العنوان محاجر العقيدة الإسلامية
الكاتب إسماعيل عبد الرزاق العبدلي
تاريخ النشر الثلاثاء 05-مايو-1970
مشاهدات 51
نشر في العدد 8
نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 05-مايو-1970
المحاجر الصحية:
تقيم كل دولة محاجر صحية »الكرنتينة«، لمراقبة الحالات المرضية الوافدة والمحلية، فتفرض سلطانها في زمن انتشار الأوبئة الطارئة، فإذا ما ظهر أي مرض وبائي في بلدٍ ما فعند ذلك تفرض الدولة سلطانها على المسافرين القادمين منه، فلا تسمح لهم بتخطي حدودها، ومخالطة النفس ما لم تثبت سلامتهم لدى المحاجر الصحية من الوباء الذي ذُكِر في بلادهم.
فإذا ما ثبتت سلامتهم، فيشهد لهم بخلوهم من أي مرض وبائي، ويرفع عنهم الحجر الكرنتيني، ويدخلون البلد بسلام، وقد أمن جانبهم وزال الخوف منهم، لأن قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» تفرض هذا: و»إزالة الضرر العام بالضرر الخاص» واجب أيضًا.
إن مثل هذا التعرف السليم عمل جليل ومشروع وله ما يُبرره، وليس فيه أي نقد.
أن تسعى الدولة لسلامة شعبها في أجسامهم فتصونها من العاديات، ولسلامة عقولهم حيث إن العقل السليم في الجسم السليم. وإذا سلمت عقول الناس وأجسامهم من المرض، فيجب أن تسلم عقائدهم من الشك والشرك والزيغ والضلال والانحراف عن الصراط المستقيم، والطريق السوي الذي يهدف الناس إلى غاياتهم.
وسلامة العقيدة الإسلامية حق من حقوق الشعب المسلم التي أوجبها الله على القائمين بالأمر.
فإذا ما رأى ولي الأمر ما يُسيء إلى عقيدة الأمة فعليه أن يعمل على إزالته، ليحفظ على الناس دينهم، وما فرض الجهاد في الإسلام إلا حماية للعقيدة الإسلامية، وتبليغها للناس أو إلزامهم بها.
فنحن نحتاج إلى الحماية التي تؤمن وجود العقيدة الإسلامية، والحفاظ عليها والتزامها، حتى لا نرى دينًا آخر يُقام له معلم في جزيرة العرب.
لذلك فنحن بحاجة إلى محجر يحمي العقيدة الإسلامية من الأفكار الوبائية والمبادئ السارية، ومن الأفكار الانحرافية، الضالة المضلة، وعن الشُبه والأوهام والأباطيل التي يتلمسها، ويتعلّل بها أعداء الإسلام الحنيف.
إدارة المحجر:
ولكننا نحتاج لإدارة هذا المحجر إلى أطباء مَهَرة تعنيهم مصلحة الأمة وسلامة عقيدتها ودينها، يخشون الله ولا يخافون فيه لومة لائم، لا تُغريهم العروض والمساومات الرخيصة، ولا تبهرهم الأضواء، ولا يخدعهم السراب، ولا تنطلي عليهم العناوين البراقة، والبهرج الخداع، باسم الحضارة والحرية (والديمقراطية)، ومسايرة ركب المدنية التائه، وأن يقف هؤلاء المسؤولون بكل عنفٍ وصلابة أمام تيار الباطل والإلحاد والانحراف والخلق المُنحل، تحدوهم بذلك عزة المسلم، وعزم المؤمن، والإباء والغيرة والشرف المصان.
محجر للإعلام
ولا غلو في ذلك إن طالبنا به، فإزالة المنكر واجبة بكل وسيلة ممكنة، وأفضلها ما كان باليد؛ إحقاقًا للحق، وإزهاقًا للباطل، أو اللسان بكل جرأة وصراحة، فلا خير فينا إن لم نقلها، ولا خير في ولاة الأمور إن لم يسمعوها، والحق أحق أن يتبع.
أقول نرید محجرًا يحمي العقيدة الإسلامية من كل وافد غريب عنها، لم تعرفه ولم تألفه، ولم تكن لها معه صلة قربى ولا وشيجة رحم.
نريد محجرًا لوسائل الإعلام من: أفلام غريبة عن عقيدتنا: تحمل في طياتها السم الزعاف، إذ ليس فيها ما يمجد أثرًا إسلاميًا أو يحمي سنة أو عادة إسلامية، أو يدعو إلى فضيلة، بل قد تمجد العصابات البوليسية، وطيش الشباب، ومجون الفتيات، وتجعل من القديس حامي الحرمات، والذائد عن الأعراض، والمدافع عن الكرامة، ونصرة الضعيف، وتجعل من عالم الدين المسلم ألعوبة وأضحوكة بيد رعاع الناس، يسخرون منه ويستهزئون به، في مظهره عطل، وفي كلامه خبل، ينشد المليم، ويغريه القرش، ويغلب دينه الجنيه.
أفلام تجعل من المرأة متاعًا رخيصًا تستهين بإنسانيتها وقيمها الخلقية، تتزوج في ساعة وتطلق في الأخرى..
ربيعها في أحضان العشاق والفساق، تتبجح بالرذيلة، وتفخر بالفجور.
نشاهد هذا في السينما وفي التلفزيون على نفس المستوى.
والتلفزيون؟!
التلفزيون الذي دخل كل بيت ووصل إلى كل مكان، يحتاج إلى تهذيب وتشذيب من كل ما يخدش الكرامة والذوق السليم، وأن يؤخذ على يديه قبل أن يطيش سهمه ويتبع هواه.
فقد يطيش الصبي غير البالغ بمال أبيه الوفير، فيسيء التصرف ويركب الغرور رأسه، فيستغل طيبة قلب أبيه الرجل الوقور الذي أخذ من أيام البأساء والضراء درسًا في شكر النعمة وحسن القصد فيها، فلا ينفق منها إلا في حل، ولا يهب منها إلا المستحق.
ولكن على الأب أن يلتفت إلى ابنه، ويراقبه مراقبة من استرعاه الله أمرًا؛ ليحفظه من الضياع والفساد، وليوجهه الوجهة السليمة التي تعود عليه وعلى أمته بالخير.
فالتلفزيون مدرسة منظورة يمكن أن يؤدي واجبه، ويقوم بدوره في معركة المصير التي غفلنا عنها، ونحن نقف على شفا جرف هـار من عدونا الذي يرسل سهامه، ويرسل نظراته إلى هدف بعيد، لا تحول دونه حدودنا الجغرافية ولا تخومنا الأرضية، إلى ديننا وخياراتنا.
ومن كان على مرأى ومسمع من عدوه فحري ألَّا ينام، ولا يغمض له جفن، بل يكون يقظًا ويده على الزناد، يوجه كل مرافقه لخدمة معركة المصير، لأنه بين فكي الأسد كتلة شرقية كتلة غربية، وبينهما ماسونية حاقدة.
ومن رعى غنمًا في أرض مسبعة فنام عنها تولى رعيها الأسد، فالإذاعة والتلفزيون كل منهما سلاح ذو حدين: خير، شر.
وجدير بنا أن ننتفع بخيرهما، وتنأى بنا إنسانيتنا أن نُقدّم الشر للناس. فما أحرانا أن نبعد عن برامجنا جنون البيتلز والهيبيين، وهستيرية العالم الراقص، وجونز، الذي يمثل تقدمية الغرب وتأخر الشرق كما يقول المعجبون به ومن وسائل إعلامنا الصحافة الوافدة والمحلية التي لم تتورع في قبول كل عرض وطلب، خدع بصرها السراب الكاذب ورنين الأصفر، وحقدها على المثل العليا لمجتمع مسلم. حتى وصل بها الحال إلى المطالبة بكل جرأة ووقاحة بإباحة الخمور، وشيوع المنكرات، والاختلاط بالإضافة إلى نشر الأباطيل والتضليل والمبادئ السامة، والأفكار الحزبية الضيقة التي جعلت من الأمم شيعًا وأحزابًا.
