العنوان ماذا يحدث في البحرين؟
الكاتب د. عبد الله الأشعل
تاريخ النشر السبت 26-فبراير-2011
مشاهدات 12
نشر في العدد 1941
نشر في الصفحة 23
السبت 26-فبراير-2011
● صحيح أن الاحتجاجات ليست ثورة شعبية شاملة.. لكن الصحيح أيضًا أن بعض مطالبها يستحق النظر فيه بجدّية.
ألهمت الثورة المصرية عددًا من الشعوب العربية ضد حكامها، ولكنني أريد أن تنظر الشعوب ببعض البصيرة، وأن تراعي أين تقع المصلحة العليا، وكيف يمكن أن تحقق الثورات هذه المصلحة العليا.
في مصر، كانت المصلحة العليا في البداية هي مطالب
يستطيع الرئيس «مبارك» تحقيقها، ولكن تبيَّ ّن أنه جزء من تركيبة الفساد ال ذي
استعلى على كل نداءات الإصلاح، وأن التحالف بين الفساد والاستبداد لا انفصال
بينهما، وأن النظام مستعد لإراقة دماء المصريين بعد أن طالب الثوار بإزاحة النظام
بكامله، وتحتاج هذه الثورة إلى زخم أكبر حتى تُنهي النظام السابق، وتفتح صفحة
جديدة لنظام يريده الشعب.. وقد وقعت الثورة المصرية بدرجات متفاوتة في العالم
العربي مع واقع متباين، ولكني أحذر من القياس الخاطئ في كل من البحرين واليمن.
ففي البحرين، وقعت الثورة من الشيعة وحدهم، فهي
ليست ثورة شعبية شاملة؛ مما قد يؤدي إلى حرب أهلية، كما أن البحرين تأثرت بقربها
من إيران فأصبحت ضحية الصراع بين إيران والولايات المتحدة. صحيح أن الاحتجاجات في
البحرين ليست ثورة، ولكن الصحيح أيضًا أن بعض مطالبها يستحق النظر فيه بجدية..
وأمام البحرين ثلاثة سيناريوهات:
أولها: أن استحكام الحالة بين الحكومة والشيعة يؤدي
إلى حرب أهلية، كما يمتد بألسنة اللهب إلى مناطق أخرى في دول محايدة، ويؤدي إلى
تحقيق ما نحذر منه وهو الفئة الطائفية بني السُّنة والشيعة، وهو أمر سعت إليه
«إسرائيل» والولايات المتحدة في العراق ولبنان.
كما أن واشنطن حاولت بكل الطرق أن يصطف العالم
العربي وراء «إسرائيل» ضد العدو الجديد وهو إيران، ومعنى هذا - وفقًا لهذا الطرح -
صرف النظر عن التوحش الصهيوني في فلسطين وضياع الحقوق الوطنية الفلسطينية، بل وأن
يدفع العرب ثمن هذا في معركة «إسرائيل» ضد إيران بدلًا من أن يكون العرب فاعلين في
قضاياهم القومية.
السيناريو الثاني: إخماد الفتنة دون النظر في مطالب
الشيعة، وهذا خطأ كبير؛ لأنه لا يمكن إغفال أن نصف سكان البحرين على الأقل من
الشيعة، وكلهم عرب، ولا يمكن اتهامهم بتبعيتهم السياسية إلى إيران.
وقد شجعت الثورة المصرية المعارضات دون تمييز؛
فاشتعلت المعارضة الإيرانية ضد النظام، وكلهم شيعة وهي معارضة سياسية، واشتعلت
المعارضة الليبية ضد «القذافي» ولا يفيد القول الآن بجدوى الوصاية الأبوية على
الشعوب وعدم الاستماع إلى أبنائها والنزول من البرج العالي إلى أماكن وجودها. وإذا
كانت المعارضة في البحرين
معارضة طائفية، فإن المعارضة في اليمن تهدد بتقسيم
البلاد بسبب مواقف الحكومة، وتضع هذه التطورات الإنسان العربي أمام خيارين أحلاهما
مر، إما تقسيم اليمن، وإما المحافظة عليه في ظل نظام لا يُرضي كل شعبه، وكان يتعين
عليه إدراك أن بلاده خلال العقود الأربعة الأخيرة اختلفت عنها عندما تسلم الحكم
فيها.
ولهذا، فإنني أهيب بكل الحكام العرب أن ينظروا إلى
شعوبهم، وأن يلتمسوا الشرعية من رضا هذه الشعوب؛ لأن الحماية الأجنبية ليست مضمونة
ما دام الحاكم قد فقَدَ ما يقدمه مقابل هذه الخدمة.
وبهذه المناسبة، فقد حذرتُ في مؤتمر بجنوب أفريقيا
عام 2006 م أمام السفراء العرب، وكان الوفد «الإسرائيلي» حاضرًا من أن الالتصاق
بني الحاكم و «إسرائيل» يفصل الحاكم عن شعبه كما ينفصل الرأس عن الجسد، ويصبح
الرأس عند «إسرائيل» لا قيمة له.
السيناريو الثالث: قيام ملك البحرين شخصيًا
بالتشاور مع زعماء الشيعة والسُّنة، وأن ينفذ ما يصلح للبلاد بشطريها الشيعي
والسُّني، وبذلك يصبح ملكًا للجميع.
وأرجو أن يضع مصلحة البحرين والمنطقة العربية فوق
كل اعتبار، وليعذرني كواحد من أكبر المحبين للبحرين وشعبها، وكانت أولى خدمتي
الدبلوماسية فيها عام 1971 م، وإدراكًا عميقًا بما يعتمل فيها الآن، وإنني أثق في
حِكمة ملك البحرين الذي سبق جميع الدول العربية إلى الديمقراطية في هذه الجزيرة
الحالمة في الخليج العربي.
إن تعقيد وضع البحرين لا يحتمل أن يُقذف بها في
أتون الصراع الإيراني الأمريكي، ولذلك، فإني أوجه كلمتي إلى إخوتي من الشيعة الذين
يعرفون مواقفي جيدًا، وحرصي على الدماء العربية الزكية، وأرجو ألا يعتبروا ذلك
تدخلًا في شؤون بلادهم، وإنما هو حرص قبل أن تفلت الأمور من أيدي الجميع، وأرجو أن
يغلّبوا مصلحة البحرين التي يجب أن يكونوا طرفًا أساسيًا فيها بالحوار على كافة
الاعتبارات الأخرى، والحقيقة إنني منحاز للسيناريو الثالث، وأرجو أن تتمكن القيادة
في البحرين من الوصول بها إلى بر الأمان؛ لأن الخطر محدق بالجميع، والضرر يحيق
بالوطن، وموقع البحرين وتركيبتها الاجتماعية وتطور الأوضاع في المنطقة يفرض على
الجميع الحذر عند تناول هذه القضية.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل