; مجلة الكلمة الطيبة | مجلة المجتمع

العنوان مجلة الكلمة الطيبة

الكاتب د. يوسف القرضاوي

تاريخ النشر الثلاثاء 21-مارس-1995

مشاهدات 16

نشر في العدد 1142

نشر في الصفحة 25

الثلاثاء 21-مارس-1995

﴿أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ * تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۭ بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٖ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجۡتُثَّتۡ مِن فَوۡقِ ٱلۡأَرۡضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٖ﴾ (إبراهيم: 24، 25، 26).
لا تستطيع. مهما أوتيت من بيان أن تصور الكلمة الطيبة وأثرها بأبلغ ولا أروع مما صورها به الكتاب المعجز القرآن الكريم، إنها أشبه بشجرة طيبة المنبت ثابتة الأصول، باسقة الفروع، مباركة الثمار، دائمة الإدرار ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ (إبراهيم: 25) ولا غرو إن صح في الحديث «والكلمة الطيبة صدقة».
وهكذا كانت مجلة والمجتمع، منذ نشأتها وتأسيسها، ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (التوبة: 109) التزمت مجلة المجتمع منذ مولدها بـ الكلمة الطيبة، لا تعدوها ولا تتخلى عنها، ولا تكتمها، ورفضت الكلمة الخبيثة، لا تتبناها، ولا تنشرها، ولا تدافع عنها، بل تقاومها وتخاصم أهلها، وإن كثروا ﴿قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾ (المائدة: 100) وإنما تتجسد الكلمة الطيبة في الصدق إذا كانت خيًرا، والاستقامة إذا كانت رأيًّا، والمصارحة إذا كانت نصيحة، وأن يكون هدفها إحقاق الحق لا ترويج الباطل، وأن يكون شعارها البناء لا الهدم، وأن يكون أسلوبها الرفق لا العنف والتسامح لا التعصب، وهذا التوجه قد يكلف كثيرًا من المشاق والمتاعب، ولكن صاحب الرسالة لا يبالي ما يصيبه في سبيل ما يؤمن به ولا يكتم شهادة يعلمها، والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ (البقرة: 283)، ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ (البقرة: 140). 
ولهذا لم تبال والمجتمع، بما ابتليت به في بعض الأحيان من مصادرات لبعض أعدادها أو توقيفها في بعض الأحيان، أو منعها بإطلاق من بعض الاقطار، فهذه ضريبة التزامها بالحق وإصرارها عليه وإيمانها بأن تكون (لسان صدق) معبرًا عن (الإسلام) في صحوته ودعوته وحركته، وهموم أمته في عصر كثر فيه الهاجمون على الإسلام من مشرق ومغرب ومن شمال وجنوب سافرين أحيانًا، ومقنعين أحيانًا من داخل أرض الإسلام ومن خارجها.
كان على المجتمع، أن تخوض المعركة الشرسة بشجاعة وإيمان ضد أعداء كثيري العدد أقرباء العند، مسلحين بالعلم والمال والدعاء، مسنودين بالخونة من الداخل والمرتزقة من الخارج، ولكن مجلتنا الحبيبة لم ترهب هؤلاء الأعداء، ولم ترعها كثرتهم ولا قوتهم ولا مكرهم؛ لأنها تدافع عن (الحق) والحق لا يغلب وتتبنى الحقيقة، والحقيقة لا تضيع، وإذا كان للباطل جولة، فإن للحق دولة وجولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة، وهذه سنة الله ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ (الرعد: 17).
خمسة وعشرون عامًا من عمر المجتمع حافلة بالأحداث عامرة بالوقائع خيرها وشرها، حلوها ومرها خاضت فيها لججًا عميقة ولم تغرق، ودخلت فيها معارك عنيفة ولم تهزم وصارعت قوى جبارة ولم يخرسها الخوف أو يذلها الطمع بل وقفت بحمد الله شامخة كالطور، ساطعة كالنجم، تقول الحق وتهدي السبيل، وترفع المشاعل وترسل النذر وتطلق الشهب لرجم الشياطين، وستظل المجلة إن شاء الله على العهد بها لا تحيد، ولا ترتد ولا تتوقف فقد بدأت لله تعالى، وما كان لله دام واتصل ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ (الأعراف: 58).
لقد صدرت المجتمع، عن جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت العريقة في توجهها الإسلامي الأصيل الشامل الذي ينظر إلى الإسلام باعتباره عقيدة روحها التوحيد، وعبادة روحها الإخلاص، وأخلاقًا روحها الخير، وشريعة روحها العدل، وحياة روحها التكامل، ورابطة روحها الإخاء، وحضارة روحها التوازن. 
والمجلة في واقعها لم تكن معبرة عن الجمعية وحدها، بل ولا معبرة عن الكويت وحدها، بل هي معبرة عن الأمة الإسلامية الكبرى من المحيط إلى المحيط، وعن الإسلام كله فكرة وحركة وأمة.
فمن حق جمعية الإصلاح، ومن حق الكويت كلها، أن تباهي بهذه المجلة، وأن تفخر بها وتعتز، ومن حقنا جميعًا أن نهنئها بما كسبته من رصيد، وما حققته من إنجاز، سائلين الله تعالى الذي جعل يومها خيرًا من أمسها، أن يجعل غدها خيرًا من يومها، وأن يجنبها زلة الفكر والعلم، وأن يهديها سواء الصراط وأن يرزق العاملين فيها والمشرفين عليها صدق القول وصدق النية، اللهم أمين.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

لم كل هذه الحرب؟

نشر في العدد 2

38

الثلاثاء 24-مارس-1970

شكر وتقدير

نشر في العدد 3

29

الثلاثاء 31-مارس-1970