العنوان ماذا.. وراء «تعويم» الإسترليني
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 04-يوليو-1972
مشاهدات 13
نشر في العدد 107
نشر في الصفحة 16
الثلاثاء 04-يوليو-1972
ماذا.. وراء «تعويم» الإسترليني
وصف معلق جريدة التايمز اللندنية: النقاش الحاد بين نواب المحافظين والعمال حول الجنيه الإسترليني في البرلمان في الأسبوع الماضي بأنه خلاف سياسي من الدرجة الأولى.
وسبب النقاش وتبادل العبارات الجارحة في مجلس العموم العتيق هو اشتداد المضاربة على العملة البريطانية في سوق الأوراق المالية في الأيام القليلة، وقد اتهم المتحدث باسم الحكومة، حزب العمال وبالذات وزير الخزانة في حكومة الظل، بأنه السبب في وقوع الإسترليني فريسة للمضاربات، لأنه صرح بأنه لن يمضي وقتًا طويلًا قبل أن تخفض بريطانيا سعر الجنيه الإسترليني، ورد المستر دنيس هيلي وزير الخزانة في حكومة العمال بأن تصريحه ليس هو السبب الرئيسي في ذلك ولكن المحرك الأول هو بيان وزير الخزانة الحالي حول الموقف المالي والذي جاء فيه إشارة إلى احتمال تخفيض الجنيه الإسترليني.
وأيًا كان الملوم في تشجيع المضاربة على العملة العتيقة، وبالتالي هبوط سعرها فإن أحداث هذه الأيام تعكس حقيقة هامة وهي: تدهور موقف بريطانيا الاقتصادي حتى أنها ظلت منذ الستينات تحاول جادة أن تربط نفسها باقتصاديات مجموعة كبيرة مثل السوق الأوروبية المشتركة حتى نالت الموافقة الأخيرة في الشتاء الماضي.. ومما يؤكد هذا التدهور وإحساس السياسيين البريطانيين بوطأته أن طلب الانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة سعت إليه وساندته سياسة الحزبين الكبيرين في البلاد على الرغم من الخلافات الواسعة بينهما في كل شيء، إلا أن الحكومات المتعاقبة سواء من العمال أو المحافظين كان موضوع الانضمام إلى السوق الأوروبية على رأس قائمة نشاطها السياسي.
ولكن ما معنى كل ذلك بالنسبة للعملة؟ وما هي الأسباب التي تضع عملة أي دولة في مهب الرياح.. إذا نظرنا إلى السنوات القليلة الماضية نجد أن بريطانيا قد خفضت سعر عملتها ما يزيد عن ثلاث مرات منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وكان آخرها في عام ١٩٦٧.
في عهد حكومة ويلسون حينما، خفضت قيمة الإسترليني بحوالي 13.5%. هناك من يرجعون سبب تقلبات أسعار العملات إلى الحالة النفسية التي تسود جو المضاربات في أسواق العملة العالمية، أو بمعنى أوضح أن أي تصريح عفوي من أي مسؤول يمكن أن يدفع أي حالة من التفاؤل أو التشاؤم من هذه الأسواق، مما يؤدي إلى تدهور سعر العملة أو رفعها كما يستنتج من النزاع الذي دار في مجلس العموم.
ولكن الحقيقة التي يجب ألا تنسى هي أن الحالة النفسية التي تسود أسواق العملات إنما هي مظهر خارجي لحقيقة عميقة وأساسية وهي: التدهور الاقتصادي عامةً واختلال ميزان المدفوعات بصورة خاصة بالنسبة لموقف العملة بالنسبة للعملات الأخرى.
فالعلاقة هنا مباشرة تمامًا، إذ إن التعامل في الصادرات والواردات فإذا زادت صادرات دولة ما عن حجم وارداتها، فمعنى ذلك أن هناك فائضًا في ميزان المدفوعات يمثل مديونية الدول الأخرى لهذه الدولة التي لديها فائض في ميزان المدفوعات ويعني ذلك أيضًا أن عملة هذه الدولة في موقف قوي حيث إن الطلب على حيازة هذه العملة أكبر من العرض لأن الدول الأخرى تبغي الحصول على هذه العملة لتسدد ديونها، وإذا زاد الطلب على العرض، فإن سعرها يأخذ في الارتفاع، وهذا ما حدث بالنسبة لأمريكا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ولذلك سُمي الدولار بالعملة الصعبة وذلك هو موقف المارك الألماني الآن وموقف الين الياباني.
وإذا رجعنا إلى الاقتصاد البريطاني، نجد أن بريطانيا تعاني عكس ذلك الموقف تمامًا. فهناك عجز دائم في ميزان المدفوعات مما جعل موقف الجنيه الإسترليني مزعزعًا وقد أدى ذلك إلى رغبة المتعاملين في أسواق العملات الخارجية إلى التخلص من الإسترليني من أجل الحصول على العملات القومية والتي تتمتع بسعر عال في السوق.. وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى دفع سعر الإسترليني إلى الانخفاض.
وهذا العجز المزمع في ميزان المدفوعات البريطاني جاء نتيجة لأسباب كثيرة.. أولها فقدان بريطانيا لمستعمراتها التي كانت تعتبر بمثابة أسواق تقليدية لمنتجاتها.. فلم تكن بريطانيا في تلك الأيام الذهبية في حاجة إلى المنافسة مع أي دولة أخرى في هذه الأسواق.. بالإضافة إلى أنها كانت تحصل على المواد الأولية لصناعاتها بأسعار رخيصة للغاية.. ولكن بعد نجاح حركات الاستقلال في أفريقيا وآسيا تغير الحال.
وأصبح لزامًا على الصناعات الإنجليزية أن تنافس الدول الأخرى في هذه الأسواق، بحيث لا بد أن تعرض منتجاتها بأسعار رخيصة من ناحية، ولكن صعوبة الحصول على المواد الأولية بأسعار أقل من أسعار السوق العالمية، كما كان الحال في العصر الذهبي للإمبراطورية البريطانية، جعل من الصعب على الصناعة البريطانية أن تعرض سلعة بأسعار أقل من أسعار المنتجات اليابانية مثلًا. والسبب الثاني أن بريطانيا جزيرة صغيرة لا تستطيع أن تنتج ما يكفي سكانها من الطعام، ولذلك فهي تعوض هذا العجز باستيراد كميات كبيرة من المنتجات الزراعية من الخارج، وهذا في حد ذاته استنزاف كبير لرصيدها من العملات الأجنبية.
وإزاء هذا الضغط الهائل على ميزان المدفوعات، فإن الخلاص للاقتصاد البريطاني يعتمد على قدرة القطاع الصناعي في أن يسد هذا العجز ويوقف هذا الاستنزاف المستمر في أرصدة بريطانيا. ولكن هل يمكن للصناعة البريطانية حقًا أن تقوم بهذا الدور وتنقذ الإسترليني من التدهور؟ الواقع أن هذا القطاع في بريطانيا يعاني من مشاكل أساسية بحيث تمنعه من إنقاذ الموقف. وقدرة الصناعة البريطانية على أن تحقق فائضًا في ميزان المدفوعات يعتمد على مقدرتها في تحقيق أكبر قدر من الصادرات إلى الأسواق الأجنبية. ولكي تستطيع أن تزيد حجم الصادرات في أي سوق خارجي، لا بد أن تكون أسعار هذه المنتجات أسعارًا تنافسية.
وقد أثبتت تجربة سندات ما بعد الحرب أن هناك استحالة دون تحقيق هذا الهدف. فلكي تنتج سلعة ما بأسعار معقولة ومغرية للمشتري الأجنبي، لا بد أن تكون تكلفة هذه السلعة نفسها معقولة ورخيصة.. ولكن حالة التضخم وارتفاع الأسعار المستمر في إنجلترا رفع من تكلفة المعيشة إلى حد كبير وبالتالي كان لا بد لأجور العمال أن ترتفع أيضًا. وأجور العمال جزء هام من تكلفة أي سلعة، وحتى تستمر الصناعة في الإنتاج، كان لا بد أن ترفع من أسعار منتجاتها حتى تحقق ربحًا كافيًا ليدفع رجال الصناعة والأعمال إلى الاستثمار. وارتفاع الأسعار يؤدي بدوره إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، مما يؤدي أيضًا إلى رفع الأجور، وهكذا يدور الاقتصاد البريطاني في هذه الحلقة التي تؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار ومن التضخم المالي المزمن... وكان يمكن للحكومات البريطانية المتعاقبة أن تتفادى الوقوع في هذا الفخ لو استطاعت أن تمنع العمال من المطالبة بزيادة أجورهم.
ولكن اتحادات العمال مؤسسة هامة في الديموقراطية الإنجليزية، وهم يستطيعون أن يصيبوا الصناعة البريطانية بحالة من الشلل المميت بإعلان الإضرابات التي تعتبر الأخرى عاملًا آخر في العجز الدائم في ميزان المدفوعات. ففي السنة الماضية حينما أعلن عمال الموانئ الإضراب، فقدت بريطانيا ما يعادل ۱۰۰ مليون جنيه إسترليني في أسبوع واحد.
وقد حاولت الحكومة أن تتفادى هذا الموقف الخطير بأسلوب آخر وهو تخفيض سعر الإسترليني حتى تجعل أسعار صادراتها أرخص فتزيد الصادرات. ولكن في نفس الوقت سيرفع ذلك من أسعار الواردات وحجم الواردات لهذه الجزيرة كبير للغاية، بحيث أنه يقضي على أي فائدة يجنيها ميزان المدفوعات بزيادة الصادرات.
ولذلك أعلن وزير الخزانة تعويم الإسترليني في السوق الحرة. وهذه أول مرة منذ عام ۱۹۳۲ تلجأ بريطانيا إلى هذا التصرف. ويعني تعويم الإسترليني أنه منذ تاريخ هذا الإعلان لا يوجد للإسترليني سعر محدد وثابت، ولكن يترك العرض والطلب في السوق ليحدد سعره الحقيقي. وقد انخفض سعر الإسترليني حوالي 5 ,3٪ في سوق نيويورك نفس اليوم. وسوف يظل الإسترليني بدون سعر محدد لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر في تقدير الخبراء حتى تحدد قوى العرض والطلب في السوق سعرًا ثابتًا للإسترليني.
وعلى الرغم من أن النتائج المترتبة على تعويم الإسترليني لا تختلف كثيرًا عن نتائج التخفيضات السابقة، إلا أن الحكومة البريطانية والمسئولين في البنك المركزي متفائلين من هذه الخطوة ويأملون أن نتائج هذه الخطوة لن تكون بنفس خطورة التخفيض المباشر ويعتبرونها خطوة جديدة للاستعداد لدخول السوق الأوروبية.
الزواج المدني في إسرائيل.. واهتزاز الأساس الديني المزعوم للوجود الصهيوني في فلسطين
من الأخبار الصغيرة التي يمر عليها القارئ ولا يلقى لها بالًا، أخبار لها وزن كبير ودلالة على المستقبل، بمعنى أنها تشير إلى اتجاه أو تطور يؤثر في مستقبل دولة أو أمة. ومن بين هذه الأخبار، خبر صغير نشر في جريدة «الجارديان» البريطانية عن أزمة جديدة تهدد التآلف الذي تقوم عليه حكومة جولدا مائير. وسبب هذه الأزمة هو مشروع بقانون قدم للبرلمان الإسرائيلي بشأن إباحة الزواج المدني في إسرائيل.
ويرمي حزب الأحرار من وراء هذا القانون إلى السماح بالزواج المدني لمن يحرمهم حاخامات الديانة اليهودية من الزواج في المعبد. وفي الوقت الحاضر، تعتبر كل شؤون الأسرة وقانون الزواج من سلطات رجال الدين، وهؤلاء يحرمون الزواج أو الطلاق المدني. وطبقًا لهذا القانون، تحرم ثلاث فئات من اليهود من حق الزواج في المعبد، وأي زواج أو طلاق خارج هذا النطاق يعتبر محرمًا.
وأولى هذه الفئات هم رجال الدين الذين يريدون الزواج من امرأة مطلقة، ويسمون «الكوهانين».
والفئة الثانية هم أبناء السفاح من اليهود الذين يريدون الزواج من أي فرد آخر من غير فئتهم، أي يريدون الزواج من ابن أو بنت حلال. والفئة الأخيرة هم من يشك في أصلهم اليهودي، وقد أفتى رئيس المحكمة العليا بأن آلافًا من اليهود يحرمون سنويًا من حق بناء أسرة.
وقد زاد من حدة المشكلة نزوح الكثيرين من يهود روسيا إلى إسرائيل. فكثيرًا من الأسر التي هاجرت من روسيا إلى إسرائيل تعتبر في نظر رجال الدين أسرًا قائمة على أساس غير شرعي. وأن العلاقة بين الأب والأم علاقة زنا
وتخضع كل أسرة منذ أن تطأ أقدامها إسرائيل إلى استجواب طويل من رجال الكنيسة حتى يقرروا مدى شرعية زواجهم. وبناءً على ذلك، يُسجل أبناؤهم على أنهم أبناء سفاح، ومن ثم يحرمون هم وأبناؤهم وأحفادهم من حق الزواج الشرعي، أي يبقون ضمن الفئة الثانية إلى الأبد. والسبب في ذلك أن أمر الطلاق والزواج في روسيا متروك كليًا للمحاكم المدنية.
ويعتبر هذا الخبر بداية لتطور واتجاه خطير يهمنا، وهو تصاعد النزاع والتضارب بين الدين والدولة في إسرائيل. وقد عبر رئيس المحكمة العليا عن هذا التطور بقوله «إن إصرار الكنيسة على هؤلاء الذين يتصورون أن إسرائيل ستظل دولة دينية إلى الأبد، وأنها ستظل تشحن بالحماس، فهل يمكن أن يستمر ذلك في المستقبل»؟
الواقع أن النزاع بين السلطتين في إسرائيل يرجع إلى أوائل الستينات حينما بدأ نشاط شركة الخطوط الجوية الإسرائيلية التجاري في الازدهار والنمو، واكتشف رجال الدين أن الشركة لا تحترم شعائر الديانة اليهودية في تقديم خدماتها للمسافرين، وبالذات عدم تقديمها للطعام اليهودي المخصص ليوم السبت، وهو «الكوثر» وهو طعام خاص خال من اللحوم.
وكانت أزمة حادة احتجت فيها الشركة بأن ركاب طائراتها ليسوا كلهم من اليهود، فكيف تجبرهم على تناول هذا الطعام الديني والمخصص لليهود فقط، وأنها لو فعلت ذلك لفقدت كثيرًا من الركاب مما سيؤثر عليها ماليًا. وقام الحزب الديني بمظاهرات صاخبة ووصل الجدل إلى البرلمان. وفي النهاية حسم الأمر لصالح الشركة. وكانت هذه أول هزيمة يمنى بها رجال الحزب الديني في إسرائيل.
وعلى الرغم من أن كثيرًا من اليهود الروس يذهبون الآن إلى قبرص لعقد زواج ديني رسمي من جديد.. وهذا ما تشجعه السلطات الرسمية.. إلا أن الأمر كما يبدو سوف ينتهي إلى انتصار آخر لمعارضي الحاخامات.. وهذا سيؤدي ولا شك في النهاية إلى انتفاء وضعف الأساس الذي قامت عليه دولة إسرائيل.. وهو إعادة حكم الديانة اليهودية إلى الأرض المقدسة.
فهل يمكن لدولة فقدت مقومها الأساس أن تستمر بنفس الاندفاع ونفس التماسك؟ وهل ستستطيع أن تستمر في «إلهام» جنودها للتضحية والقتال بعد ذلك؟
الجواب على هذه الأسئلة وغيرها لا شك متروك للمستقبل.. ولكن الأمر المؤكد أنه عندما يفقد الجندي الإسرائيلي الدافع والبريق الديني الذي أتى به من أقصى الأرض.. فإنه سيكون مثل أي جندي يدافع عن بقائه ويفقد ما يميزه عن الجنود في الجيوش النظامية الأخرى.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل