; محطات إيمانية في طريق التربية.. مدرسة الأخلاق | مجلة المجتمع

العنوان محطات إيمانية في طريق التربية.. مدرسة الأخلاق

الكاتب د. إيمان مغازي الشرقاوي

تاريخ النشر السبت 01-أبريل-2023

مشاهدات 586

نشر في العدد 2178

نشر في الصفحة 46

السبت 01-أبريل-2023

كان من دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم: «اللهمَّ اهدني لأحسنِ الأعمالِ وأحسنِ الأخلاقِ لا يهدي لأحسنِها إلا أنتَ، وقِني سَيِّئَ الأعمالِ وسَيِّئ الأخلاق لا يقي سيئها إلا أنتَ» (السلسلة الصحيحة)، وفي هذا الحديث إشارة إلى فضيلة الأخلاق الحسنة والحث على التخلق بها.

والأخلاق الحسنة هي الأصل في الإنسان، فقد فطر الله تعالى الناس على الفطرة السليمة النقية التي تدعو إلى كل جميل وتنهى عن كل قبيح، وحتى تظل أخلاق الإنسان كما أرادها الله عز وجل، فقد أنزل سبحانه وتعالى على النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تدعو إلى الأخلاق الطيبة وتنهى عن الأخلاق السيئة، ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: 90)، وجاء في تفسيرها: أنه ليس من خُلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله تعالى به، وليس من خُلق سيئ كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله تعالى عنه، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامِّها. (ابن كثير).

ولقد شملت الأخلاق الإسلامية كل جوانب الحياة، فهي ترتبط بالعبادات، والمعاملات، والتعليم والاقتصاد، والسياسة والحكم، والحرب والسلم، والأسرة والمجتمع، في العلاقة مع المسلم ومع غير المسلم، ومع الصغير والكبير، والطيـــر والحيـــوان، بل ومع البيئـــة والكون كله.

دعوة القرآن والسُّنة إلى حُسن الأخلاق:

دعا الله تعالى في كتابه إلى أحسن الأخلاق، وزكى نبيه صلى الله عليه وسلم فيها، حيث كان له أوفى نصيب منها، فقال له: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4)، وحثنا على اتخاذه قدوة وأسوة ومثلاً لنا فقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب: 21).

كما أكد النبي صلى الله عليه وسلم أهمية وضرورة الأخلاق، وأنها من الدين الذي بعث به وأمر بتبليغه فقال: «بُعِثْتُ لأتمِّم حُسْن الأخلاق» (رواه أحمد)، أي: أُرْسِلْتُ للخلق، «لأُتَمِّمَ»؛ أي: أكمِّل ما انتقص من الأخلاق الحسنة والأفعال المستحسَنة التي جبل الله تعالى عليها عباده؛ من الوفاء والمروءة، والحياء والعفة، ليجعل حَسَنها أحسن، وينهى عن سيئها ويحـــــــذر منه. (الـــدرر السنيـــــة، الموسوعة الحديثية).

لذا، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يستعيذ بالله من الخلق السيئ، كما في قوله: «اللهم إني أعوذ بك من منكَراتِ الأخلاق والأعمال والأهواء» (رواه الترمذي)، ودعانا لتحسين أخلاقنا فذكر لنا جملة من الأحاديث التي تبين أهمية الأخلاق الحسنة وترغب فيها، وفَضْل مَن يتحلى بها وأجره العظيم المترتب على ذلك، ومنزلته يوم القيامة بين الخلائق، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من كمال الإيمان فقال: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً» (رواه الترمذي)، وأن صاحبها على خير عظيم، فقال: «أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقًا» (أخرجه الحاكم)، وقال: «إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً» (رواه الترمذي)، وذكر أنها ثقيلة في ميزان المسلم يوم القيامة فقال: «ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق» (رواه الترمذي)، وأنها عظيمة الأجر وترفع الدرجات: فقال: «إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار» (رواه أبو داود).

