وروجرز، أنه يجب تصفية من أسماهم بالانفصاليين الإرتيريين، وقال: إن صراعًا مريرًا ينتظرنا فيما يتعلق بتصفية كافة الفصائل الرجعية بمن- فيهم الانفصاليون الارتيريون.

أما الثوار أنفسهم فهم يتوقعون الهجوم منذ زمان طويل. ففي بيان أصدرته قوات التحرير الشعبية التي يتزعمها السيد عثمان صالح سبي قالت إن جنودًا كوبيين مدربين على أيدي خبراء سوفيت بدؤوا بالوصول- إلى أسمره ومصوغ منذ أسبوعين على البحر الأحمر قادمين من أوغادين استعدادًا لغزو أرتيريا.

متحدث باسم الجبهة الشعبية لتحرير أرتيريا، التي يتزعمها أسياسي أفورقي، قال: إن الكوبيين لم يأتوا إلى هنا ليلعبوا كرة القدم!

ولا يخفي الثوار الإرتيريون، الذين يحاربون منذ ١٧ عامًا، للحصول على الاستقلال، ثقتهم بأنفسهم وبمقدرتهم على مواجهة القوات الحبشية -الكوبية الغازية. 

ويتوقع مراقبون غربيون أن يواجه الكوبيون صعوبات في أرتيريا، حيث يعتقدون أن الأرض الإرتيرية ليست صالحة لحرب من النوع التقليدي الذي جرى في أوغادين. وسيكون من العسير عليهم خوض حرب عصابات مع ۰٠۰,٤۰ مقاتل. ويقول أحد الثوار إن السوفيت والكوبيين مرتزقة وسوف نهزمهم. وصرح ناطق باسم جبهة التحرير بأنهم مستعدون لخوض معركة على أرضهم.

  • الصومال- أثيوبيا.

من جهة ثانية، تطورت الحوادث في الصومال بشكل درامي مثير. وقع انقلاب عسكري توقعه الكثيرون، وقد ثارت تكهنات كثيرة حول الذين يقفون وراءه، ولا يكفي طبعًا قول محمد سياد بري إن الإمبريالية الجديدة والاستعمار هما اللذان دبرا الانقلاب.

الحرب الإعلامية الصومالية- الحبشية تطورت بصورة خطيرة. مادة الكلام الأساسية نشاط ثوار جبهة تحرير الصومال الغربي. 
الحبشة تقول إن هؤلاء ليسوا إلا جنودًا صوماليين. وهددت الصومال بنقل الحرب إلى داخل حدوده. الرئيس الحبشي قال إن الصومال لم يضع حدًا لما أسماه بسياسته العدوانية ضد جيرانه. وأضاف: أن المعارك لن تدور هذه المرة داخل الحدود الأثيوبية.

الصومال رفضت التهديدات الحبشية، وأعلن مسؤولون صوماليون أن بلادهم ستواصل تقديم الدعم المادي والمعنوي للثوار، وقالوا إن الصومال مستعدة للدفاع عن كرامتها الوطنية.

أما الثوار الصوماليون أنفسهم فقد نفوا أن تقع المسؤولية على الصومال فيما يتعلق باستمرار حرب العصابات، وأكدوا أن الكفاح سيستمر حتى يتحقق النصر النهائي.

  • الحل السلمي؟

في خضم هذه الأحداث المتلاحقة ووسط جعجعة السلاح، سمعت أصوات تنادي بالحل السلمي والمفاوضات بين الثوار الإرتيريين والحكومة الحبشية.

  • الصوت الأول جاء من واشنطن حيث ناشدت وزارة الخارجية الأميركية الطرفين تسوية الخلافات دون سفك مزيد من الدماء.
  • نائب الرئيس الكوبي قال: إننا نشعر بأنه يتعين إجراء مفاوضات بين الإرتيريين والحكومة المركزية.
  • الصوت الثالث جاء من بين صفوف الثوار أنفسهم. فقد عرض أحمد ناصر، رئيس جبهة التحرير- المجلس الثوري إجراء محادثات حول مستقبل العلاقات بين أثيوبيا وأرتيريا، والبحث في نهاية حرب الاستقلال. وأعلن أن الحل السلمي سيكون في مصلحة الطرفين- ومع أن زعيم الجبهة لم يتخل عن مطلب الاستقلال، فإنه لم يستبعد إقامة علاقات طبيعية مع الحبشة ومنحها حق الوصول إلى البحر وتسهيلات ترانزيت. وقد ذكر أن أحمد ناصر قد زار موسكو سرًا.. - المستقبل١٥ نیسان-

إلا أن قوات التحرير الشعبية رفضت دعوة المجلس الثوري، وقالت إن ذلك لأمر مؤسف.

المهم أن المراقبين يختلفون في تفسير بالونات الحل السلمي هذه. البعض منهم يرى أن دعوة المجلس الثوري جاءت لإثبات حسن النية. في حين يرى البعض الآخر أنه من المحتمل أن تقف مخاوف من الهجوم المرتقب خلف الدعوة السلمية. إلا أن احتمال وجود ضغوط دولية وعربية هو الأرجح.

ليس سرًا، على سبيل المثال، أن الدول العربية المعتدلة، وبالذات محور مصر- السعودية- السودان قد أصيبت بخيبة أمل من فشل تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة عربية، بعد أن تمكن النظام الماركسي في الحبشة من قلب الميزان لصالحه في القرن الأفريقي، كما تقول مجلة الفيغارو عدد ١١-٤. ولربما لم يعد بوسع هذه الدول التشجيع على خوض معركة ثانية مع محور الحبشة- كوبا- روسيا.

ولیس سرًا أيضًا أن السودان بالذات، المعروف بمواقفه المتقلبة من الثورة الإرتيرية، قد تعب من تأييد الثورة، وبالذات من تحمل الأعباء المالية الضخمة لإعالة  ۱٥۰,۰۰۰ لاجئ أرتيري يقيمون على الحدود السودانية. إضافة إلى أن المصالحة التي عقدها النظام الحاكم في الخرطوم مع معارضيه الأقوياء كان من أهم شروطها، كما تقول الأهرام في ١٦,٤ هو تحسين علاقات السودان مع كل جاراتها سواء في الجنوب أو الشمال، والمقصود طبعًا الحبشة جنوبًا، وليبيا شمالًا. علمًا بأن المعارضة السودانية تحتفظ بعلاقات ودية مع كلتا الدولتين.

  • لعبة الأمم

ما يحدث في القرن الأفريقي خاصة وفي أفريقيا عامة لا يخرج طبعًا عن نطاق لعبة الأمم. هناك صراع، وهناك وفاق بين الدول الكبرى. وما لم ترس سفينة الوفاق أو الصراع على قرار نهائي تبقي أفريقيا في مهب الريح، خاصة إذا عرفنا أن العوامل الخارجية، كما يرى البعض، قد تكون أكثر تأثيرًا على مجريات الأمور في هذه القارة من غيرها من العوامل.

وإلى لحظة كتابة هذا التقرير برزت إلى السطح المتغيرات التالية. 

١- الصحافة السوفيتية، وبالذات البرافدا، بدأت بتهيئة الأجواء لتبرير التورط السوفيتي في منطقة القرن الأفريقي.

 ۲- وصلت، ولأول مرة، قوات مشتركة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إيطاليا إلى مياه جنوب البحر الأحمر، أي إلى شواطئ القرن الأفريقي، لإجراء مناورات.
البرافدا ، من جانبها، نددت بهذه المناورات التي وصفتها بأنها استفزازية.

٣- الدول الغربية صعدت من مواجهتها السياسية مع الاتحاد السوفييتي. فقد أعلن المدير المساعد لوكالة المخابرات المركزية أن الاتحاد السوفييتي وكوبا يقومان بأكبر حملة لفرض النفوذ في أفريقيا منذ أن اقتسمت الدول الأوروبية أفريقيا في القرن التاسع عشر. وهو يشير بذلك إلى مؤتمر برلين الذي عقد في ١٨٨٤ -١٨٨٥.

٤- أميركا رفضت تزويد الصومال بأية أسلحة، حتى ولو دفاعية، بالرغم من التقارب العام في العلاقات بين البلدين. المصادر الأميركية عللت ذلك بوجود عوائق منها رفض الصومال إعلان التخلي عن مطالبتها بصحراء أوغادين، والتخلي عن استمرار دعمها للثوار الصوماليون.

٥- الرئيس الصومالي قام بزيارة للصين. وذكر أن الصحف الصينية وضعت زيارته في إطار مناهض للسوفييت. واتهمت صحيفة الشعب الاتحاد السوفييتي بأنه طبق أسلوب القهر والترهيب ضد الدولة الصومالية ذات السيادة، لكي يتسنى له ابتلاع القرن الأفريقي.

وحركة الرئيس الصومالي باتجاه الصين تأتي ضمن الخط التقليدي لاتجاهات القادة في العالم الثالث. عندما يخذله الاتحاد السوفياتي، يقوم هو بخذلان حليفه القديم بمصادقة العدو التقليدي لموسكو، الصين!

  • ما العمل؟

هذه هي صورة موجزة لحركة الأحداث في هذه المنطقة الهامة من العالم عامة، ومن العالم الإسلامي خاصة، خلاصتها أن الدور الآن هو أرتيريا، بعد أوغادين وجنوب لبنان.
وفي رأينا أن المطلوب الآن على وجه السرعة هو:

أولًا، وحدة الحركات الارتيرية الثلاث، فالمتعين على المقاتلين الإرتيريين الآن الارتفاع فوق الخلافات الجانبية، وتوحيد صفوفهم. 

ثانيًا، مواصلة القتال والصمود بوجه الغزاة حتى يتحقق الاستقلال التام.

ثالثًا، أبعاد الثورة الارتيرية عن «لعبة الأمم» وضغوطها ومؤتمراتها . 

رابعا، قيام العرب والمسلمين بمساعدة الثورة عسكريا وسياسيا وماليا.

ولسنا نحب أن نكرر السؤال الذي رفعته إحدى الصحف العربية: 

- هل يتفرج العرب على أرتيريا مثلما تفرجوا على أوغادين؟

لزيادة المعلومات عن فصائل الثورة الإرتيرية راجع مقابلة الأستاذ محمد السمان.

الرابط المختصر :