; ماذا قالوا حينما شاهدوا الكعبة المشرفة؟ | مجلة المجتمع

العنوان ماذا قالوا حينما شاهدوا الكعبة المشرفة؟

الكاتب د. أحمد عيسى

تاريخ النشر الجمعة 01-سبتمبر-2017

مشاهدات 15

نشر في العدد 2111

نشر في الصفحة 26

الجمعة 01-سبتمبر-2017

الحج مشاعر فوق الوصف..

ابن بطوطة: من رزقه الله الحلول بتلك الأرجاء والمثول بذلك الفناء فقد أنعم عليه النعمة الكبرى

بيرتون: خفق أجنحة الملائكة لا نسيم الصباح هي التي تعبث بكسوة الكعبة

أسد: هذا التواضع الفخور في هذا البناء الصغير لم يكن له مثيل على الأرض

إكس: أوسَعَ الحج نطاق تفكيري وفتح بصيرتي فرأيت في أسبوعين ما لم أره في 39 سنة

وولف: نحن نلتف حول أساس ديننا وهذا شكل من أشكال العبادة كتعبير عن جعل الله محور حياتنا

هوفمان: صورة معمارية لكمال بيت الله في أبسط صوره بعيداً عن التعقيد الذي يبدو في الفن القوطي وغيره

كان إحساسي جملة من المشاعر الحية حينما وقع بصري على الكعبة المشرفة لأول مرة، كان الإحساس الأكبر هو مهابة ورهبة وعظمة وعلو وشرف وجلال وجمال وارتفاع الكعبة، ونزلت دموعي دون قصد، هل هو الفرح ببلوغ الغاية؟ هل هما الخوف والرجاء في إدراك الملاذ من جم الذنوب؟ هل هو الانتماء للأمة، أم تذكر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأطهار الذين كانوا هنا من قبل؟ 

ثم بعد نظرة الحب الأولى؛ فإن العين لا تشبع ولا تمل من رؤيتها، كأن الله وضع لها الحب والجاذبية في قلبي، ويا الله من انفطار القلب في طواف الوداع حينما تشعر كأنك لن تراها رأي العين بعد الآن، وتحاول جاهداً أن تملأ العين والقلب بها بلهفة وتقدير! وتتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكة: «أما والله لأخرج منك، وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إليّ وأكرمه على الله، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت» (صححه الترمذي). 

في هذا المقال سأسرد بعض المشاعر التي سجلها بعض الحجيج عند رؤية الكعبة المشرفة، وهم من أزمنة مختلفة وشعوب مختلفة جمعهم الإسلام العظيم.

ابن بطوطة (حج عام 1326م):

يقول ابن بطوطة: وصلنا عند الصباح إلى البلد الأمين مكة شرفها الله تعالى، فوردنا منها على حرم الله تعالى، ومبوّأ خليله إبراهيم، ومبعث صفيه محمد صلى الله عليه وسلم، ودخلنا البيت الحرام الشريف الذي من دخله كان آمناً من باب بني شيبة، وشاهدنا الكعبة الشريفة، زادها الله تعظيماً، وهي كالعروس تتجلى على منصة الجلال، وترفل في برود الجمال، محفوفة بوفود الرحمن، موصلة إلى جنة الرضوان.

ومن عجائب صنع الله تعالى أنه طبع القلوب على النزوع إلى هذه المشاهد المنيفة، والشوق إلى المثول بمعاهدها الشريفة، وجعل حبها متمكناً في القلوب، فلا يحلها أحد إلا أخذت بمجاميع قلبه، ولا يفارقها إلا أسفاً لفراقها، متولهاً لبعاده عنها، شديد الحنين إليها، ناوياً لتكرار الوفادة عليها، فأرضها المباركة نصب الأعين، ومحبتها حشو القلوب، حكمة من الله بالغة، وتصديقاً لدعوة خليله عليه السلام.

والشوق يحضرها وهي نائية، ويمثلها وهي غائبة، ويهون على قاصدها ما يلقاه من المشاق ويعانيه من العناء، وكم من ضعيف يرى الموت عياناً دونها، ويشاهد التلف في طريقها، فإذا جمع الله بها شمله، تلقاها مسروراً مستبشراً، كأنه لم يذق لها مرارة ولا كابد محنة ولا نصباً، إنه لأمر إلهي، وصنع رباني، ودلالة لا يشوبها لبس، ولا تغشاها شبهة، ولا يطرقها تمويه، وتعز في بصيرة المستبصرين، وتبدو في فكرة المتفكرين.

ومن رزقه الله تعالى الحلول بتلك الأرجاء، والمثول بذلك الفناء، فقد أنعم الله عليه النعمة الكبرى، وخوّله خير الدارين؛ الدنيا والأخرى، فحق عليه أن يكثر الشكر على ما خوله، ويديم الحمد على ما أولاه، جعلنا الله تعالى ممن قبلت زيارته، وربحت في قصدها تجارته، وكتبت في سبيل الله آثاره، ومحيت بالقبول أوزاره، بمنه وكرمه(1).

المستشرق البريطاني «بيرتون» (حج عام 1853م):

استعد المستشرق البريطاني «ريتشارد فرانسيس بيرتون» لرحلته إلى مكة بالقيام بالعديد من التدابير، وكان منها أنه اختتن وهو في سن الثانية والثلاثين، وخلع ثيابه الأوروبية، ولبس ملابس طبيب مسلم أفغاني، وذهب لأداء فريضة الحج بصحبة قافلة الحج المصرية عام 1853م، وأطلق على نفسه اسم الحاج عبدالله، ووصف لنا تفاصيل رحلته في كتاب رائع بعنوان «الحج إلى المدينة ومكة».

ومن أروع اللحظات التي أبدع في وصفها، عندما رأى الكعبة لأول مرة؛ حيث سجل شعوره في هذه اللحظة قائلاً: «وها هي أخيراً منبسطة أمامي، مبتغى حجتي الطويلة والمرهقة، تحقق أحلام الكثير والكثير كل عام، ظهر سراب الكعبة في بهاء فريد، كان المنظر غريباً، فريداً، وكم هم قلة الذين رأوا حقاً المكان المقدس!

وأستطيع أن أقول بكل صدق: إن من بين كل العباد الذين تعلقوا بأستارها باكين، والذين ضغطوا صدورهم النابضة على جدرانها، لم يشعر بتلك اللحظة أحد بشكل أعمق من الحاج الآتي من أقصى الشمال، كان الأمر وكأن الأساطير الشعرية العربية لم تنطق سوى الحقيقة، وكما أن خفق أجنحة الملائكة لا نسيم الصباح هي التي تعبث بكسوة الكعبة، ولكن ولأتحرى الصدق، كان شعورهم شعوراً بالحماس الديني، بينما كان شعوري هو نشوة الفخر المحقق»(2).

«محمد أسد» (ليوبولد فايس) (حج عام 1927م):

يقول «محمد أسد» في كتابه «الطريق إلى مكة» الذي ترجم تحت عنوان «الطريق إلى الإسلام»: «هناك انتصبت الكعبة، مغطاة بكاملها بالنسيج الحريري الأسود، جزيرة هادئة وسط ساحة المسجد المربعة الواسعة؛ أبسط كثيراً من أي أثر معماري آخر في العالم، قد سبق لي أن رأيت في بلدان إسلامية مختلفة مساجد أبدعت في بنائها أيدي الفنانين من المهندسين المعماريين العظام، رأيت مساجد في أفريقيا الشمالية معابد تتألق بالرخام والمرمر الأبيض، وقبة الصخرة في القدس قبة كاملة فوق بناء دقيق، حلم من الخفة والثقل اتحدا دونما أثر للتناقض، ومباني إسطنبول الفخمة، ومساجد بورصة في الأناضول، ومساجد الصفوية في إيران، روائع ملكية من حجارة زاهية وبلاطات ملونة وأبواب مطعمة بالفضة، وخرائب مساجد تيمورلنك الجبارة في سمرقند، الرائعة حتى في انحلالها.

كل هذه سبق أن رأيتها، ولكن شعوري لم يكن قط قوياً كما كان الآن أمام الكعبة، بأن يد الباني كانت على مثل ذلك القرب من مفهومه الديني، ففي بساطة المكعب المطلقة، في الإنكار التام لكل جمال للخط والشكل نطقت هذه الفكرة تقول: «إن أيما جمال قد يستطيع الإنسان أن يخلقه بيديه، يكون من الغرور اعتباره جديراً بالله، وإذن فكلما كان ما يستطيع أن يتصوره بسيطاً كان ما يستطيع فعله لتمجيد الخالق أعظم ما يكون»، فهذا التواضع الفخور في هذا البناء الصغير لم يكن له مثيل على الأرض.

ووقفتُ أمام الكعبة، وأخذتُ أحدق إلى عظمتها دون تفكير - إذ إن الأفكار والخواطر جاءت بعد ذلك بوقت طويل - ومن صميمي طفحت سعادة كأنها أغنية صامتة، وتابعتُ طوافي، ومرت الدقائق، وأخذ كل ما كان تافهاً مراً في قلبي يزايل قلبي، وأصبحت جزءاً من سيل دائري.. آه.. هل كان هذا معنى ما كنا نفعل: أن نصبح واعين أن المرء جزء من حركة في مدار؟ هل كان ذلك نهاية كل حيرة؟ وتلاشت الدقائق وهدأ الزمن نفسه، وكأن هذا المكان هو محور العالم..»(3).

«مالك شباز» (مالكولم إكس) (حج عام 1964م):

قال مالك شباز: «لقد أوسع الحج نطاق تفكيري، وفتح بصيرتي فرأيت في أسبوعين ما لم أره في تسع وثلاثين سنة، رأيت كل الأجناس من البيض ذوي العيون الزرق، حتى الأفارقة ذوي الجلود السوداء، وقد ألّفت بين قلوبهم الوحدة والأخوة الحقيقية؛ فأصبحوا يعيشون وكأنهم ذاتٌ واحدة في كنف الله الواحد». 

وأضاف: «لقد أكرمني الله بزيارة مكة المكرمة، فقد قمت بالطواف حول الكعبة سبعة أشواط، وكان يقودني مطوف صغير السن يسمى محمداً، وشربت من بئر زمزم، ثم قمت بالسعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط، كما قمت بالصلاة في مِنى، ثم بالوقوف على جبل عرفات، وهناك كان يوجد عشرات الآلاف من الحجاج من جميع أنحاء العالم، كانوا بمختلف الألوان، فمنهم الأشقر أزرق العينين، ومنهم الأفريقي ذو البشرة السوداء، لكننا جميعاً كنا نؤدي شعيرة واحدة، مظهرين روح الوحدة والأخوة التي لم أكن أظن - حسب واقع تجربتي في أمريكا - أنها من الممكن أن توجد بين الأبيض وغير الأبيض»(4).

«مايكل وولف» (حج عام 1990م):

«مايكل وولف» أكبر منتجي الفيلم المشهور عن الرسول Muhammad: Legacy of a Prophet الذي رآه ملايين الأمريكيين عام 2002م، وبث أكثر من 500 مرة على المحطات الأمريكية، وقد اشتهر أيضاً بفيلمه الوثائقي “أمريكي في مكة” الذي أذيع على قناة “إيه بي سي” الإخبارية الأمريكية عام 1997م، ومؤلف كتاب “ألف طريق إلى مكة”، ولد لأب يهودي وأم مسيحية.

في منتصف العشرينيات من عمره ذهب للمغرب وهناك كانت بداية إسلامه قائلاً: “كان الحج أبرز شيء جذبني للإسلام قبل أن أُسلم، وعندما أصبحت مسلماً بعد عشرين عاماً من التفكير في الأمر كان أول ما أردت فعله هو الذهاب للحج، وعندما طفت حول الكعبة - لأول مرة - كنت في حالة انبهار، أنت في الواقع تضع الله في مركز حياتك”. 

يقول في فيلمه عن الحج: “الكعبة هي رمز وحدانية الله، الطواف باتجاه دوران الأرض حول الشمس، نحن نلتف حول أساس ديننا، وهذا شكل من أشكال العبادة كتعبير عن جعل الله محور حياتنا، كل طواف يبدأ وينتهي عند الحجر الأسود باعتباره حجر زاوية رمزي للإسلام، وهو الجزء الوحيد المتبقي من البناء الأصلي لإبراهيم عليه السلام”(5).

«مراد هوفمان» (حج عام 1992م):

من وجهة نظر «هوفمان»، فإن العقيدة الإسلامية تتميز بالوضوح والبساطة وخلوها من التعقيد الموجود في العقائد والمذاهب الأخرى، ويظهر ذلك في طريقة بناء الكعبة التي وصفها بأنها: «مكعب مجوف خالٍ تماماً، مبني بأحجار ضخمة، ولذلك فهو صورة معمارية لكمال بيت الله في أبسط صوره، بعيداً عن التعقيد الذي يبدو في الفن القوطي وغيره من الفنون الأوروبية».

ومن أهم التأملات التي كتبها كانت عن الطواف الذي رآه بأنه «شديد الجمال؛ فالكعبة تبدو مركزاً ثابتاً لا يتحرك لأسطوانة تدور ببطء وفي سكون تام في اتجاه مضاد لاتجاه عقارب الساعة، ولا يتغير هذا المشهد إلا عند الصلاة؛ حيث تصير الكعبة مركزاً لدوائر عديدة متحدة المركز، تتكون من الآلاف من أجسام ناصعة البياض لأناس يرغبون في شيء واحد، ويبحثون عن شيء واحد، ويفعلون شيئاً واحداً؛ رمزاً لتسليم النفس إلى بارئها». 

أما الحجر الأسود فيقول عنه «هوفمان»: «هو الأثر الوحيد الباقي من مدة ما قبل الإسلام، وهو بإيجاز أقدم أجزاء الكعبة، ناهيك عن أن محمداً صلى الله عليه وسلم شخصياً هو الذي وضعه حيث هو اليوم؛ فعند إعادة بناء الكعبة تنازع أشراف مكة على شرف وضع الحجر الأسود موضعه القديم، وقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم بحل نزاعهم عندما اقترح وضع الحجر الأسود في ثوب يمسك بأطرافه جميع أشراف مكة لرفعه، ليقوم هو - الحكم المحايد - بوضعه حيث هو الآن؛ ولذلك فإن من يلمس هذا الحجر يتصل اتصالاً مادياً بالرسول صلى الله عليه وسلم، وينضم مثل ملايين سبقوه في سلسلة متواصلة»(6).

الهوامش

(1) ابن بطوطة، رحلة ابن بطوطة، تحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، دار إحياء العلوم 1987.

(2)  Sir Richard Burton (1821 – 1890)-www.bbc.co.uk/history

(3)  محمد أسد، الطريق إلى الإسلام، دار العلم للملايين 1976.

(4)  Letter from Mecca- http://www.malcolm-x.org/docs/let_mecca.htm

(5)  The Hajj with Michael Wolfe was a 22-minute ABC Friday Night News Special With Ted Koppel that aired on April 18, 1997

https://www.youtube.com/watch?v=xtbqetnuTus

(6) هوفمان، رحلة إلى مكة، مكتبة العبيكان 2001.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

المجتمع الإسلامي: عدد 590

نشر في العدد 590

9

الثلاثاء 12-أكتوبر-1982

ابن بطوطة.. من الإخوان المسلمين!!

نشر في العدد 504

15

الثلاثاء 11-نوفمبر-1980