وحين سُئل صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخل الناسَ الجنة؟ قال: «تقوى الله وحسن الخُلق» (رواه الترمذي)، كما أشار إلى بركتها وأثرها على صاحبها في الدنيا فقال: «حُسن الخلق وحُسن الجوار يُعمِّران الديار ويزيدان في الأعمار» (رواه أحمد).

ولمعرفة ضرورة الأخلاق وأهميتها وأثرها في حياتنا، فلنا أن ننظر إلى الأسرة حين يكون التعامل بين أفرادها قائماً على الحب والرحمة، والكرم والعطاء، والصبر والحلم، والتفاهم وحسن الظن، والعفو والتسامح، ماذا يكون حالها؟ لا شك أنها ستكون أسرة مستقرة سعيدة في غالب أحوالها.

وماذا يكون حال أي مجتمع يتخلق فيه العامل بخُلق الإتقان؛ التاجر فيه أمين، والطبيب رحيم، والمعلم محسن، والطالب مجتهد، والسائق حريص على سلامة الناس، لا شك أننا سنجد مجتمعاً يسوده العدل والأمان والرحمة والتعاون والأخوة.

الأخلاق.. والعبادات:

إن الأخلاق الحسنة لا تنفك عن العبادات، بل يوجد بينهما ارتباط وثيق، فالعبادة تزكي النفوس، والنفس الزكية يكون الخلق الحسن لها طبعاً وسجية، فالمسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وشهادته هذه تؤدي إلى جملة من الأخلاق منها حب الله ورسوله، ومراقبة العبد ربه في كل أعماله، وطاعته والخوف منه، والرجاء في عفوه وعطائه، والتخلق بكل خلق جميل أمر به في كتابه وتخلق به النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليه.

والمسلم يصلي لله، وهذه الصلاة قال الله عنها: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) (العنكبوت: 45)؛ ذلك لأن العبد يقف بين يدي ربه خمس مرات في اليوم والليلة، وهذا التكرار يبعد عنه الغفلة عن أوامر الله عز وجل، ويعينه على اجتناب ما يغضبه، كما تذكِّره تكبيراتها بأن الله تعالى أكبر؛ فتحسن أخلاقه في معاملة مَن حوله، ويبتعد عن ظلم أخيه ولا يعلو عليه أو يتجبَّر، والزكاة تطهر النفس من الشح والبخل والحرص والطمع، وتؤدي إلى التراحم والتواد والمحبة والتآلف.

وفي الحج تطهر النفوس من الكبر والبخل والفخر، وتتخلص من الترف والإسراف، بل لا يكون الحج مبروراً إلا إذا خلا من الأخلاق السيئة، أما الصيام فهو سبيل للتقوى التي هي أصل الأخلاق الحسنة كلها وهي الخير كله، وهكذا في جميع العبادات.

الأخلاق.. والجمال الحقيقي:

إن الأخلاق الحسنة هي الجمال الحقيقي للإنسان، فإن سوء الأخلاق يذهب بجمال الظاهر ويشوهه؛ لذلك فقد نبهنا النبي صلى الله عليه وسلم وحذرنا من الاكتفاء بجمال الخِلقة فقال: «إنَّ الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (رواه مسلم).

ألا وإن الجمال الحقيقي الظاهر والباطن للمسلم هو جمال أخلاقه الذي يظهر في عبادات جوارحه، كالتلفظ بالكلام الطيب وبسط الوجه بالبسمة الصافية، وغض البصر عن العورات، وعفة اليد عن الحرام، والحلم وكظم الغيظ والوفاء والعفو، والإحسان وكف الأذى، والأمانة، كما يظهر جمال الأخلاق أيضاً في عبادات القلوب كالرحمة والحب في الله والتواضع والصبر، والتقوى والإخلاص والتوكل والتوبة، وغير ذلك، وكل هذه الأخلاق نتعلمها جميعاً في مدرسة رمضان، مدرسة التربية والأخلاق.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل