العنوان ماذا تَبَقى من المؤامرة يا عرب؟
الكاتب جمال الراشد
تاريخ النشر الثلاثاء 02-يوليو-1985
مشاهدات 17
نشر في العدد 723
نشر في الصفحة 18
الثلاثاء 02-يوليو-1985
•مخيمات بيروت ترفض تسليم السلاح، ومخيمات صيدا تستعد للمواجهة.
•حرب المخيمات كشفت كافة الأطراف المتآمرة.
•ذهب نبيه بري بعيدًا في تنفيذ مخطط خدام مثلما ذهب بشير الجميل بعيدًا في تنفيذ مخطط شارون.
قبل الهجوم على المخيمات الفلسطينية في بيروت، استدعت دمشق كلًّا من نبيه بري ووليد جنبلاط وطلب منهما عبد الحليم خدام ضرورة توحيد الأداة العسكرية والأمنية في بيروت الغربية والمناطق «الوطنية»، وشدد خدام على أن البداية يجب أن تكون في المخيمات الفلسطينية على أساس جمع السلاح الفلسطيني وتحطيم زعامة عرفات في هذه المخيمات.
هذا المشهد يذكرنا بمشهد سابق عليه حين استدعت تل أبيب كلًّا من بشير الجميل وداني شمعون قبيل غزوها للبنان عام ۱۹۸۲ وطلبت منهما ضرورة توحيد القوة العسكرية في المناطق المسيحية وتصفية مراكز القوى المتعددة.
ومثلما استجاب بشير الجميل للمطلب الإسرائيلي بينما أحجم عن الاستجابة داني شمعون، فقد استجاب نبيه بري للمطلب السوري بينما أحجم وليد جنبلاط.
أما داني شمعون فقد علل عدم استجابته بحجة أهمية التعددية الحضارية وضرورتها للتجرية اللبنانية، وكان بذلك يدافع عن زعامة والده كميل شمعون المهددة بالضياع. أما وليد جنبلاط فقد علل اعتذاره عن الاستجابة للمطلب السوري بأنه أخطأ في حق الفلسطينيين مرتين، المرة الأولى حين منعهم من القتال في الجبل خلال الغزو الإسرائيلي، والمرة الثانية عندما منعهم من المشاركة في الحرب ضد «القوات اللبنانية»، وعلى هذا الأساس فهو لا يريد أن يخطئ بحقهم مرة ثالثة.
والواقع أن وليد جنبلاط يعلم أن الذين استدعوه هم قتلة أبيه كمال جنبلاط الذي تحالف مع الفلسطينيين متصديًا للمخطط السوري في لبنان، كما يعلم وليد جنبلاط الذي ورث زعامة الدروز من بعد والده وسمح للقوات الإسرائيلية أن تمر من باب بيته في المختارة وأن يشرب قادتها القهوة في بيته. وليد جنبلاط هذا كان ولا يزال يحلم بإقامة الكانتون الدرزي، ولذلك لم يطلق رصاصة واحدة على اليهود، ولم يسمح للفلسطينيين قبل الغزو بوضع مدفع واحد لهم في الجبل، كما لم يسمح لهم بعد الغزو بالاقتراب من القوات الإسرائيلية في الجبل، ولذلك لم تنزع القوات الإسرائيلية أسلحة قواته، ولذلك أيضًا ساير السوريين في مخططاتهم وهاجم عرفات حين عاد إلى طرابلس «من الأبواب الخلفية» كما قال، وهو الذي ودعه «بالدموع» حين الخروج من بيروت!
إزاء شكوك جنبلاط في مخططات دمشق اعتكف في بلده «المختارة» ورفض المشاركة في اجتماعات دمشق وعاود التقرب من القذافي الذي سبق أن هاجم «ابتزازه» في لبنان، حيث وصف دعم القذافي لـ «المرابطون» بأنه ابتزاز، ولذلك شارك جنبلاط في تصفية «المرابطون» ولكنه أحجم عن المشاركة في تصفية الفلسطينيين في المخيمات، ثم أصدر تصريحًا صحفيًّا فهمته دمشق جيدًا قال فيه إنه «لا عودة للقوات السورية إلى لبنان قبل تحقيق الوفاق اللبناني- اللبناني» ولعله تذكر دعم القوات السورية للجبهة المسيحية عام ١٩٧٦ في مواجهة القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية بزعامة والده، وربط ذلك بالدعم السوري لنبيه بري وعصابته ضد مخيمات الفلسطينيين فخشي على نفسه وعلى كانتونه من الضياع، وعندما ضغط عليه السوريون لمشاركة بري في الهجوم على المخيمات قال: «أنا ابن عائلة كبيرة ولا يمكن أن أحمل عائلتي وزر دم الفلسطينيين، أما بري فنكِرة بين العائلات اللبنانية».
أما نبيه بري فقد ذهب بعيدًا في تنفيذ مخطط خدام، تمامًا مثلما ذهب بشير الجميل بعيدًا في تنفيذ مخطط شارون، وكانت الخطوة الأولى في المخطط الذي نفذه بشير الجميل هي تصفية نفوذ سليمان فرنجية، فأوعز إلى سمير جعجع بارتكاب مجزرة إهدن التي راح ضحيتها طوني فرنجية نجل سليمان فرنجية ومعه عدد كبير من أفراد عائلته وأنصاره وعناصر حزبه.
وكانت الخطوة الثانية تصفية حزب الأحرار الذي يرأسه كميل شمعون والد داني شمعون بدءًا بمجزرة الصفرا التي استهدفت عائلة داني شمعون ثم سحقت الحزب وألحقته بحزب الكتائب فيما سمي بالقوات اللبنانية، ثم استلم بشير الجميل السلطة مستبعدًا شقيقه الأكبر -الرئيس الحالي- الذي استلم السلطة بعد مصرع بشير.
أما الخطوة الأولى التي بدأ نبيه بري تنفيذها بعد عودته من دمشق فهي تصفية «المرابطون» في غرب بيروت، وعلى الرغم من قلة عددهم فإنه لم يستطع الخلاص منهم في وقت قصير إلا بعد مشاركة قوات جنبلاط معه، قبل أن يراجع جنبلاط نفسه ويقف على الحياد في حرب المخيمات.
ثم توجه نبيه بري إلى المخيمات الفلسطينية في بيروت، وإذا كان المخططون لبشير الجميل قد جعلوا توقيت المجازر الأولى لمخيمي صبرا وشاتيلا تعقب مصرعه بعد أن أصبح رئيسًا لجمهورية لبنان، فإن المخططين لنبيه بري أرادوا أن تكون المجازر الثانية لصبرا وشاتيلا ومعهما برج البراجنة ثمنًا لزعامته على الكانتون الشيعي الموهوم.
ولكن الدرس الذي تلقاه نبيه بري ومن خططوا له في حرب المخيمات كان درسًا قاسيًا، فلم يكن بري يتصور أن المخيمات ستصمد هذه المدة الطويلة، وأن المجزرة التي أراد أن ينفذها في المخيمات التهمت من رجاله أكثر مما التهمت من سكان المخيمات، مما جعل كثيرًا من أنصاره يتراجعون؛ فهذا هو العقيد وليد سكرية من اللواء السادس قد انسحب من المعركة ولزم بيته، وهذا هو الرقيب حسين مرتضى من اللواء السادس قد أخذ مواقع مع قواته قرب الجامع في شاتيلا يقاتل إلى جانب الفلسطينيين.
وأما الذين تبقوا من عصابات نبيه بري فقد أصابهم الهوس، فالطبيب الوحيد الذي تبقى في مخيم غزة يروي كيف أن العصابات العميلة انهالت على أحد المواطنين اللبنانيين من سكان الجنوب ضربًا حين جاء يسأل عن ابنه القتيل في المستشفى، ظنًّا منهم أنه فلسطيني لتشابه لهجته مع لهجة أبناء فلسطين، وبعد أن أشبعوه ركلًا وضربًا وداسوا على وجهه قال لهم:
إن إبني القتيل جندي في اللواء السادس وأنا لبناني وهذه هويتي.. وأشكركم.
أما الحزب السوري القومي الاجتماعي المناصر لنبيه بري في هجمته على المخيمات والذي يقوده عصام محايري السوري الجنسية، فإن بعض أجنحته لم يرق لها المخطط السوري فقامت عناصر من المخابرات السورية التابعة لغازي كنعان باغتيال محمد سليم عميد الدفاع في الحزب بتهمة أنه متعاطف مع الفلسطينيين.
وأما الحزب الشيوعي اللبناني الذي يقوده جورج حاوي فهو في وضع لا يحسد عليه بعد أن أعلن تأييده لنبيه بري في الهجوم على المخيمات، بينما أعلن فرع الحزب في البقاع أنه يرفض سياسة قيادة الحزب ويدينها؛ انطلاقًا من موقف الاتحاد السوفيتي الأخير الذي أعلن إدانته لمجازر المخيمات.
أما رموز جبهة الإنقاذ الخاضعون لدمشق وحلفاء نبيه بري فإنهم يعيشون هذه الأيام حالة انفصام الشخصية، فهم لم يستطيعوا أن يقفوا إلى جانب شعبهم في المخيمات أثناء المجزرة، وهم لم يستطيعوا أن يلبوا رغبة الأسياد، ووقعوا «ضحايا» تناقض الموقفين السوري والليبي، فدمشق ترشح طلال ناجي بديلًا عن أحمد جبريل أن تمادى في مجاملة الليبيين، وترشح أحمد اليماني بديلًا عن جورج حبش أن تمادى في تحميل دمشق المسؤولية.
ومن المعلوم أن جورج حبش خرج من دمشق بمساعدة الدبلوماسيين الليبيين، أما أبو خالد العملة فقد أعيد من المطار، وحين قال أبو موسى لعبد الحليم خدام: إنه لا يمكن السكوت على ما يجري في المخيمات، وإنه لا يقبل أن تضرب أمل الفلسطينيين. رد عليه خدام قائلًا: أنتم أول من ضرب الفلسطينيين في مخيمي نهر البارد والبداوي، فسكت أبو موسى ولم يتكلم.
حرب المخيمات كشفت كافة الأطراف الضالعة في التآمر على فلسطين وشعب فلسطين، وحين تحركت بعض الأطراف العربية لإيقاف المجزرة ومن ضمنها وفد جزائري توجه إلى بيروت وضغط عليه لإيقاف القتال، لم يستطع بري أن يخفي أنه «مأمور» فقال للوفد الجزائري: أنا أنفذ أوامر سوريا والذي يستطيع وقف القتال هو سوريا.
وهنا سافر الوفد الجزائري إلى دمشق، فكان جواب السوريين أن سوريا دورها دور الوسيط فيما يحدث.
وعندما هدد الجزائريون باتخاذ موقف معلن، لينت سوريا من موقفها وجمعت أزلامها في جبهة الإنقاذ الفلسطينية والجبهة الديمقراطية التي تضم جنبلاط والشيوعيين والحزب القومي السوري بالإضافة إلى نبيه بري، ووضعت لهم بنود «اتفاق دمشق» وطلبت منهم أن يوقعوا فوقَّعوا.
فماذا بعد؟
المخيمات التي قاتلت المعتدين ولم تكن طرفًا في «اتفاق دمشق» رفضت الاتفاق وخاصة ما يتعلق منه بنزع أسلحتهم «الثقيلة والمتوسطة»؛ تمهيدًا لنزع سلاحهم نهائيًّا وتهجيرهم إلى البقاع حسب الاتفاق مع «مورفي»، وبناءً على رغبة الإسرائيليين.
وتقول الأنباء إن قوات الصاعقة السورية سيطرت على مواقع جبهة الإنقاذ بالجبل، وإن المخيمات الفلسطينية في الجنوب وسكان صيدا يستعدون للمواجهة، وإن مؤتمر القمة العربي سينعقد خلال شهر يوليو «تموز»، فماذا تبقى من المؤامرة يا عرب؟ وماذا أعددتم لمواجهتها يا مسلمين؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
عبديتش هل يفلح في إقصاء بيجوفيتش وتدمير البوسنة والهرسك؟ مؤامرة على رئيس البوسنة والهرسك
نشر في العدد 1057
12
الثلاثاء 13-يوليو-1993
المؤامرة على التاريخ الإسلامي «2 من 2»- تفسير التاريخ من خلال تصور مادي غربي مارکسي
نشر في العدد 1089
12
الثلاثاء 22-فبراير-1994