وما ظنك ببعض الصحف التي يقوم عليها المبشرون ومواليد الجامعات التبشيرية والتي جعلت من المرأة ستارًا لنشر كل رذيلة أو الوصول إلى غاية، أو غرض خبيث؟
إننا نريد الصحافة الموجهة توجيهًا سليمًا، كما نريد الصحافة حرة ولكن مقيدة، بقيود الشرع الحنيف وعرف المجتمع والخلق الكريم.
نريد محجرًا للكتب الوافدة والتي تطبع محليًا، وأن تُراقب مراقبة دقيقة، لأن نظرة فاحصة في المكتبة التي في متناول أفراد الشعب نرى فيها ما هبّ ودب من الكتب الرخيصة في مضمونها الحقيرة في أهدافها، كلها تطرح في السوق على حساب هذا الدين وعقيدة الأمة المسلمة.
الواقعة تحت تأثير الزيف والتضليل. (يُراجع موضوع التبشير في الكويت العدد الأول).
محجر في وزارة التربية:
ونريد من وزارة التربية أن تقيم محجرًا باسم العقيدة الإسلامية لكافة العاملين في حقل التربية والتعليم والمنتدبين أو المعينين منهم لهذا الغرض، فلا يقبل منها إلا من ثبتت سلامته، وخلوه من الأفكار الحزبية والمبادئ الإلحادية السامة، وأن يكون مقتنعًا بالعقيدة الإسلامية، عاملًا بمفهومها، غير منكر لواجباتها، يؤم الطلاب في صلاتهم، وقدوة لهم في سلوكهم، وأن تراقبهم في فترة النقاهة، حتى يتبين الحق، ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم، وألا نقتصر في اختيارهم وتعيينهم على ما يحملونه من مؤهلات وخبرات، لتسلم عقيدة ويربي النشء تربية سليمة، والجيل المسلم أمانة بيد القائمين بالأمر.
فإذا ما قلدت الطفلة معلمتها في ملبسها فإن الوزارة هي المسؤولة عنها أمام الله، لمَ سمحت لهذه المعلمة بارتداء هذا الزي المخالف للخلق السليم؟
المدارس الخاصة: كما نريد من وزارة التربية أن تقيم محجرًا باسم العقيدة الإسلامية للمدارس الخاصة التي انتشرت في هذا البلد على أوسع نطاق.
وما دامت رعاية الجيل أمانة في أيدينا، فيجب ألا تعطى إجازة لأية مدرسة ما لم تثبت سلامة عقيدتها، وحسن نيتها ونيل مقصدها، وأن تضبط بشروط تطالب بتنفيذها بكل دقة، ولا تمنح حق الاعتراف بها ما لم تلتزم بصحة الاعتقاد، وقيامها بواجبها بإخلاص بعيدًا عن المادية المحضة.
المدارس التبشيرية كيف تقاوم الإسلام!
أما المدارس التبشيرية فلا مجال لها في وسطنا المسلم، ولسنا بحاجة إلى إرشادهم وتوجيههم وخدمتهم بعد أن أغنانا الله من لطفه وفضله الكريم.
وإذا ما علمنا الأهداف البعيدة التي ترمي إليها المسيحية من وراء المدارس التبشيرية فستعلم مسؤوليتنا أمام الله تعالى.
وهنا أحب أن أنقل بعض الصور للجوانب الخطرة من المدارس التبشيرية أينما وجدت على حد سواء. ينقل الأستاذ أنور الجندي في مجلة رابطة العالم الإسلامي العدد ٩ السنة ٤ (التعليم في أحضان التبشير) قول المبشرة (أنا مليجان):
ليس ثمة طريق إلى حصن الإسلام أقصر مسافة من هذه المدرسة، فإن المدرسة أقوى قوة لجعل الناشئين تحت تأثير (الغرب والمسيحية) وهذا التأثير يستمر حتى يشمل الدين سيصبحون يومًا قادة أوطانهم وينقل عن الكاتب الفرنسي (أبتين لامس) قوله:
إن مقاومة الإسلام بالقوة تزيده انتشارًا، أما الوسيلة الفعالة لهدمه وتقويض دعائمه فهي تربية بنيه في المدارس التبشيرية أو المسيحية ونفث جراثيم الإلحاد في صدورهم منذ نشأتهم من حيث لا يشعرون فإن لم ينتصروا فقد أصبحوا لا مسيحيين ولا مسلمين.
وينقل أيضًا عن الدكتور القس زويمر كبير المبشرين في العالم الإسلامي قوله: إن أهمية ما قام به الاستعمار من إخراج القرآن وتاريخ الإسلام من برامج التعليم، هو إخراج ناشئة لا هي مسلمة ولا هي مسيحية ولا هـي يهودية، «ناشئة مضربة مادية الأغراض، لا تؤمن بعقيدة ولا تعرف حقًا، فلا للدين كرامة، ولا للوطن حرمة».
الخطر في القرآن!!
وقد علّق الدكتور واطسون على هذا التصريح بعد أكثر من عشر سنين فقال: إننا نراقب سير القرآن في المدارس الإسلامية ونجد فيه الخطر الداهم، ذلك أن القرآن وتاريخ الإسلام هما الخطران العظيمان اللذان تخشاهم سياسة التبشير، وهذا عبد القادر الحسيني يقف بعد أن استلم شهادته من أحد هذه المعاهد التبشيرية ليقول «إن هذه الجامعة تظهر أمام الناس في مظهر المدرسة العلمية، ولكنها في الحقيقة بؤرة إفساد للعقائد الدينية، وهي تطعن في الإسلام، ولذلك لا يصح للمسلمين أن يبقوا أولادهم فيها وكشف عن أن عددًا من الكتب المقرّرة تمس الإسلام، وتمس النبي محمدًا. إلخ. ولمعرفة المزيد يقرأ كتاب التبشير والاستعمار في البلاد العربية لعمر فروخ.
الحجر على القوانين
ونريد محجرًا عقيديًا للقوانين الوافدة من الغرب وغيره لمعرفة ما إذا كانت تنسجم مع عقيدتنا وشريعتنا السمحاء التي يمكن أن نجد فيها ما يغنينا عن أوضار الكفر، والحق أحق أن يتبع، ونحن بحاجة إلى محجر باسم العقيدة الإسلامية للذين يفدون إلى البلاد من السواح، وأتباع السفارات، والذين لا تربطنا بهم صلة الدين، والذين لا تلتئم مظاهرهم مع الخلق الكريم من تشبههم بالنساء في شعورهم، ولباسهم مما نقل عدواهم إلى شبابنا البريء.
إضافة إلى أن منهم من يقوم بدور المبشرين في توزيع الكتب والنشرات مما يخالف عقيدة الأمة وفي الرجوع إلى مقال التبشير في الكويت في العدد الأول من مجلة المجتمع يجد القارئ ما يقنعه في هذا المجال..
ونريد محجرًا للجمعيات والأندية التي تمارس نشاطها تحت شعار الخدمة العامة، فيجب أن تلتزم بالخدمة الصالحة لتربية النشء تربية صالحة، يجب أن تخصص جزءًا من هذه المصاريف الضخمة لخدمة الجيل المسلم؛ فتعتني بروحه كما تعتني بجسمه، وأن تزوّده بقدر ٍكافٍ من الثقافة الدينية بجانب الثقافات الأخرى التي تزوّدت بها، فهل طلبت من أعضائها إقامة شعيرة الصلاة إذا ما حان وقتها في مكانٍ مخصصٍ من النادي أو الجمعية؟
إنني لأهيب بالقائمين على توجيه هذا الجيل أن يعملوا ما وسعهم لتوجيهه توجيهًا إسلاميًا صحيحًا يدّخرون ثوابه عند الله وذكره الحسن في بطون التاريخ إذا ما فنيت الأجساد.
إسماعيل عبد الرزاق العبدلي
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

