العنوان ما لم نكن نعرفه عن رابين «1 من 2»
الكاتب أحمد منصور
تاريخ النشر الثلاثاء 28-نوفمبر-1995
مشاهدات 11
نشر في العدد 1177
نشر في الصفحة 33
الثلاثاء 28-نوفمبر-1995
رغم أهمية الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في جنازة صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين نوفمبر الجاري، إلا أن وسائل الإعلام العربية قد ابتعدت عن النص الكامل للخطاب، واقتصرت على فقرات منتقاة منه، لأسباب عديدة أدركتها حينما حصلت على النص الكامل للخطاب الذي نشرت ترجمته وكالة الإعلام الأمريكية، حيث لم أجده في مجمله وتفصيله سوى مدح وتتويج لرابين وأفاعيله التي فعلها بالعرب طوال تاريخ حافل بالإرهاب والإجرام.. العرب الذين كان يقف بعض زعمائهم ومندوبيهم يزرفون الدموع على رابين، ويستمعون بخشوع إلى عزاء كلينتون فيه، ومدحه له ولليهود، وازدرائه للعرب وأمتهم ازدراء واضحًا في خطابه، لا يحتاج إلى أي شرح أو تفسير، ونظرًا لأهمية هذا الخطاب فقد رأيت ضرورة اطلاع القارئ عليه لحاجتنا نحن العرب والمسلمين لنتعرف على معلومات جديدة، وحقائق أكيدة حول مكانة رابين و«إسرائيل» لدى الولايات المتحدة، وحرص الإدارة الأمريكية على أعلى مستوياتها، متمثلة في رئيسها كلينتون على تأصيل هذه العلاقة يومًا بعد يوم في كل فرصة وكل مناسبة، وفي مقابلها تأصيل ازدراء الولايات المتحدة للعرب وأمتهم، وأنها تتعامل معهم من منطلق استغلال ثرواتهم وإمكاناتهم لصالحها وصالح اليهود.
وقد برز هذا واضحًا حينما وصفهم كلينتون بـ«الأعداء»، كما جاء على لسانه وهو يمتدح رابين حينما وصفه بأنه ساهم في إرساء دولة ذات «ديمقراطية مزدهرة في أرض معادية».
لذلك فإن خطاب كلينتون في تأبين رابين يعتبر مهمًّا من جانبين: الأول: أنه حفل بأوصاف لم نكن نعرفها عن إسحاق رابين، خصوصًا، وعن اليهود على وجه العموم، والثاني: أن الأمة العربية قد تم تسفيهها وازدراؤها عبر شاشات التلفزة العالمية بشكل لم يتم فيه مراعاة شعور أحد من أبنائها.
أما رابين فلم نكن نعرف عنه أنه «زعيم عادل»، وأنه يشبه نبي الله «إسحاق» عليه السلام، وأنه من «أبناء أنبياء الله داود وسليمان» وأن جرائمه ضدنا نحن العرب والمسلمين، لم تكن سوى «دفاعًا عن حرية إسرائيل»، وأنه ساهم في بناء «ديمقراطية مزدهرة في أرض معادية»، ولن أسترسل في الأوصاف التي أضفاها كلينتون على رابين واليهود، وعلينا نحن العرب أصحاب الأرض المعادية، وسأترك القارئ يتأمل في خطاب كلينتون الذي ألقاه في عزاء رابين، وهنا نص الخطاب:
«السيدة ليا «أرملة رابين».. أبناء وأحفاد رابين وسائر أفراد العائلة.. حضرة الرئيس وايزمان.. حضرة رئيس الوزراء بالوكالة بيريز.. حضرات أعضاء الحكومة الإسرائيلية وأعضاء الكنيست.. حضرات الزعماء المحترمين من الشرق الأوسط ومن أنحاء العالم، لا سيما جلالة الملك حسين لكلماته الرائعة.. والرئيس مبارك لقيامه بهذه الرحلة التاريخية إلى هنا، وجميع أفراد شعب إسرائيل.. إن الشعب الأمريكي يشاطركم الحزن لفقدان زعيمكم، وأنا أشاطركم الحزن لأنه كان شريكي وصديقي. إن كل لحظة قضيناها معًا كانت مدعاة للبهجة؛ لأنه كان رجلًا طيبًا ومصدر إلهام؛ لأنه كان رجلًا عظيمًا أيضًا.
السيدة ليا.. أعرف أنه في كثير من المرات في تاريخ هذه البلاد كان عليك مواساة وتعزية أمهات وآباء، وأزواج وزوجات، وأبناء وبنات الذين فقدوا أحباءهم نتيجة أعمال عنف وانتقام، وقمت بمنحهم القوة، واليوم نحن وملايين الناس من حول العالم وبكل تواضع واحترام، نقدم لك قوتنا، فليواسيك الله وجميع المفجوعين في صهيون والقدس.
لقد عاش إسحاق رابين تاريخ إسرائيل، عاش كل تجربة وكل انتصار، عاش الكفاح في سبيل الاستقلال، وحروب البقاء، والسعي لتحقيق السلام، وخدم كل هذه القضايا وهو في الخطوط الأمامية، ابن داوود وسليمان، هكذا حمل السلاح دفاعًا عن حرية إسرائيل، ووضع حياته في خطر لضمان أمن إسرائيل.
كان رجلًا لا يحب المظاهر، كما يعرف كل أصدقائه، وقرأت أنه في عام ١٩٤٩ بعد حرب الاستقلال، أوفده ديفيد بن غوريون ليمثل إسرائيل في محادثات الهدنة في رودس، ولم يكن رابين قد لبس ربطة عنق من قبل، ولم يكن يعرف كيف يربط عقدتها، وحلت المشكلة من قبل صديق ربطها له قبل أن يغادر، وأرى له كيف يحافظ على العقدة بأن يوسع حلقة ربطة العنق ويسحبها خارج رأسه مبقيًا على العقدة مربوطة، في المرة الأخيرة التي كنا فيها معًا قبل حوالي أسبوعين، حضر مناسبة رسمية كان ينبغي ارتداء الزي الرسمي فيها، لكنه كان بدون رابطة العنق المناسبة «على شكل فراشة»، وهكذا استعار رابطة عنق، وكان لي شرف تصحيح وضعها له، لقد كانت لحظة سأثمنها طوال عمري».
البقية العدد القادم...
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل