; محطات إيمانية في طريق التربية (5) | مجلة المجتمع

العنوان محطات إيمانية في طريق التربية (5)

الكاتب د. إيمان مغازي الشرقاوي

تاريخ النشر السبت 01-يوليو-2017

مشاهدات 63

نشر في العدد 2109

نشر في الصفحة 54

السبت 01-يوليو-2017

تربوي

محطات إيمانية في طريق التربية (5)
زكاة وتزكية

المال الذي تتنعم به هو مال الله المالك خولنا للتصرف فيه كما يريد سبحانه
المسلم الصادق هو من يؤدي حق المال بالزكاة والصدقة والنفقة طاعة لله 
الزكاة وسيلة قوية فعالة في تطهير النفوس ونقائها وجبر النقص فيها

إيمان مغازي الشرقاوي
إنها المحطة العظيمة التي ما إن يصل إليها المسافر إلى الله ويتزود منها بما يناسب حاله؛ حتى يضع عن كاهله أحماله من الخطايا، ويلقي عن ظهره أثقاله من الذنوب، ويغتسل بمائها ويتطهر من دنس المعاصي وأدران الأخلاق السيئة من شُح وبخل وحرص وأنانية؛ فيخرج بها عن كل ذلك طاهراً زكيّ النفس والقلب والعمل. 

إنها الزكاة.. الفريضة الواجبة على كل مسلم، وقد ذكرت في القرآن الكريم مقرونة بفريضة الصلاة، وهذا يشعر بأهميتها ومكانتها العظيمة، وكما أن الصلاة حق الله تعالى، فإن الزكاة كذلك، إلا إن العباد لهم فيها حق حيث تُصرَف إليهم كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيستفيد منها الفقير وغيره من أهلها بالاستغناء بمال الله الواهب والمنعم. 
الزكاة والطهارة
أَن يحرص الإنسان على نظافة ثوبه وبدنه وبيته لهو أمرٌ طيب وحسَن ومحمود شرعاً وعرفاً، لكن الأحسن منه أن يكون أحرَص على طهارة قلبه وتزكية نفسه، وتطييب ماله وعفة مطعمه، فلا يأكل حق غيره فيه وقد فرضه الله له؛ فيكون من الظالمين لنفسه ولهم. 
وفي شريعة الإسلام العظيمة ما يأخذ بأيدينا نحو التطهير الصحيح، ونظافة الظاهر والباطن، ويؤدي إلى الطهارة الحقيقية التي لا تُدرَك حِساً، وإنْ بَدا صاحبها جميل الهيئة حسن المظهر زكيَّ الرائحة! فهناك مَن يطلب ذلك في الدنيا فتجده مع رائحة عطره المميَّز تفوح منه رائحة البخل والشح فيُذهِب كلاهما أطيبَ ريح تُشَمّ منه؛ وذلك حين يمتنع عن أداء الزكاة ويتَّسم بالأثرة والأنانية، وقد غفل عن قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (التوبة: 103). 
قال السعدي: قال تعالى لرسوله ومَن قام مقامه، آمراً له بما يطهر المؤمنين، ويتمم إيمانهم‏:‏ ‏«خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً‏»‏ وهي الزكاة المفروضة؛ تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة، «وَتُزَكِّيهِمْ‏»‏؛ أي‏ تنميهم، وتزيد في أخلاقهم الحسنة، وأعمالهم الصالحة، وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي، وتنمي أموالهم(1)‏. 
وذكر ابن عاشور أن في هذا إشارة إلى مقام التحلية بالفضائل والحسنات، وقال: لا جرم أن التخلية مقدمة على التحلية، فالمعنى أن هذه الصدقة كفارة لذنوبهم ومجلبة للثواب العظيم(2)؛ ذلك لأنهم حين ينفقون يتخلون بالإنفاق عن استعباد المال لهم وما يترتب على ذلك الاستعباد من بخل وطمع وظلم، فتحصل التحلية بالتزكية والزيادة التي أقسم عليها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «ما نقُصتْ صدقةٌ من مالٍ» (رواه مسلم).
وآتوا الزكاة
لقد أمر الله عز وجل بإيتاء الزكاة لمستحقيها فقال تعالى: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) (البقرة: 110)، قال البغوي: الزكاة مأخوذة من زكا الزرع إذا نما وكثر، وقيل: مِن تزكى أي تطهر، وكلا المعنيين موجود في الزكاة؛ لأن فيها تطهيراً وتنمية للمال(3)، وقال القرطبي: والمال يزكو إذا كثر وزاد، ورجل زكيّ أي زائد الخير، وسمي الإخراج من المال زكاة وهو نقص منه من حيث ينمو بالبركة أو بالأجر الذي يثاب به المزكي(4). 
إن هذا المال الذي تتنعم به أيها الإنسان وتمتلكه قَلَّ أم كثر، إنما هو مال الله المالك عز وجل، وما نحن إلا عبيد خولنا الله للتصرف في ماله وعطائه كما يريد، وإلا كان هذا الخير عرضة لأن يحوّله عنا إلى غيرنا ممن يحسن التصرف فيه ويأخذ بأسباب النماء والزيادة، ومن كرمه عز وجل وتمام إنعامه أن وعد المنفق أجراً كبيراً، قال تعالى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ {7}) (الحديد)، قال القرطبي: وهذا يدل على أنها ليست بأموالكم في الحقيقة، وما أنتم إلا بمنزلة النواب والوكلاء(5). 
فالمسلم الصادق هو من يؤدي حق المال بالزكاة والصدقة والنفقة طاعة لله وابتغاء وجهه ومرضاته، وهذا هو نصيبنا الحقيقي من هذا المال، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «يقولُ ابنُ آدمَ: مالي، مالي (قال) وهل لك، يا ابنَ آدمَ! من مالكَ إلا ما أكلتَ فأفنيتَ، أو لبستَ فأبليتَ، أو تصدقتَ فأمضيتَ؟» (رواه مسلم).
نحن وأولادنا والزكاة
إن هذه الفريضة العظيمة سبيل الرحمة بالفقير في الدنيا، وسبب رحمة الغني في الآخرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ الرَّحمنُ، ارحَموا من في الأرضِ يرحَمْكم من في السَّماءِ» (صحيح الترمذي)، وهي واجبة على كل مسلم متى تحققت شروط وجوبها، وإن لأولادنا نصيباً في هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، حيث لا تسقط عنهم لصغرهم، بل إنها تجب في أموالهم وإن كانوا صغاراً لا يحسنون التصرف، وقد ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الزكاة في مال الصبي الصغير والمجنون؛ لأنها عبادة مالية تجب متى توافرت شروطها، كملك النصاب، ومرور الحول، ويتولى وليّ الصغير والمجنون إخراج الزكاة عنهما من مالهما، كلما حال عليه الحول، ولا ينتظر بلوغ الصبي(6). 
وهي وسيلة قوية فعالة في تطهير النفوس ونقائها وزكائها وجبر النقص فيها، فمع نهاية شهر رمضان من كل عام تُشرع زكاة الفطر ليطهر صيام الصائم من أي شائبة كدرت صفوه، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: «فرضَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ زَكاةَ الفطرِ طُهْرةً للصَّائمِ منَ اللَّغوِ والرَّفثِ، وطُعمةً للمساكينِ» (صحيح ابن ماجه)، فما أعظم أثرها ظاهراً وباطناً، على المستوى الفردي والجماعي.
الزكاة ودورها في التربية
إن أداءك الزكاة أيها المسلم، والجود بالصدقة والإخلاص في ذلك، دلالة على حبك لله تعالى، وعلامة على صدق إيمانك، وللزكاة مصارفها التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم، فإذا ما خلصت النية وتمّ التسليم والامتثال فسوف تأتي بالبركة والزيادة، وتزكو بها نفوسنا وتطهر من شهوة حب المال والتملك، ومن هنا فإن علينا أن نربي أنفسنا وأولادنا على العطاء والبذل مما نملك في وجوه البر وما أكثرها! ولو أن كل غني من أغنياء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أخرج زكاة ماله كاملة في وقتها؛ لاغتنى الفقراء وما جاعوا! ولو أن أغنياء كل عائلة أنفقوا على فقرائها ومستحقي الزكاة فيها لحصل خير كثير تُسَدّ معه أبواب الفاقة والعوز والفقر والجوع في تلك العائلة! 
إن دور الآباء والمربين مهم وكبير في تنشئة الأولاد على الجود والكرم، وتعظيم فرائض الله، وما أجمل أن نزرع في قلوبهم منذ الصغر الرحمة بالفقراء، وإعانة الضعفاء، والتواضع لهم، والتصدق عليهم دون منّ أو أذى، وأن نبني في نفوسهم جسور التواصل معهم دون الشعور بأدنى حرج أو إحداث أي إيذاء، علينا أن نعلم أولادنا صِغاراً وكباراً أن المال أمانة لا تُصرَف بإسراف ولا تُضيَّع فيما لا يفيد، ولا يُشترَى به كل ما يُشتَهى، أن نعوّدهم شكر الله على نعمة المال، وأن الله لم يمنحنا إياه لنبدده - دون حاجة أو ضرورة - جرياً وراء كل جديد يطل بوجهه طالباً منا المزيد من الإسراف.
نأخذ بأيديهم إلى سبيل شكر النعمة بتنميتها والحفاظ عليها من الضياع، وإعطاء أصحاب الحق فيه حقهم دون أن يسألوه أو يطلبوه، أن نعلمهم فقه العطاء وكيف أنه يحرم على من أغناه الله من فضله أن يتكبر على فقير أو مسكين ابتلاه الله بالفقر والمسكنة، أن يكون هذا المال سبيلاً لإحياء روح المراقبة في نفس مالكه، فلا ينسى أن الله سيسأله عن القليل منه والكثير من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه. 
وما أجمل أن يُعوّد الطفل على أن يكون له صندوق صغير للصدقة (حصالة) خاص به منذ نعومة أظفاره، ينفقه كلما امتلأ على المحتاجين من الأطفال في مثل عمره، وأن يقوم بتجهيز بعض لعبه وتغليفها وتزيينها وإهدائها ليتيم أو فقير؛ حتى يشب كريماً جواداً كما يحب الله عز وجل.>
الهوامش
(1) تفسير السعدي، الآية 103 من سورة «التوبة».
(2) انظر التحرير والتنوير لابن عاشور، الآية 103 من سورة «التوبة».
(3) انظر تفسير البغوي الآية 43 من سورة «البقرة».
(4) تفسير القرطبي، نفس الآية السابقة.
(5) تفسير القرطبي، الآية 7 من سورة «الحديد».
(6) الإسلام سؤال وجواب (المشرف العام الشيخ محمد صالح المنجد) https://islamqa.info/ar/75307.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 2

252

الثلاثاء 24-مارس-1970

أطفالنا من هم وإلى أين؟

نشر في العدد 2

94

الثلاثاء 24-مارس-1970

كيف أعود ولدي الصلاة؟!