; ماذا تقرأ في شهر رمضان؟ | مجلة المجتمع

العنوان ماذا تقرأ في شهر رمضان؟

الكاتب نصر الدين العديلي

تاريخ النشر الثلاثاء 27-أكتوبر-1970

مشاهدات 12

نشر في العدد 33

نشر في الصفحة 18

الثلاثاء 27-أكتوبر-1970

ماذا تقرأ في شهر رمضان؟ هل جربت يومًا أن تتحدث مع نفسك؟ أن تمسك قلمًا وقرطاسًا وتجلس في اجتماع طويل مع قلبك وعقلك وجوارحك، فتضع معهم خطة عمل تواجه بها زحمة الحياة، وتستقبل بها وحشة الموت؟

لن تجد أروح لنفسك من أيام رمضان المعظم، ولن تجد أصفى لروحك من ساعات العصر قبل الغروب تستحضر فيها ما غيبته عنك الأيام، وتستجمع فيها ما فرقته منك الأحداث، وتعود صافيًا شفيفًا تبدأ خطوتك الأولى من الإيمان.

 والإيمان بضع وسبعون شعبة أو هو بضع وستون.. وما أروع أن تتقدم يومًا بعد يوم على مدارجه، تقرأ وتتفاعل وتنطلق مستبشرًا بمرحلة جديدة في رحلة الحياة.

وقد فصل الإمام البيهقي -رضى الله عنه- شعب الإيمان تفصيلًا واسعًا مسهبًا تعجز عن متابعته همم كثيرة.. فجاء من بعده الإمام القزويني -رضى الله عنه- فلخصه في كتابه «مختصر شعب الإيمان» الذي حققه وعلق عليه الشيخ محمد منير الدمشقي رحمه الله، ونشرته دار البحوث العلمية بالكويت.

والكتاب يتعرض لسبع وسبعين شعبة هي جماع العقائد والأخلاق والسلوك الاجتماعي والفردي، وهي في مجموعها ترسم الملامح الدقيقة للشخصية المسلمة في صورتها البسيطة الناصعة.. والكتاب بذلك يغني عن متابعة عشرات المصنفات التي تتناول هذه الجوانب بالتشخيص والتمحيص.

 ونحن إذ نقدم لقرائنا هذا الكتاب على أبواب رمضان المعظم، فإنما هو إحساسنا بما تحتاجه النفوس العطشى في زحمة الحياة الدنيا، من رحيق بارد يرد إليها روحها، ويدفع الدماء إلى عروقها، ويضيء في عيونها بريق الإيمان.

أمة القرآن!

بعد أيام تشرئب الأعناق جهة الغرب ترقب ميلاد الشهر الذي ابتدأ فيه التنزيل معلنًا ميلاد أمة.. أمة كانت شعاب الجزيرة العربية وصحراؤها میدان صراعها، على لقمة العيش تحصل عليها بحد الحسام، أمة كانت قبل نزول القرآن هزيلة الاهتمامات، تافهة التصور، تعبد أصنامًا من تمر إذا جاعت أكلتها.

وتدور الحرب وتسفك الدماء بين قبائلها لسباق حصان، أمة كانت قبل القرآن في ذيل القافلة البشرية -تحيا على هامش التاريخ- يصف ابن الخطاب -رضي الله عنه- ضعفها بقوله: «والذي نفس عمر بيده لقد كنا قبل الإسلام نخشى على أنفسنا من الفرس والروم أكثر مما تخشى الفئران القطط»، أمة انزوت في الشعاب وتركت معبوداتها من الأصنام في البيت العتيق، يتهددها الدمار والتحطيم من جيش أبرهة، لولا تدخل عناية الله لحماية بيته الذي بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ليذكر فيه اسم الله ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (سورة الفيل).

هذه الأمة ولدت حينما نزلت أول آية من القرآن في الشهر المبارك، لتحدد أبعاد التصور وطريقة التفكير ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، ونمت مع تتابع التنزيل ودوام التربية القرآنية التي انتهجها محمد -صلى الله عليه وسلم- مع هذه الأمة حتى نضجت فكرًا وروحًا وجسمًا باكتمال الدين وإتمام النعمة الإلهية بالهداية.

في أقل من ربع قرن من الزمان تصبح أمة العرب بالإسلام سيدة التفكير الحر المستنير وسيدة نفسها!

تداعبها الآمال في تحرير الجنس البشري الذي خلقه الله في أحسن تقويم، من الجهل الذي يسيطر على العقول فيستعبد الأرواح، لينطلق البشر في معارج العزة والتقدم، فيؤدوا الدور الذي من أجله خلقوا.. ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ وليقوموا بدور الخلافة في الأرض الذي أُنيط بهم حسبما رسم الله في كتابه الكريم فتكتمل سعادتهم ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ

وكان لأمة الإسلام ما أراد الله لها وبها، مهيبة الجانب عزيزة السلطان أمينة على تراث الرسالات السماوية حادية لموكب الإيمان، محطمة عروش الكفر والطغيان.

والآن وقد أقبل شهر رمضان الذي يذكرنا بهذه المعاني العظيمة والأفعال الجليلة هل يلتفت المسلمون إلى حالهم ليروا أي حال بائس وصلوا إليه؟

 هل يدرك المسلمون هوانهم على الله وعلى الناس لهوان تعاليم القرآن في أنفسهم؟

هل يدرك المسلمون ضياعهم وفرقتهم وتداعي الأمم عليهم كتداعي الأكلة على قصعتها لتداعي الشريعة التي وضعها الله لتحكم بينهم من حياتهم واستبدالها بشرائع بشرية هزيلة لم تزدهم إلا خبالًا؟ ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ

هلموا يا مسلمون فجددوا توبتكم وزكوا أنفسكم وانبذوا عبادة الأصنام البشرية منها والفكرية ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ كونوا من أولياء الله ليتولكم الله ولا تكونوا من أولياء الطاغوت فتتولكم جهنم ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (سورة البقرة: آية ٢٥٧). صدق الله العظيم.

ونسأله تعالى الهداية والتوفيق.

نصر الدین اعديلي

الرابط المختصر :